2015-10-03 الساعة 09:16ص (يمن سكاي - العربي الجديد)
في ظلّ الأحداث المتسارعة في المنطقة عموماً، والعراق وسورية خصوصاً، لا يمكن إغفال الربط بين إعلان موسكو عن تحالف عسكري رباعي في العراق وسورية، يضم كُلاًّ من إيران والعراق وسورية وموسكو لاستهداف الجماعات الإرهابية، مع مرور عام كامل على بدء قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن عملياتها العسكرية الجوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في كلا البلدين، من دون أن تحرز أي تقدم ملموس على الواقع الميداني.
صعّدت موسكو منذ يونيو/حزيران الماضي، حدّة انتقاداتها للتحالف الدولي، متهمة إياه بالفشل وتعقيد الأزمة في العراق وسورية، لتقوم، أخيراً، بإنشاء جسر جوي علني لدعم الرئيس السوري، بشار الأسد، بالأسلحة والصواريخ والمعدات العسكرية المختلفة عبر العراق، الذي التزم الصمت حيال ذلك، على الرغم من التنديد العربي والدولي لدعم حكام دمشق.
"
سعى الأميركيون إلى توريط الروس بالملفين العراقي والسوري بشكل أكثر علنية، وكسب موسكو استعداء أكثر للشعوب في المنطقة
"
في العراق، بدا المشهد فاضحاً، إذ رحّب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بما وصفه بـ"الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب"، ومنها الجهود الروسية، فاتحاً الباب أمام مناقصة على بلده لمن يتدخل ويضرب من دون تكرار مصطلح "السيادة الوطنية"، الذي دأب على قوله في كل خطاب محلي أو دولي، يرافق ذلك ترحيب عال من مراجع دينية ومليشيات وقيادات التحالف الوطني العراقي، بالتدخل الروسي الإيراني، وصولاً إلى حدّ المطالبة بإزاحة التحالف الأميركي والإبقاء على الروسي بعد عام من الفشل.
هنا، تقفز سيناريوهات أو فرضيات عدّة للتدخل الروسي، مستقاة من واقع الأرض السورية والعراقية وسرّ الموافقة أو الصمت الأميركي الغريب، وربطها بتقارير تتحدث عن توقّف مفاجئ أو تجميد لجهود الجيش الأميركي في استعادة الأنبار من قبضة "داعش".
سيناريو التوريط
وفقاً لبيانات ومعلومات رسمية، فإنّ التحالف الدولي، بدأ أولى ضرباته في العراق، في 19 سبتمبر/أيلول 2014، أعقبها بأربعة أيام فقط، بدء عملياته في سورية، بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول من العام ذاته. بلغ عدد الدول التي شاركت في التحالف 63، من بينها 13 دولة تشارك بشكل فعلي مباشر، أبرزها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، وأستونيا، وإسبانيا، وفرنسا، وأستراليا، والدنمارك، وألبانيا، بينما تشارك الدول الأخرى بمساعدات لوجستية عسكرية أو مالية أو على مستوى التدريب والاستشارة للقوات العراقية. وأخيراً، انضمت منظمات دولية للتحالف بشكل رسمي للمساعدات الإنسانية، كبرنامج الأغذية العالمي، والمفوضية العليا السامية لحقوق الإنسان، واليونيسف، والجامعة العربية.
نفّذ التحالف الدولي، في العام الماضي، أكثر من 19 ألف طلعة جوية في كلا البلدين، منها 14 ألف غارة جوية، نتج عنها قصف أهداف محددة أو مرسومة مسبقاً، والأخرى تراوحت بين عمليات إمداد عسكري ومراقبة جوية وإمداد مقاتلين محليين بواسطة مناطيد تحمل شحنات ذخيرة وعتاد، أسفرت، وفقاً لإحصاءات غير رسمية، عن تدمير أكثر من سبعة آلاف هدف لتنظيم "داعش" في كلا البلدين، تراوحت بين مقارّ ومبانٍ تابعة لهم ومواضع وتجمعات مسلحة وحواجز تفتيش وخطوط أمامية خلال المعارك. كما أسفرت تلك الغارات عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن أربعة آلاف عنصر من "داعش"، كما قتل وأصيب مئات المدنيين العراقيين والسوريين.
خسر التنظيم في العراق، عام 2014، في إثر عمليات التحالف، 2 في المائة فقط من مجمل المساحات التي يسيطر عليها، والبالغة نحو 182 ألف كيلومتر، ما يعادل 40 في المائة من مساحة العراق الإجمالية. بينما ارتفعت نسب المساحات التي يسيطر عليها في سورية، خلال عام 2015، إلى مستوى قياسي، بعد سقوط مدينة تدمر وبلدات مجاورة لها وبلدة القريتين والطاسة والجزء الجنوبي من محافظة دير الزور، فضلاً عن احتلاله تسع قرى كردية قرب الحسكة، بالإضافة إلى استمرار فرض التنظيم سيطرته على حقول نفط مهمة شمال العراق وشرق سورية.
تبيّن هذه النسب أنّ التحالف الدولي، بالفعل، لم يكن عند مستوى الآمال الدولية، كما أنّ بقاءه على هذا النحو، لن يغيّر شيئاً في المعادلة، مع استمرار نجاح "داعش" بفرض نظرية الاستبدال والتعويض، وهما نظريتان باشر التنظيم بتطبيقهما، تقومان على تعويض قتلى التنظيم بمقاتلين جدد، واستبدال الذين يهاجرون من السكان المحليين، بعوائل المقاتلين القادمين حديثاً للانضمام إليه، من أوروبا.
مقابل ذلك، سعى الأميركيون إلى توريط الروس بالملفين العراقي والسوري بشكل أكثر علنية، وكسب موسكو استعداء أكثر للشعوب في المنطقة، من خلال إظهارها على أنّها المدافع الأول عن مصالح إيران في المنطقة ومحاولتها تثبيت نظام الأسد. ووفقاً لتاريخ الروس العسكري، يتّضح أنّ التدخل الجوي، سيكون البداية، وسيكون تورّطهم في المستنقع برّاً، مع قناعة الولايات المتحدة بأنّهم لن يحققوا شيئاً، مع محاولة أميركية للفت أنظار التنظيمات المتطرفة إلى الشرق، بدلاً من تركيزها على استعداء واشنطن ولندن، كما دأبت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ونقل هذا العداء إلى مرحلة أولوية الجماعات الإرهابية، هي موسكو، وهو ما أكّده عدد كبير من المراقبين، الذين اعتبروا هذا السيناريو واقعياً، وإن لم يكن الرئيسي، فهو ثانوي.
"
تسعى روسيا إلى تحقيق نصر عجز عنه الأميركيون، طيلة عام كامل، مما سيجرّ الروس إلى توسيع مؤكد لطبيعة تدخلهم العسكري
"
في هذا الصدد، كتب الصحافي توماس فريدمان، مقالاً في "واشنطن بوست"، أكّد فيه، أنّ "بوتين ذهب بغباء إلى سورية، متطلعاً إلى حلوى رخيصة، ليظهر لشعبه أنّ روسيا لا تزال قوة عظمى. بوتين الآن يقف فوق الشجرة، ويجب على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري أن يتركاه هناك، لمدة شهر، ليقاتل داعش وحده هو والأسد، ويتفرجان عليه، ليصبح العدو رقم واحد للعالم السنّي".
يمكن التسليم بأنّ الروس يسعون، اليوم، إلى تحقيق نصر عجز عنه الأميركيون وحلفاؤهم، طيلة عام كامل، مما سيجرّ الروس إلى توسيع مؤكد لطبيعة تدخلهم العسكري، الذي لن ينتج عنه سوى مزيد من الدمار وقتل المدنيين، إذ يحتلّ الروس، المرتبة الأخيرة في دقة التصويب الجوي مقارنة بالجيوش الغربية، فضلاً عن همجية الآلة العسكرية التي سبق أن سجّلت جرائم في أفغانستان والشيشان ودول أخرى، في القرن الماضي.
لذا، فإنّ سيناريو التوريط الأميركي للروس، اكتمل، وقد يدفع ذلك إلى فتح محادثات جديدة لبحث مصير الأسد، وإن بشكل مختلف. في هذا الوقت، سيظهر الأميركيون أكثر قرباً من تطلعات شعوب المنطقة أو قاعدتها الجماهيرية، التي تؤيد إسقاط الأسد ودعم فصائل المعارضة، كمرحلة أولى قبل القضاء على "داعش".
سيناريو التسليم
يرى مراقبون أنّ الولايات المتحدة قرّرت تسليم الملف السوري إلى موسكو وإشراكها في الملف العراقي، مما يمكّنها من التعامل بشكل أكثر حرية وراحة مع جهة واحدة قادرة على اختزال أو جمع كل الأطراف المعادية في مسمى واحد. كما سيكون التفاهم مع الروس وحدهم كافياً أو يعوّض عن التحاور مع إيران والمليشيات والتحالف الشيعي وحزب الله اللبناني الذين يحرجون واشنطن، في إعلانها أمام شركائها، عن عدم قدرتها على التفاهم مع تلك الأطراف، خصوصاً، أنّ الرأي العام الأميركي ينتقد أي تقارب مع مليشيات "الحشد الشعبي" العراقي.