2015-09-30 الساعة 01:26م (يمن سكاي - العربي الجديد)
يسعى نظام عبدالفتاح السيسي في مصر لجمع المزيد من اﻷموال من دول العالم لدعم وجوده اقتصادياً، في ظل تراجع المساعدات الخليجية من الدول المساندة له شأن الإمارات والكويت والسعودية. أما المقابل الذي سيسدّده السيسي للحصول على الأموال، فهو "منع تخريج إرهابيين جدد". هذه المعادلة تظهر بوضوح من خلال خطابه في نيويورك، والذي اتخذ شعار "اليد الممدودة".
ويشكّل هذا الهدف الاقتصادي الدافع الرئيسي لإطلاق السيسي مشروعه الذي وصفه بـ"المبادرة العالمية للأمل والعمل من أجل غاية جديدة"، تحت شعار "اليد الممدودة"، والذي أعلن عنه في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكّد فيه أن مصر ستعمل على طرحه على مجلس الأمن بعد توليها المقعد الممثل للقارة اﻷفريقية مطلع العام المقبل.
"
مصر ستطرح مشروع السيسي على مجلس الأمن بعد توليها المقعد الممثل للقارة اﻷفريقية مطلع العام المقبل
"
وبحسب السيسي، فإن المشروع يهدف إلى "صياغة برامج مشتركة للدعم المتبادل في المجالات التي تسهم في استغلال الموارد والطاقات البشرية، لاسيما على مستوى توظيف وعمالة الشباب، بحيث لا تنحصر على مجال التشغيل، ولكن أيضاً فى مجالات التدريب والتثقيف والفنون والتعليم، مع احترام الخصوصيات الثقافية لكل مجتمع".
ويتضمن المشروع العمل على توفير الدعم المالي والمادي اللازمين، لتنفيذ البرامج المشتركة ضمن إطار المبادرة القائمة على مسؤولية الحكومات عن التنفيذ والإشراف.
ويقع ذلك كلّه تحت عنوان محاربة الإرهاب، إذ تحدث السيسي عن "ضرورة ملء فراغ الشباب بما يحول دون استقطابهم من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفة وخداعهم بأفكار مغلوطة وأوهام زائفة، وهو الأمر الذي يتطلب منح الأمل للشباب واستثمار طاقاتهم في الجوانب المفيدة، وذلك من خلال سياسات التوظيف، ومجالات التعليم والبحث العلمي والفنون".
ويتكامل هذا المشروع بوضوح مع ما روّج له السيسي منذ توليه رئاسة مصر من ضرورة تمتّع الدول العربية النامية وفي المقدّمة مصر بدعم مالي واستثماري أوروبي وأميركي، بهدف وقف زحف الجماعات الإرهابية وظهور الأفكار التكفيرية، التي بدأت في التواجد بصورة مؤثرة في الدول اﻷجنبية خصوصاً في ظل تنامي أعداد اللاجئين الهاربين من الحروب اﻷهلية في المنطقة أو سوء الأوضاع اﻻقتصادية.
ويسعى السيسي للعب دور المنظر السياسي لوقف خطر هذه اﻷفكار على أميركا وأوروبا، فيختزل أسباب ظهور هذه الجماعات وتمددها في البطالة والفقر، وهو ما تحدث عنه صراحة من قبل خلال زيارته ﻹيطاليا وفرنسا وألمانيا، متجاهلاً أسباب أخرى كشمولية اﻷنظمة وغياب الديمقراطية وتداول السلطة وتقييد الحريات ومنع الممارسات السياسية السلمية بدعوى الحفاظ على النظام العام وتماسك الدولة، وهي اﻷسباب التي اجتمعت سابقاً في أنظمة عربية تعرضت لرياح تغيير الربيع العربي، ومازالت تجتمع في أنظمة قائمة. وساهمت بشكل أساسي في انزﻻق أعداد غير معروفة من شباب التيارات السياسية السلمية إلى العنف.
ويتكامل مشروع السيسي الجديد الذي يقوم على فكرة "البطالة أو اﻹرهاب"، مع أدوار أخرى يسعى السيسي للاستئثار بها في المنطقة، عبر تفاهمات مع أوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة، وهي حماية الشمال من موجات الهجرات غير الشرعية، والعمل على خنق قطاع غزة سياسياً واقتصادياً، والترويج لتواجد أوسع وأكثر ثباتاً ﻹسرائيل في الشرق اﻷوسط.
وتأتي هذه الرغبة المتزايدة في الحصول على أموال مقابل أداء أدوار أمنية في ظل تزايد اﻹنفاق المصري من الموازنة العامة المختنقة على التسليح، إذ أنفقت مصر في عامين فقط نحو 7 مليارات يورو على شراء أسلحة من فرنسا وروسيا، دون احتساب المبالغ التي تنفق على عمليات الصيانة والحصول على ذخائر، باﻹضافة إلى عمليات التصنيع.
هذا اﻹنفاق غير المسبوق على اﻷسلحة يقابله شح واضح في تحسين ظروف المعيشة والمرافق، لدرجة أن معظم مشاريع البنية التحتية خلال العامين الماضيين تستهدف أساساً جذب المستثمرين دون اكتمال خطط جذب اﻻستثمارات التي وعد بها السيسي قبل صعوده للسلطة، ودون البدء في أي من المشاريع التي تم الإعلان عنها في مؤتمر شرم الشيخ اﻻقتصادي مارس/ آذار الماضي.
وتقول مصادر حكومية مصرية فضلت عدم نشر اسمها لـ"العربي الجديد"، إن "خطة السيسي اﻻجتماعية ﻻ تشمل تشغيل الشباب في مشاريع حكومية دائمة أو مؤقتة، فهو يسعى بكل جهده لتخفيض العمالة الحكومية بنسبة ﻻ تقل عن 50 في المائة بهدف تخفيف أعباء اﻷجور. بل تقوم خطته على جذب اﻻستثمارات أوﻻً، ثم تشغيل الشباب في هذه المشاريع المدعومة برأس مال عربي أو أجنبي".
ورأت المصادر أن "السيسي لا يعطي وعوداً لتشغيل الشباب أو مساهمة الدولة في القضاء على البطالة، حتى أن البرنامج الذي أطلقه لتأهيل الشباب للقيادة يضمن فقط تعيين نسبة ضئيلة من خريجيه في وظائف الدولة، لتستمر معاناة باقي الخريجين في سوق العمل".
ويطرح هذا الأمر تساؤلات عن الفائدة الحقيقية التي ستعود على شباب مصر الذي يعاني الفقر والبطالة واﻻختناق السياسي واﻻجتماعي من مشروع السيسي الذي طرحه على اﻷمم المتحدة، طالما لن تتولى الدولة بنفسها عملية التشغيل، إﻻ إذا كان الهدف الحقيقي من المشروع سياسياً وأمنياً.
وعن مدى إمكانية قبول الغرب لمشروع السيسي الجديد بالصيغة التي أعلنها أمام الأمم المتحدة، رأت المصادر الحكومية نفسها، أن تجارب مصر المتكررة مع الوﻻيات المتحدة واﻻتحاد اﻷوروبي أظهرت وجود حالة من عدم الثقة بين الجانبين، طالما تعلق اﻷمر بمساعدات مالية، إذ اتهمت الدول المانحة نظام حسني مبارك المخلوع مراراً بسوء التصرف في العطايا والقروض طويلة اﻷجل، وهو ما يحول عملياً دون اﻻستجابة الفورية لمشروع السيسي.