أهم الأخبار

العائد من الجحيم.. قصة شاب أمضى خمسة سنوات في كنف تنظيم القاعدة

2015-12-05 الساعة 02:00م (يمن سكاي - متابعات)

أخبار اليمنية – خاص – ابتهال الصالحي – عدن

 

الجماعات الجهادية باسم الإسلام في عدن بين الحقيقة والادعاء، نفي رسمي تارة وتاكيد تارة أخرى، ظهور علني في وضح النهار ثم التواري، التهديد هنا والتراجع هناك، كل ذلك يحدث في ظل غياب شبه كامل للأجهزة الأمنية. البعض يتقمص ثوب القاعدة لصالح طرف أو أطراف بعينها، وحتى مع تبني العمليات التي تم تنفيذها مؤخرا ما يزال الشك يساور البعض.

 

البحث عن الحقيقة..

 

في مكان ما على شاطئ مدينة البريقة الساحرة كانا يتجاذبان الحديث، وبدون علمه وبترتيب مسبق من الصديق المشترك حضرت إليهما .. مظاهر الاحراج والانزعاج كانت بادية عليه، ربما تفاجأ بوقوف امرأة أمامه وتتحدث إليه وجهاً لوجه .. خمس دقائق مدة اللقاء، كان يتحاشى فيها النظر إلي مباشرة وظل يشيح بوجهه باتجاه الأفق البعيد نحو قرص الشمس الذهبي الذي يوشك على الغرق في أفق خليج عدن .. بصعوبة بالغة استطعت إقناعه بسرد تجربته في أحد التنظيمات الدينية المتشددة.

 

وعدني أن يحكي لي قصته ولكن عبر مكالمة هاتفية. لم يكن أمامي غير الاستجابة لرغبته، فعلى ما يبدو أن افكار الجماعة وتحريم الكلام والاختلاط مع نساء أجنبيات “مصطلح يطلق على النساء من غير المحارم” كانت لاتزال تسيطر عليه!!

“سامي” هو اسمه المستعار ويكنى أيضاً بـ:” أبو عبيدة”، شاب عشريني وسيم وفارع الطول وذو عضلات مفتولة، وعائد من بوابة الجحيم ..

 

والد “سامي” أو “ابو عبيدة”: ألحقه والده ومنذ سن السابعة تقريبا بحلقة لتعليم القرآن في أحد المساجد في الحي الذي يسكن فيه باحدى مديريات عدن جنوب اليمن.

 

ولأنه طفل سريع الحفظ حاد الذكاء مؤدب يطيع الشيخ في حلقات القرآن ومن بين عدد يقارب ألـ 15 طفلاً تم التركيز على ثلاثة اطفال فقط وبالطبع هو في مقدمتهم جميعا..

 

يقول سامي: “كان يتردد على درس تحفيظ القرآن رجل يبدو عليه الوقار، كان دائما يثني علي ويمتدحني، وبعد الدرس يقعد معي واثنان من زملائي من الاطفال في حلقة التحفيظ في ركن المسجد يدعو ويحكي لنا عن السلف الصالح وبطولاتهم وكيف كانوا أقوياء في الدين ولا يخشون لومة لائم في الحق. استمر الحال هكذا حتى بلغت الثامنة عشرة وقد حفظت القرآن الكريم كاملاً.

 

ويتابع: خلال تلك السنوات تعلقت بهذا الشيخ كثيراً وكنت لا أعصي له امراً، ومن تكرار ما كان يردد على مسامعنا، بت مقتنعاً أن حياتنا فيها الكثير من المنكرات والتي يجب تغييرها. وهنا قررت ان أنظم له ولجماعته، في ذات الوقت لم أكن أحكي لأسرتي عما يدور في لقائاتنا ومحور حديثنا سواء داخل المسجد او خارجه لأنه ببساطة لم يكن احداً ليسألني “.

 

و بعدها تم ابلاغنا بضرورة الخضوع لدورات تدريبية على كيفية استخدام أنواع الأسلحة وخاصة بعد تردي الوضع الأمني. ومن بعد ثورة الشباب في 2011م والتي أعقبتها الكثير من أعمال البلطجة والاغتيالات وغيرها من الحوادث الأمنية.

 

وبالفعل تحمست للالتحاق بهذه الدورات وبفرح كبير تم نقلي انا ومجموعه من الشباب إلى احدى الجزر القريبة للتدريب على استخدام السلاح، ولأكثر من مرة حيث يستمر التدريب قرابة الشهر ونعود مرة اخرى إلى اهالينا ، وطوال فترة التدريب بل وأثناء عودتنا يتم تكثيف المحاضرات التي تحثنا على طاعة ولي الامر ووجوب ذلك وعدم معصيته مهما كان ذلك الامر، وخلال تلك الفترة ايضاً يتم عرض فيديوهات عن العمليات التي يقوم بها التنظيم والجماعات الإسلامية في مختلف البلدان وبشكل مستمر” . هنا نوه لنا سامي أن التنظيم يخصص كل الامكانيات المتاحة لذلك حيث يوفر لكل فرد جهاز عرض DVD وتلفون حديث ويتم ارسال كل جديد من هذه الفيديوهات اليهم.

 

“يقومون برفع مكانتنا في الوسط الذي نعيش فيه ويعطوننا المال كل ما أحتجنا إليه، كما أنهم يقومون بتنصيبنا أئمة لبعض المساجد وخاصة في المناطق النائية لنتولى نحن بدورنا اختيار الشباب واستقطابهم للتنظيم “.

 

سامي وبعد أن كان عضوا في تنظيم القاعدة ولمدة خمس سنوات قرر الخروج منه، ويعود السبب في ذلك حد قوله إلى “أنه على الرغم من السنوات التي قضاها معهم إلا أنه كان دائما في صراع مع ذاته وخاصة عندما كان يسمع خطبهم وكلامهم الذي كان دائما يحث على العنف ضد كل من يخالفهم الرأي، فهم يعتبرون الرئيس عميلا لأمريكا ويستجيب لأوامرها مما يجعله كافراً من وجهة نظرهم، وبالتالي كل من ينتمي لحكومة هذا الرئيس أيضاً كافر. وهكذا حتى يكفرون اقل جندي رتبة عسكرية، ليس هذا فحسب بل كل من يعمل مع الدولة في أي مرفق كان ينتمي لنظام مؤسسي يرأسه شخص كافر “رئيس البلاد” .

 

ترك التنظيم عقابه الموت:

 

تمكنت عبر صديقنا المشترك أن أعرف أن هناك عملية مقايضة تمت بين والد سامي- بعد أن علم أن اسم ابنه مدرج ضمن قائمة المطلوبين امنيا- وبين الأمير المسؤول عن سامي في التنظيم وعلى ما يبدو أن ثمة اتفاق أُبرم لفصل سامي من التنظيم على أن لا يظهر الوالد في الصورة وبالفعل تمت الصفقة وبقي تفاصليها سرا حصريا بينهما فقط عدى مبلغ عشرة آلاف ريال سعودي حملها من الأمير إلى سامي مكافأة له على ما يبدو.

 

تغير أشكال واهداف التنظيم:

 

مظاهر عديدة بدت على السطح مؤخرا في مدينة عدن وخاصة بعد تحرير المدينة من مليشيات الحوثي والرئيس المخلوع صالح فالمعروف لسكان المدينة أن كل الأطياف شاركت في حرب تحرير عدن بدءاً من شباب المقاومة الجنوبيه وشباب السنة وحتى تنظيم القاعدة ولكن بعد أن تحررت عدن ظهرت ممارسات وأفعال لبعض الشباب نسبت للتنظيمات المتشددة، أهمها عملية استهداف مقر إقامة الحكومة المؤقت في فندق القصر ومقر اقامة الهلال الاحمر الاماراتي في عدن والذي أعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عن الهجوم وما تلاها من عمليات اغتيالات متفرقة .

 

تروى الان وبشكل متواصل عدة حكايات عن الكثير من التهديدات نسبت أيضا للتنظيمات المتشددة، تطالب ادارات المدارس والجامعات بمنع الاختلاط بين الذكور والإناث والتهديد بتفجير واستهداف هذه المنشآت في حال عدم الفصل بين الجنسين، والتي يعتقد أن تنظيم (داعش) هو من ورائه.

 

ولكن هناك من أعضاء التنظيم نفسه من نفى صلته المباشرة بالموضوع الا ان ذلك لم يصدر عن أي من قيادات التنظيم بشكل علني، كما أننا لم نر بياناً رسمياً صدر عن التنظيم وإنما عبر ما تتناوله المواقع الإخبارية عبر شبكات الإنترنت أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يرجح البعض على ان تكون اجتهادات شخصية من بعض الشباب الغيور على الدين .

 

في الوقت الذي يجمع فيه الكثير من المواطنين ان مثل هذه الاعمال ما هي إلا من صنع النظام السابق للرئيس المخلوع صالح وخلاياه النائمة في عدن والتي تحرك هؤلاء الشباب وتدفع لهم ماليا مقابل اقلاق السكينة العامة واحداث فوضى في المدينة تثير الهلع بين المواطنين .

 

والغريب في الأمر غياب صوت تنظيم القاعدة الذي ظل خلال السنوات الماضية يتلاشى متيحاً المجال لتنظيمات جديدة يعتقد انها من صنيعته في الأساس.

 

ففي بادئ الأمر تولى تنظيم أنصار الشريعة الدور في الظهور الأكبر خاصة بعد سيطرته على محافظة أبين القريبة من عدن في العام 2011 وإعلانها إمارة إسلامية، مع احتفاظ تنظيم القاعدة ببعض العمليات النوعية على مستوى اليمن ككل، لكن في الآونة الأخيرة ومنذ أعلن تنظيم القاعدة في اليمن مبايعته لـ”داعش” تحديدا في فبراير 2015 تكاد تكون كل العمليات التي تم تنفيذها على الأراضي اليمنية قد نسبت لـ:”داعش” وحده.

 

طرق استقطاب الشباب للتنظيم:

 

تحدث سامي عن كيفية اختيار الشباب قائلا: المتعارف عليها ثلاث طرق…

 

الأولى: من بعض حلقات تحفيظ القرآن، فهناك تكون المهمة أسهل. فمن خلال الترغيب وزرع المفاهيم المغلوطة عن الجهاد وإثارة حماس الشباب ضد ما يزعمون بأنه (المنكر)، ومن خلال ملاحظة ردة الفعل وحماسة الشباب للدين ومدى استجابته لتقبل المفاهيم التي يروج لها التنظيم. وعلى ضوء ذلك يبدأ سحب الشاب من الجماعات التي كان يحتك بها قبل استقطابه وتزويده بمعلومات زائفه عنهم من خلال اتهامهم انهم ليسوا على الدين الصحيح، ويرتكبون المعاصي، ويخافون عليه منهم.

 

وأثناء هذه الفترة تعقد لقاءات سرية بحيث يتم عرض بعض الفيديوهات الجهادية عليهم حتى يصبح العرض شبه يومي، وفي كل لقاء يزداد الحماس، وفي كل مرة تزداد الرغبة بالقتل والغيرة على الدين حتى ينعزل الشاب تماما عن العالم من حوله، ويشعر أنه أصبح أقوى، حينها فقط تعطى له الأوامر لتنفيذ مهمات قد تصل للقتل، ويبدأ هو يطالب بالتدريب ونصرة الدين بشكل متكرر.

 

الثانية : بعض رجال الدين ( ولا أعمم) والذين يتعاملون مع الجماعات الجهادية هم الحلقة الأقوى في سحب الشباب ذوي المعاصي الكثيرة أو الشباب (الصايع) أو من كان ضعيف الشخصية ولديه مشاكل بحيث يبدأون معه بشكل نصائح وينبهونه بأن هذا خطأ وهذا صواب. فغريزة الإنسان مبنية على الفطرة وهناك من يتقبل الأمر بشكل سريع فيبدأ بالسؤال عن الأشياء الصحيحة في الدين، وحينها يتم تكليف بعض الشباب المتدين بمرافقته وسحبه للجماعة وبعد إقناعه بما يريدون ينقل بسرعة لمناطق خارجية لادراكهم ان أغلب هؤلاء الشباب قد يتراجع في أي لحظة.

 

الثالثة: اختيار أخوة الشهداء الذين أنظموا للتنظيم وقتلوا او نفذوا عمليات انتحارية هنا او هناك … يغرر باخوتهم وحثهم على المضي في نفس الخطى. ورسم صورة قوية للاخ الشهيد بأنه كان من أعظم المقاتلين وفي بعض الأوقات يعرضوا عليه فيديوهات خاصة بإنجازات أخيه او حتى مقاطع قتله لحثه على الرغبه في الانتقام له.

 

المعسكرات الدينية وخطورتها..

 

بعد نقلهم إلى معسكرات تدريبية خاصة يأتي الدور الأكبر في الحكاية فهذه المعسكرات هي وسيلة تأثير على درجة عالية من الأهمية، تبدأ اولا بمنح ألقاب للشباب يختاروها مثل (أبو القعقاع، أبو معاذ..الخ). ثم تفرض عليهم عزلة عن العالم الخارجي ويصبح لديهم جدول يومي محدد “تدريب، محاضرات، مشاهدة فيديوهات لعمليات التنظيم، طعام ، نوم ” وهكذا ينفصل تدريجيا عن حياته السابقة، وأول درس يتعلمه هو السمع والطاعة ويستمر تلقينه في محاضرات تلو المحاضرات مع التزامه بحفظ الأحاديث المكرسة لهذا الامر.

بمجرد الانتهاء من هذه المرحلة يخضع الشاب لبرنامج تدريب على مهارات القتال وعلى أنواع الأسلحة والمتفجرات مع التركيز أكثر على قتال الشوارع. وفي أثناء التدريب يتم فرز الشباب كل بحسب قدراته ودرجة حماسه. من لديهم الاجساد القوية ولهم ولاءات يحرصوا على عدم التضحية بهم ابدا، و يتم الاحتفاظ بهم وإخضاعهم لبرامج تدريبات خاصة أو ينقلوا لمعسكرات أخرى، فيما بقية الشباب وقبل نقلهم للمعارك تلقى عليهم محاضرات لافضلية الشهادة وما سيناله الشهيد في الجنة من جزاء، والتخويف بالعذاب الذي ينتظر المتخاذلين، ويرسل هؤلاء للقتال ولا يسمح لهم بالزيارات العائلية خلال هذه الفترة..

 

بعد العودة من المعارك:

 

يعاود بعض الشباب في الظهور مرة أخرى في منازلهم وهذا عادة ما يكون جزء من التدريب كونهم حتى اللحظة في مرحلة الاختبار، ويخضعوا لرقابة دقيقة في كل تحركاتهم، وتعطى لهم توجيهات بمنع الاحتكاك مع الغير، ويزرع شباب داخل الجماعات للمراقبة كلاً يراقب الأخر.

 

عند الكشف لخطأ ارتكب من أحدهم يصدر قرار معاقبته فورا لضمان عدم تكراره وهي رسالة موجهه لجميع الأعضاء فإذا ثبت على ولائه يبقى لمدة أطول أما إذا شعروا بأنه سيتراجع أو يشكل خطر عليهم هنا يكون القرار حسب تمسكهم به فإما يتم إرساله في مهمات يضمنون انه لن يعود منها أو يتم ارساله إلى احد المعسكرات مرة أخرى ويعاد تاهيله لعملية قادمة.

 

أنهيت حديث مع “سامي”، لم أصدق ما الذي يحدث لشبابنا وكيف يتم اللعب بهم كورقة لتصفية حسابات سياسية أوطائفية، لن يستفيد منها أحدا سوى الأشباح. وعندما أمعنت في الأحداث التي تدور في بلدنا، تيقنت أن الأمر لايزال في بدايته، وسنشهد استقطاب المزيد من شبابنا لهذه التنظيمات المتشددة وستعيش البلد دمارا شاملا على أيدي شبابه. فمتى تستفيق حكوماتنا؟.

 

الأكثر زيارة
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص