2015-10-28 الساعة 05:32م (يمن سكاي - عربي 21)
"كل من يحضر غدا للمشاركة في مسيرة الماء.. رجل، امرأة، طفل.. فليحمل في يده دبة (قارورة) ماء، بقدر ما يمكنه. التجمع أمام بوابة جامعة إب، الثامنة صباح غد الثلاثاء، والتحرك تمام التاسعة.. #مسيرة_الماء"..
كانت تلك هي آخر "ابتهالة إنسانية" كتبها الصحفي والكاتب والروائي اليمني المعروف محمود ياسين، على صدر يومياته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حيث كان قد حول مربعات ذلك العالم الافتراضي؛ إلى وسيلة لم يجد أفضل منها، لإطلاق وإدارة مبادراته الاجتماعية ذات الطابع الإنساني، ضد الانتهاكات التي تطال الإنسان اليمني.
وفي هذا المنشور؛ أطلق الصحفي محمود ياسين دعوته لـ(#مسيرة_الماء)، موجها نداءه إلى شباب مدينة "إب" (190كم جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء)، الواقعة تحت قبضة مليشيات الرئيس المخلوع علي صالح والحوثيين، منذ اجتياحها في 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
وهدفت مبادرة ياسين التي أطلقها في 8 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، إلى إغاثة أبناء مدينة تعز (63 كم جنوبي مدينة إب) بالمياه، وكسر الحصار المفروض على المدينة من قبل المليشيات، التي منعت دخول الماء والغذاء والعلاج إليها منذ حوالي شهرين، ما دفع ياسين إلى القول بعد دعوته إلى المسيرة: ".. وإنْ أراق الحوثيون ماء المسيرة على مداخل تعز؛ فليريقوا المزيد من الدم".
وتفاعل النشطاء مع دعوة ياسين، الذي كتب في اليوم التالي على صفحته: "عدد كبير من أصحاب الوايتات (شاحنات المياه) في محافظة إب، أعلنوا استعدادهم للمشاركة في مسيرة الماء نحو تعز"، مشيرا إلى أنه تحرك مع مجموعة من الصحفيين والناشطين في صنعاء، صوب إب، لاستكمال مرحلة الإعداد والتجهيز النهائية للمسيرة.
كان اليوم المحدد لانطلاق المسيرة هو 13 تشرين أول/ أكتوبر، وعشية ذلك اليوم داهمت مجاميع من المليشيات الفندق الذي كان يعقد فيه ياسين وزملاؤه الاجتماع التحضيري الأخير للمسيرة، واختطفتهم جميعا، وأشارت معلومات متطابقة إلى أن عدد المختطفين تجاوز الـ30 شخصا بين صحفيين ومحامين وناشطين.
بعدها بأيام؛ أطلقت المليشيات عددا من الصحفيين والنشطاء المعتقلين، وأبقت على الصحفي محمود ياسين برفقة ستة آخرين من المخططين للمسيرة. ومؤخرا تداولت الصحافة معلومات عن مقربين من الصحفي ياسين، تتحدث عن تعرضه للتعذيب، في وقت عرض فيه أحد المفرج عنهم صورا تكشف تعرضه للتعذيب أيضا.
لن نظل مكتوفي الأيدي
لم تكن تلك هي أول مبادرة إنسانية يطلقها الصحفي محمود ياسين، فقد بدأت مسيرته ضد ممارسات المليشيات الانقلابية، منذ وقت مبكر من سيطرتها على العاصمة صنعاء. ففي أوآخر العام الماضي، برز ياسين كقائد لحركة جديدة تحت شعار "لن نظل مكتوفي الأيدي"، لاقت تفاعلا كبيرا من قبل صحفيين وناشطين حقوقيين ومواطنين عاديين، وهدفت إلى التحرك لمواجهة السلوكات والممارسات القمعية للمليشيات الانقلابية.
وبدأت هذه الحملة ليلة 23 كانون أول/ ديسمبر 2014، في إثر محاصرة مسلحين حوثيين منزل امرأة بالعاصمة اليمنية صنعاء، تدعى "انتصار شرهان"، وهي زوجة سابقة لرجل الأعمال اليمني الشهير الشيخ حميد بن عبدالله حسين الأحمر، أحد الخصوم الرئيسين للمخلوع صالح والحوثي.
وفي تلك الليلة؛ دعا ياسين عبر صفحته في "فيسبوك"، من يريد الحضور معه للاعتصام بجوار منزل السيدة شرهان، لمنع المليشيات من اقتحام منزلها. وعلى الرغم من أن تلك الدعوة جاءت في وقت متأخر من الليل، إلا أنها وجدت من يتفاعل معها ويخرج معه للاعتصام، الذي نجح في إثارة الرأي العام، وإيقاف اقتحام المنزل، وترك السيدة في حالها.
بعدها بأيام؛ توجه ياسين وعدد من الصحفيين إلى مدينة الحديدة (226 كم غربي العاصمة صنعاء)، ضمن مبادرته "لن نظل مكتوفي الأيدي"، بغية إنقاذ طفل يدعى "هاشم ورو" (15 عاما) من قبضة المليشيات بعد أسبوعين من اعتقاله، وهناك قاد مظاهرات استجاب لها أبناء المحافظة الواقعة تحت سيطرة المليشيات، ونجح مع المتظاهرين بإطلاق سراح الطفل "ورو" تحت ضغط المظاهرات الشعبية.
اختطاف سابق
وفي 19 أيلول/ سبتمبر الماضي؛ تعرض ياسين وعدد من زملائه الصحفيين والناشطين الحقوقيين، للاختطاف من قبل المليشيات بعد الاعتداء عليهم بالضرب، بينما كانوا ينظمون فعالية اعتصامية جوار مقر الأمن السياسي (الاستخبارات)، تطالب بإطلاق سراح، أو الكشف عن مصير السياسي اليمني البارز "محمد قحطان"، القيادي في حزب الإصلاح اليمني، الذي أشيع حينها انه توفي جراء تعرضه للتعذيب في المعتقل.
ولكن هذه المليشيات تعرضت لانتقادات شعبية لاذعة وغاضبة، ما دفعها إلى إطلاق سراح ياسين ومجموعته.
ومع أن اختطاف ياسين وزملائه على خلفية "مسيرة الماء" الأخيرة، لاقى ردود فعل محلية ودولية واسعة؛ إلا أن المليشيات حتى الآن لم تستجب لمطالب ومناشدات إطلاق سراحهم، رغم مرور أكثر من نصف شهر على اختطافهم، ولا تعرف أسرته مكان إخفائه، وسط معلومات تؤكد تعرضه للتعذيب.