2015-02-05 الساعة 10:16ص
تحضر مفردة الشعب في خطاب الحركة الحوثية بشكل مكثف، وتم اختزاله في حركة صغيرة في زاوية من الوطن .
سأحاول نقاش هذه الدعوى من خلال بعض الأنشطة الحوثية.
أكبر تجمع وطني - كما سماه الحوثيون أنفسهم - كان مؤتمر الحكماء، سواء في شكله الأول أو الأخير، وهناك العديد من الأسئلة عن تشكيلة هذا المؤتمر في استكشاف ما إذا كانت تمثل الشعب؟
سأسرد الأسئلة بلا إجابات، سأكتفي بإجابات القارئ .
كم كانت نسبة الجنوبيين في المؤتمر؟ خاصة وأن القضية الجنوبية تحظى بدور مركزي في خطاب الحوثي .
كم كانت نسبة المرأة؟ وهل كانت هذه النسبة تعكس حقاً مخرجات الحوار أحد الأهداف الرئيسية للثورة الحوثية.
كم كانت نسبة الأحزاب المشاركة فيها، أعني تلك التي تحظى بتمثيل برلماني وتحدثت باسم أحزابها؟ وما هو حجم منظمات المجتمع المدني؟
كم كانت نسبة الشباب في المؤتمر؟ يمكن هنا إعفاؤهم من الإجابة على اعتبار أن الحكمة مرتبطة بالكهول !
كم كانت نسبة حضور المحافظات التي تشكل الجغرافيا اليمنية؟ وكم نسبة كل محافظة؟ ومن كان الممثل لكل محافظة؟ وكم هو حجم الحضور الواقعي على الأرض لكل من يقول بتمثيل محافظة ما؟
كم الجامعات التي شاركت في الحكماء؟ وما نسبة الحائزين على شهادات عُليا؟
كم نسبة من ينطقون الجاف مقابل من ينطق القاف والغاف؟
كم عدد الأعلام الوطنية التي رفرفت مقابل راية واحدة يحضر بطغيان واضح ؟
كم نسبة الأغاني وكم عدد الفنانين مقابل الأناشيد الدينية الثورية التي تحرض على الثورة ضد المفسدين والطغاة والمجرمين والدواعش، أي أولئك الذين مطلوب منهم الشراكة؟
بل كم نسبة الذين يلبسون البنطلونات أو حتى الجنابي مقابل من يلبس العسيب الأحدب والعمامة؟
هذه أسئلة ومثلها كثير تبحث عن الشعب، وهي لا تحتقر أحداً بقدر ما تبحث عن تنوع حقيقي يعكس ألوان الشعب وتمثيلاته المختلفة .
تحضر هذه الأسئلة حين تشاهد قناتهم وحين تسمع ناشطيهم ومثقفيهم بذات الألقاب والعوائل، وحين تشاهد المسيرات التي تتحدث باسم الشعب وتفشل في تجاوز جغرافية محدودة لا نشك قطعاً أنها جزء منه .
من حق الحوثيين أن يطلقوا على حراكهم ثورة زيدية مثلاً، أو ثورة مذهبية، أو حتى ثورة هاشمية، أو أي تسمية تعكس حقيقة المشهد أو مقاربته على الأقل، وهذا لا يعني أن الأسماء ستكون صحيحة تماماً، لكن العرف اللغوي يأخذ الأمور بنصاب الأغلب وستكون تسمياتهم صحيحة بحكم الأغلب لا بحكم الحقيقة .
من حقه أن يفعل ذلك، وليس من حقه إعلان نفسه شعباً بديلاً عن الشعب في حالة استهداف مستفز وصارخ لأغلب الشعب !
مرة أخرى، أنا هنا لا أنظر لهذه الفئة بأي نظرة سلبية متعلقة بأي بعد طائفي أو مذهبي أو أسري أو غيره، أنا فقط أدافع عن لقب الشعب من الاحتكار والمصادرة باعتباري واحداً منهم .
حتى في ثورة 2011 التي كان الحوثيون جزءاً منها وكانت تحظى بأكثر من سبع عشرة ساحة وملايين من البشر وفيها أغلب الأحزاب والمنظمات والمفكرين وأساتذة الجامعات والطلاب وكل تمثيلات الجغرافيا والديموجرافيا لم يطلق عليها غير الثورة الشبابية، باعتبار الشباب كان عمودها الفقري وحضورها الأغلب، ويتردد البعض في تسميتها ثورة شعبية بالرغم من كل ذلك الزخم الذي أدهش العالم بمن فيهم أعداد كبيرة من النظام نفسه، ومن العائلة الحاكمة نفسها، ومن الحزب الحاكم ذاته .
حين تقول الشعب فعليك أن تثبت فعلاً أنك الشعب، فالمسألة ليست متعلقة بالعدد - حتى وإن كان العدد أيضاً يقف ضداً عنك - بل بالتنوع والتعدد والصورة الاجمالية لحقيقة الشعب .
ظل الإخوان المسلمون في مصر يملأون الشوارع، ولكنهم لم يكونوا الشعب، بل ظل اسمهم الإخوان، ولهذا حين تحول التنوع لاحقاً من صف الجيش صارت الثورة إلى انقلاب .
المشكلة ليست في الخطاب الإعلامي فقط، ذلك أمر خطر على كل حال حين يقسم الأمة اليمنية إلى شعب وشعب، لكن الأدهى أن تصبح هذه المزحة الإعلامية قناعات راسخة لدى القيادة الحوثية نفسها، والمنشور الشهير للصماد كان يوحي بهذه الحقيقة. فالرجل كان يتحدث عن الشعب بوضوح وصدق وهو لا يرى في الشعب غير أنصاره، ويمكن فهم ذات الدلالات في خطابات القيادات الحوثية كبيراً وصغيراً .
المتظاهرون من شباب الجامعة الذين يتعرضون للاعتقالات والضرب من قبل شباب الحركة الحوثية ينقلون هذه المخاوف بشكل جدي، فهم يرونهم مجرد عملاء يعملون ضد الشعب وثورته لصالح الأعداء والمجرمين والفاسدين ودول الاستكبار.
فضلاً عن الشعارات التي ترفع اسم الرسول الأعظم في محاكاة لرفع المصاحف في صفين!
وهذا البُعد النفسي الخطير في سيكولوجية الحوثيين وتركيبهم الاجتماعي يعكس حجم المخاطر التي يمكن أن تصيب المجتمع بالتصدع وتقف بالوطن على طريق التناحر والموت !
يعمل الحوثيون بنشاط كبير لعزل أنفسهم عن المجتمع المحلي والدولي، الخصوم والحلفاء على السواء، وعلى المدى القريب - لو استمر هذا التجاهل - سيتحول الحوثيون إلى فخ كبير يهدد النسيج الاجتماعي بالاغتيال والتمزق، ولن يكون ضحاياه إلا من الجميع .