2015-01-20 الساعة 09:19ص (يمن سكاي متابعات خاصة)
من اللحظة التي أرادت مشيئة الولايات المتحدة للحوثيين حضوراً بارزاً بين كتلة أعضاء مؤتمر الحوار الوطني وهم يصولون ويجولون بسياساتهم المعكرة لمسار العملية السياسية، والتي تفاوتت بين التهديد والوعيد واستخدام البطاقات الحمراء والتخندق المسلح لمع نجم الحوثيين في مجرة السياسة اليمنية المليئة بالاضطرابات والاصطدامات وجيرت المعادلة السياسية لصالحهم. واستطاعوا بفضل مؤسسات الدولة الرخوة المثخنة بالخيانة وتعامي مجلس الأمن عن تجاوزاتهم فرض أمر واقع وإحكام السيطرة على مقاليد الأمور والسعي نحو تنفيذ أجندة المشروع الإيراني التوسعي الذي يلتهم المنطقة، ولم يعد لمؤسسات الرئاسة والحكومة إمكانية مزاولة مسؤولياتها إلا بما يتوافق وأهواء الحوثي المستحلة لمقدرات الدولة وشعبها.
اختتمت جلسات الحوار الوطني في 25 يناير/كانون الثاني من العام 2013 وتمخضت عنه ما سميت بوثيقة الحوار الوطني التي ظلت مقترحاتها حبيسة الأوراق. بعد هذه المرحلة مرت اليمن بفترة صمت وجمود سياسي ظلت فيها أعناق اليمنيين منتظرة تجاه الرئيس هادي الذي استطاع ـ في بادئ الأمر ـ تصوير نفسه على أنه المخلص الوحيد لليمن من أزماته، في انتظار القرارات الشجاعة التي تقص أجنحة النظام السابق وتبتر يد الفساد المتفشي في المؤسسات المدنية والعسكرية، ولذلك بدأ الرخو الخليجي تجاه اليمن وبدأ انحلال المبادرة الخليجية مع تزايد النفوذ الحوثي الذي التهم المناطق اليمنية في ظل صمت الرئيس هادي وتأييده لهم بمختلف الوسائل التي مكنتهم من الاستيلاء عليها بدءاً من صعدة وانتهاءً بالعاصمة والمحافظات الأخرى.
ساعد الصمتُ الخليجي الحوثيين في قلب الطاولة والتملص من كل التعهدات والالتزامات المتفق عليها في مؤتمر الحوار الوطني، وفرض سياسة جديدة أزاحت المبادرة الخليجية وأحلت مكانها وثيقة السلم والشراكة التي لم يبق منها سوى اسمها الضبابي، فكان موعد التوقيع عليها في 21 سبتمبر/ايلول، الذي صادف سقوط صنعاء، من قبل كافة المكونات السياسية هو إيذانٌ بمرحلة جديدة يقودها الحوثيون بمفردهم.
كان كل من الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثي يلعب بأوراقه هنا وهناك في مختلف مناطق اليمن سياسياً وعسكرياً، وكانت تهديدات مجلس الأمن تتوالى بإدخالهم ضمن لائحة المعرقلين بعد إقرار شمول اليمن بالبند السابع، انتهت تلك التهديدات بإدخال صالح وبعض رجالات الحوثي ضمن القائمة، وهي الحركة التي نفعتهم أكثر مما أضرتهم، وظلت فارغة المحتوى والمضمون والدليل أنها حتى الآن لم تؤدِ الغرض الذي ينفع اليمن دولة وشعباً.
رغم التهديدات دأب الحوثيون في صولجانهم العسكري واستمرت سيطرتهم على مناطق اليمن ومجلس الأمن يلتزم الصمت، وبدا مضمون تلك الجعجعة وكأنه جر لإسلاميي اليمن ممثلين بحزب التجمع اليمني للإصلاح، ألد أعداء الحوثي، إلى قوقعة الحرب ليمكن إدخاله ضمن المعرقلين، حتى أن دولاً خليجية كالسعودية والإمارات حرصت على خدمة هذا التوجه بإدراج الإخوان المسلمين ضمن التنظيمات الإرهابية المحظورة في محاولة لتضييق الخناق والدفع إلى استخدام ورقة العنف.
ندرك تماماً أن وقوع الاحتلال الأمريكي لدولة ما يعني تدميرها بشكل كامل وإن تم الانسحاب منها؛ فإنها لا تسحب نفسها قبل زرع أدوات التفخيخ التي تساعد على التدمير الذاتي لسنين عدة. وهذا ما حدث ويحدث بالضبط في العراق، رغم انسحاب القوات الأمريكية من أراضيها في نهاية 2011 إلا أنه لا يزال يعاني من التدمير اليومي والتسلط الشيعي الذي ولد تنظيم «داعش» الإرهابي إزاء تغاضي الإدارة الأمريكية عن تجاوزات المالكي بحق المسلمين السنة مما وفر بيئة خصبة لتلك التنظيمات.
بداعش ستضمن أمريكا للعراق دماراً ذاتياً سيستمر لسنوات وربما لعقود. وكما علق الكاتب الصحافي وائل قنديل: «لو لم توجد داعش لأوجدتها أمريكا» وذلك بدافع استمرار المشاكل والفوضى التي تؤخر العراق كثيراً عن ركب الاستقرار والتطور.
والسيناريو ذاته يمارس في اليمن؛ فأمريكا هي من غذت الحوثيين وهي من جعلت لهم ثقلاً سياسياً في المشهد السياسي وهي نفسها من تغاضت عن تجاوزاتهم حتى صاروا اللاعب الوحيد في الساحة عبر فرض أمر واقع، وحرصت أكثر من مرة على مواجهتهم مع الإصلاح وتصويرهما على أنهما طرفا الأزمة، وهذا قد يعتبر السبب الأبرز لذلك التغاضي غير المبرر تجاه التجاوزات الحوثية. ونتيجة هذا التجاوز الحوثي تنامت عمليات تنظيم القاعدة عبر تفجيرات تستهدف الحوثيين في محافظات عدة كما حصل في إب وصنعاء والحديدة والبيضاء وغيرها. وصار الوضع في اليمن أقرب إلى الانفجار الطائفي والمذهبي بين سنة وشيعة. كما يحرص الحوثيون أكثر من مرة، بمساعدة مؤسسة الرئاسة، على جر الإصلاح إلى مربع المعركة عن طريق التوسع في المحافظات الشمالية التي يتمتع فيها بشعبية وقوة وتذرعاً بتواجد التكفيريين والإرهابيين، محاولة في تعزيز التوجه الأمريكي لتفخيخ الوضع وإدامة تأججه.
ونظراً لنية الولايات المتحدة في تخفيف حالات التدخل في الشرق الأوسط لما تكبدته من خسائر اقتصادية وسياسية وأخلاقية، واكتفاءً بمخزونها من النفط الصخري الذي سيغنيها عن النفط الخليجي، فإنها تعتزم الانسحاب قليلاً ولكن بشكل تكتيكي بعد أن تتم عمليات التفخيخ وبذر الأزمات والفوضى في المنطقة لينعدم فيها الاستقرار وتقل حظوظ الإسلاميين في الوصول إلى السلطة الذين يشكلون خطراً على نفوذ أمريكا.
وإطلالاً على المشهد اليمني فإنه من المؤسف القول إن هذا التوتر سيدوم طويلاً والنفوذ الحوثي على أشده وبشكل متسارع يقضي على ما تبقى من آثار الدولة اليمنية التي تخلى مسؤولوها عن واجبهم تجاه وطنهم وقبلوا بأن يكونوا رهائن بيد الخارج يحركون بهم أزماته ويزيدون تصدعه وتدميره. نتمنى أن يلتقط يمننا الحبيب أنفاسه ويعود إلى وضع المعقول والدولة الذي يحكمها القانون والديمقراطية والمواطنة المتساوية.
عبدالله المغارم - القدس العربي