2015-11-02 الساعة 09:17م (يمن سكاي - فورين بوليسي )
لا يمكن للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» التوسط في حل سياسي في سوريا في الواقع، نتيجة لمحاولاته الأخيرة للعب النفوذ الدبلوماسي في الشرق الأوسط فإنه ربما يفقد مصداقيته. ظهر هذا في الأسبوع الجاري عندما التقى المسؤولون في إيران، أكبر الداعمين لـ«نظام الأسد»، مع نظرائهم الأميركيين والروس في فيينا لمناقشة حل سياسي للصراع السوري. وقد ضغطت روسيا بقوة من أجل إدراج إيران في هذه المحادثات حالية المخاطر.
لكن «بوتين» وضع نفسه عرضة لخيبة الأمل. وهذا لأنه لا يوجد حل سياسي للأزمة في سوريا. تتطلع روسيا إلى حل يضم جميع أطياف الجماعات المعارضة في سوريا والذي سيفشل حتما نظرا لأن هذا الطيف الواسع بالضرورة لا بد أن يشمل بوضوح المتشددين و«الدولة الإسلامية»، وهي مجموعات لا واشنطن ولا حتى موسكو على استعداد للتعامل معها. في حالة عدم وجود حل سياسي، سوف يكون استرداد المناطق على يسيطر عليها المتشددين ينطوي بالضرورة على معركة طويلة ومريرة. وهي المعارك التي سوف يعلق فيها «الأسد» ووكلاؤه من الإيرانيين والروس.
فكرة أن قيام «بوتين» بنشر بضع العشرات من الطائرات سوف يقلب الطاولة لصالح «الأسد» هو أمر أشبه بالخيال على المستوى الاستراتيجي. الحشود الكبيرة في واشنطن التي تقول أن الولايات المتحدة عليها أن تصعد بقوة من أجل مواجهة تحرك موسكو في سوريا هم مخطئون. الانخراط الروسي في المستنقع السوري هو في الواقع أفضل فرصة حصلت عليها إدارة «أوباما» خلال الأشهر الماضية لإضعاف «بوتين».
خطة «بوتين»
على العكس من ذلك، استراتيجية «بوتين» في سوريا ليست عصية على الفهم. موقع الضربات الروسية في سوريا في الأسابيع الأخيرة تشير إلى أنه يريد أن يساعد «الأسد» ووكلاءه من الميليشيات الشيعية لربط الأماكن التي يسيطر عليها في حمص مع تلك الموجودة في حلب عن طريق تطهير محافظات اللاذقية وحماة وإدلب من المعارضين من غير «الدولة الإسلامية». في حال نجاحها، فإن هذه الحملة سوف تقضي على معظم المجموعات المعارضة في هذه المناطق بدءا من الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحدة إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة حيث يترك فقط «الدولة الإسلامية» والأكراد في شمال سوريا. واشنطن وحلفاؤها، وفقا لحسابات «بوتين»، سوف يضطرون إلى القبول بـ«الأسد» كخيار وحيد لمواجه «الدولة الإسلامية» في المناطق السنية في شمال ووسط سوريا. وببقاء «الأسد» في السلطة يكتسب «بوتين» النفوذ الإقليمي، وتقلب الهيمنة الإقليمية للولايات المتحدة.
وبالنظر إلى أن «بوتين» لديه بالفعل استراتيجية سياسية محددة، فإن الانتقادات الغربية لفشل «الأسد» في إسقاط أكثر من بضع قنابل فوق مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» في حين توجه ضرباتها نحو المعارضة من الفصائل الأخرى هو أمر مثير للسخرية. الولايات المتحدة، على النقيض، قد وضعت هدفا سياسيا وهو تحطيم «الدولة الإسلامية» دون أن توضح ما الحل السياسي الذي يمكن أن تنتهي إليه حملة القصف. من الذي ترغب الولايات المتحدة أن تكون له السيطرة على الأرض بعد إزاحة «الدولة الإسلامية».. الجواب أنه لا أحد يعرف.
بدلا من إدانة «بوتين» للعمل لأجل مصلحته الشخصية في سوريا فإن كل من البيت الأبيض النقاد من الصقور في واشنطن ينبغي عليهم على النقيض التركيز على تجلية الضعف الصارخ لخطته: وهي أنه سوف يفقد مصداقيته السياسية وأمانه المالي بينما يحاول دعم «الأسد» والتوسط في حل سياسي بعيد المنال. كل ما ينتظر أولئك الذين يدافعون عن ما تبقى من الدولة السورية المنهارة هو كابوس مكافحة التمرد المفتوح.
المستنقع السوري
أولئك الذين يريدون من البيت الأبيض تصعيد حملته في سوريا من أجل مواجهة «بوتين» يجب أن يفهموا أولا، أنه لا يستطيع أن يقدم حل تفاوضي للحرب. النظر في الحقائق على أرض الواقع. وإذا نحينا جانبا الأكراد، فإنه لا يوجد من المعارضين المعتدلين في سوريا من يمكن الارتكاز عليه في أي حل سياسي. إذا كان هناك، فإن واشنطن لم تكن لتتخلى عن برنامجها لتدريب الكوادر السورية بعد أن فشلت في العثور سوى على عشرات، والذين لم يكونوا على استعداد للقتال بحال. في أعقاب ذلك الفشل الذريع، يقع العبء على إدارة «أوباما» أن تثبت أن «المعارضين المعتدلين» هم شيء أكثر من مجرد خيال. على العكس، هناك أدلة كثيرة على أن العديد من المعارضين من غير «الدولة الإسلامية» الذين ينتظر أن يكونوا جزءا من أي حل هم في الواقع من المتشددين.
هذا هو السبب في أن فكرة وجود حل سياسي، أيا كان من يلعب دور الوسيط، هو مجرد إسقاط خيالي نابع من رغبتنا في إنهاء الحرب الأهلية السورية أكثر من كونه مشروعا يرتكز على معطيات واقعية. ببساطة، لن تكون هناك صفقة مع المتشددين الإسلاميين، ناهيك عن «الدولة الإسلامية»، بغض النظر عن ما إذا كان الطرف المقابل هو «الأسد» أو روسيا والغرب، أو قوى إقليمية، أو مزيج منها. يمكننا أن نتصور بجدية جبهة النصرة، الجماعة المعارضة الأكبر سوى «الدولة الإسلامية» يتم دعوتها إلى طاولة المفاوضات من أجل مناقشة «سوريا تعددية».. إنه درب من الخيال.
بدلا من ذلك فإن نقطة النهاية للكثير من النقاط التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» وسائر المعارضين هي القتال حتى الموت. إنه ليس ذلك النوع من المعارك ذات النهايات الحاسمة. بمجرد أن يتم تطهير الأرض فإن القوات تحتاج إلى البقاء في أماكنها من أجل أغراض استعادة النظام. وإذا كانت حرب العراق قد أظهرت أي شيء فهو أن التمسك بالأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة يعني بداية كابوس مفتوح من العبوات الناسفة وأعمال القناصة والعنف الطائفي.
ينبغي ألا يكون هناك أي شك في أن التمرد سوف يتصاعد في المناطق السنية من سوريا حال تم استعادتها من قبل المعارضين الإسلاميين أو تنظيم «الدولة الإسلامية». المظالم الشديدة التي تحرك التمرد ضد «الأسد» لن تختفي فجأة. ومثل هذا التمرد سوف يستمر إلى أن يتم فرض حل سياسي بالقوة العسكرية والذي قد يضمن ضم المناطق التي يسيطر عليها المعارضين إلى الدولة السورية بالقوة أو تقسيم المناطق إلى وحدات سياسية مستقلة. إذا لم يظهر أي حل سياسي من هذا القبيل، فإن كل مجموعة تسيطر على مساحة معينة من الأرض سوف تحتاج إلى حمايتها وإخضاعها بشكل دائم باستخدام الميليشيات. وفي كلتا الحالتين، فإننا نبدو في الطريق إلى مستنقع.
إذا قرر «بوتين» مضاعفة دعمه لنظام «الأسد»، فإنه سوف ينجذب أكثر نحو المستنقع. وإذا فشل في تقديم حل سياسي فإنه مسرحيته لممارسة النفوذ في الشرق الأوسط سوف تبدو سخيفة. ولكنه سوف يبقي نفسه عالقا مع «الأسد» نظرا لكونه قد استثمر في إبقائه على قيد الحياة. هل يمكن لـ«بوتين» التحرر من هذا المأزق؟ في الواقع لا، نظرا لكونه لا يستطيع تحمل تكلفة التصعيد بشكل أكبر مع الحالة الراهنة للاقتصاد الروسي والذكريات التي لا تزال عالقة من تجربة أفغانستان في الثمانينيات. تكلفة الحملة الروسية تتراوح ما بين 2.3 مليون إلى 4 ملايين دولار يوميا وفقا للتقديرات، وهي قد لا تبدو مرتفعة جدا الآن لكنها سوف تمثل عبئا مع الوقت.
بيت القصيد هو أن «بوتين» عالق في سوريا، وكذلك المتشددين في طهران الذين يدعمون الميليشيات الشيعية على أرض الواقع. هذا ليس شيئا سيئا لمن يريدون أن يراهم في موقف أضعف. «الأسد» هو ثقل كبير يقوم بسحب «بوتين» إلى الأسفل وليس حليفا حيويا قادرا على إبقاء روسيا واقفة على قدميها في الشرق الأوسط.
على إدارة «أوباما» أن تنظر لما يحث على أنه فرصة لتوريط «بوتين» في أكبر قدر ممكن من الفوضى، بدلا من التفاوض معه حول مشاركته في سوريا. عبارة أخرى، يمكن للرئيس «أوباما» في هذه اللحظة وضع خطة لاستراتيجية سياسية حقيقية وليس مجرد لإلقاء المواعظ والخطب ضد دعم «بوتين» لما تبقى من الدولة السورية وبدلا من العملية غير ذات المعزى ضد «الدولة الإسلامية». الضربات الأمريكية في سوريا يجب فقط أن تكون مرتبطة بأهداف إيجابية محددة مثل مكافحة الإرهاب للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، منع الدولة الإسلامية من إعادة تموين عملياتها في العراق، أو حتى دعم الجيوب الكردية. وبعد ذلك، علينا أن نفهم على الأقل من الذين تعتبرهم إدارة «أوباما» المرشحين للسيطرة على الأرض في أعقاب تطهيرها من «الدولة الإسلامية» أو المعارضين لأن هذا هو المفتاح لأي حل سياسي يمكن أن نراه في سوريا.
المصدر | فورين بوليسي