أهم الأخبار

الخبز مقابل الدَّم.. أساليب الميليشيا "اللّعينة" لسوق اليمنيين إلى جبهات "التهلكة"

2022-03-19 الساعة 07:15م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

قبل أكثر من تسع سنوات دشنت ميليشيا الحوثي حربها الأخيرة على اليمنيين، الحرب التي أطلقتها أواخر العام 2013 من محافظة صعدة، معقلها الرئيس أقصى الشمال اليمني، بعدوانها الشهير على منطقة دماج، التابعة لمديرية الصفراء في المحافظة، وما يزال اليمنيون يكتوون بلظاها حتى اللحظة.

 

لم تكن هذه الحرب هي الأولى في تاريخ الميليشيا، بل سبقتها ستة حروب بين العامين 2004 – 2010م، إضافة إلى معارك خاضتها إبان ثورة الشباب السلمية في العامين 2011 و2012، والتي كانت تقدم نفسها على أنها جزءا منها، لكنها استمرت بالتوسع في محافظتي حجة والجوف وخاضت معارك متفرقة بالتزامن مع مؤتمر الحوار الوطني، وتوسعت عقب معركة دماج نحو عمران؛ فصنعاء وكل اليمن.

 

اليوم وبعد نحو 18 عاماً من حربها الأولى، ما تزال الميليشيا تواصل حربها التي تزداد كلفتها البشرية مع تقدم السنوات، تدفعها بكل يسر من دماء أبناء القبائل الذين تزج بهم في أتونها غير آبهة بالكارثة الإنسانية التي تخلفها من وراء ذلك على الأسر اليمنية التي لا يكاد يمر يوم إلا وتفقد المزيد من أبنائها.

 

وبنظرة للرصد الشهري لـ"المصدر أونلاين" لأعداد القتلى الحوثيين الذين تعلن عنهم وسائل إعلام الميليشيا نجد صورة واضحة عن ضخامة هذه الكلفة، فخلال شهرين مضيا فقط من العام الجاري، قتل ما يزيد عن 1700من عناصرها بنيران الجيش وغارات مقاتلات التحالف المساند له، وفق ما أعلنته وسائل الإعلام تلك ورصده المصدر أونلاين.

 

ومنتصف نوفمبر من العام الماضي، نقلت وكالة فرانس برس عن "مسؤولان في وزارة دفاع الحوثيين"، قولهم إن نحو "14700 متمردا (حوثي) قتلوا في معارك منطقة مأرب منذ حزيران/يونيو" من العام نفسه.

 

ورغم أنه لا يوجد حتى الآن عدد رسمي أو حتى تقريبي لعدد قتلى الميليشيا خلال كل حروبها تلك، إلا أنه وبحسبة بسيطة يتبين أن عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من اليمنيين قد قتلوا في معارك الميليشيا العبثية. ما يضع سؤالاً حول الدوافع التي تمكنت ميليشيا الحوثي من خلالها وتتمكن في إقناع المزيد من المقاتلين لتزج بهم في الحرب؟

 

حملة تجنيد جديدة

مع كل خسارة تتكبدها الميليشيا واحتياجها لتعويض النقص في أعداد المقاتلين، تعمل على اختراع يافطة جديدة وشعاراً، تسخر له كل وسائل الإعلام والثقافة والتعليم ومشايخ القبائل وخطباء المساجد والوعاظ، ومن ذلك الحملة التي أطلقتها مؤخراً للتحشيد لعملية عسكرية تنوي شنها باتجاه محافظة مارب الاستراتيجية.

 

وأطلقت على الحملة التي دشنتها منتصف فبراير الماضي اسم "إعصار اليمن"، لتبدو كدفاع ورد على عملية "إعصار الجنوب" التي نفذتها قوات مدعومة من التحالف واستعادت خلالها على مديريات بيحان الثلاث، ومديرية حريب في مارب مطلع العام الجاري.

 

ويعد هذا أحدث لافتات التحشيد التي لم تفتأ الميليشيا تبتكرها لتبرير حروبها وتسويق حربها كحرب دفاع عن الشعب اليمني.

 

وكان رئيس المجلس السياسي للميليشيا مهدي المشاط هو من أعلن عن تدشين هذه الحملة بحضور "رؤساء مجلس النواب يحيى الراعي، والقضاء الأعلى القاضي أحمد المتوكّل، والشورى محمد العيدروس، والوزراء عبد العزيز بن حبتور" وفقا لوكالة سبأ الخاضعة للميليشيا.

 

وأكد المشاط على "أهمية الصمود الشعبي خلال هذه المرحلة، وضرورة أن تقوم مؤسّسات الدولة بدورها بشكلٍ فاعل في الحشد والاستنفار" مشيراً إلى أنَّ "هذه الحملة ستشمل كافّة المستويات، الرسمية والشعبية والنخبوية".

 

وأطلقت الميليشيا حملة الحشد ابتداء من مركز الحكم في صنعاء ثم في مراكز المحافظات والمديريات والمناطق والقرى، مروراً بالمدارس والمساجد والجامعات التي تقام فيها فعاليات وأنشطة ووقفات، وصولاً إلى أماكن التجمعات والأسواق، إضافة إلى استخدام الميليشيا شتى الوسائل والأساليب التي تدفع الناس للقتال معها إن بالترغيب أو بالترهيب.

 

 

الخبز مقابل الدم

تتخذ المليشيا من الوضع الاقتصادي المتدهور وحالة الفقر التي يعيشها الناس والمستوى المادي المتدني الناتج عن توقف الرواتب وانعدام فرص العمل وإغلاق الكثير من المنظمات الإغاثية لمكاتبها وتوقف العديد من الجمعيات الخيرية، وسيلة لإلحاق المزيد من الفقراء بجبهات الحرب، وهي بذلك تسخر كل الإمكانات المادية المتاحة كالإغاثة والزكوات والأموال المنهوبة لجلب المزيد من المقاتلين.

 

نهاية العام 2018، اتهمت منظمة الغذاء العالمي على لسان مديرها التنفيذي ديفيد بيزلي، الميليشيا بـ"سرقة الغذاء من أفواه الجوعى"، في تصريح نادر من منظمة أممية، إذ تتجنب المنظمات التصريح باسم الميليشيا عند الحديث عن أي انتهاكات أو جرائم تجنباً لسلوك الميليشيا العنيف ضد موظفيها.

 

وجاء هذا الوصف نتيجة استغلال الميليشيا للمساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات لصالح تمويل مشروع الحرب، حيث بات الحصول على سلة غذائية أو مبلغ من المال فرصة لا تعوض لدى الكثير من الأسر لمواجهة شظف العيش ومصاعب الحياة، الأمر الذي جعل من التحشيد أمرا سهلا من خلال مقايضة تلك الأسر بسلال غذائية يصعب الحصول عليها أو مبلغ من المال كراتب شهري مقابل الالتحاق بجبهات القتال.

 

استغلال مآسي اليمنيين

في حديث للمصدر أونلاين يقول الصحفي حسين الصوفي إن "هناك العديد من المشكلات والعوامل والأسباب، حولتها المليشيا الى فرص لها لحشد المقاتلين، وأبرزها: التركيز على المناطق الأشد فقرا".

 

ويضيف الصوفي وهو رئيس مركز البلاد للدراسات المؤسس حديثاً: "لو تتبعنا مناطق الحشد الحوثي في ذمار مثلاً (محافظته التي ينتمي إليها) لوجدنا مناطق آنس كانت الأعلى، نظراً للحالة المادية لأبناء المديرية، إضافة إلى أنهم ينجحون في استدراج الأطفال صغار السن والمراهقين ويسيلون لعابهم بحصولهم على بندقية كلاشن ومبلغ زهيد".

 

ويتابع: "من خلال المتابعة طيلة السنوات الماضية تأكد أن أغلب الاطفال يأخذونهم دون علم أولياء أمورهم".

 

ويعتبر الصوفي دور الإعلام أساسياً في عملية الحشد تلك، يقول: "لديهم ماكينة إعلام ضخمة، وطيلة السنوات الماضية استطاعت إيهام الكثير من المغرر بهم أنهم يحاربون السعودية وأنهم يقاتلون من أجل "الاستقلال" ونجحوا إلى حد ما في إقناع البعض أن "العدو" السعودية، وهذا يقنع المغرر بهم مع الدعاية المكثفة".

 

ولا يستبعد استخدام الميليشيا لـ"وسائل قذرة" في عملية الحشد والتجنيد، من بينها "المخدرات ومنشطات إدمان وهذا أثبته أطباء فحصوا بودرة "البردقان" الشمة، وقد أخبرتني إحدى الأسر في منطقتنا أنهم قاموا بمنع ابنهم من تعاطي الشمة لفترة معينة وعاد الى طبيعته واتزانه الذي كان عليه قبل أن يلتحق بالمليشيا".

 

ويشير إلى التأثير الكبير "للدورات الثقافية التي تعتبر فقاسة وقنوات إعادة إنتاج وحشو وغسل الأدمغة بالخرافات وفيها يتم توظيف كل الرغبات المتوقعة وغير المتوقعة بما فيها الممنوعات والعلاقات، حسب وثائق ومحاضر أمنية" بحسب الصوفي.

 

من جهته يقول مصدر في استخبارات القوات الحكومية، شارك في التحقيق مع أسرى حوثيين قبض عليهم في المعارك ضد الميليشيا: إن وسائل الميليشيا في تحشيد الناس الى جبهات القتال كثيرة، من بينها استغلال الوجهاء والشخصيات التي التحقت بالميليشيا خشية أن تخسر مكانتها في المجتمع.

وأضاف لـ"المصدر أونلاين": "هناك مناطق يفرض فيها الحوثيون على الشيخ أو المشرف التابع لهم عدداً معينا من المقاتلين، مثلاً ثلاثة من كل قرية، فإذا قتل أحدهم أو أسر يلتزم الشيخ أو المشرف أن يأتي ببديل عنه من نفس منطقته".

 

ويؤكد المصدر على الدور الكبير للمدارس والمساجد التي تعمل الميليشيا على حشد المقاتلين منها، لكنه يعتبر استغلال الفقر والحاجة لدى الناس هي السلاح الأكثر تأثيراً، ويقول: "إذا استمرت سيطرة الميليشيا على البلاد ستقود الناس إلى المزيد من الفقر مقابل المزيد من الغنى لقيادتها، وهذا أمر يسهل عليها الحصول على المزيد من المحتاجين الذين ستقاتل بهم، وتوسع دائرة حروبها".

 

ويوضح: "هذه الطريقة معادلة سهلة بالنسبة للميليشيا، المزيد من إفقار الناس ينتج المزيد من المقاتلين الراغبين في الموت مقابل لقمة عيش، وهي تعمل بالفعل على إفقار الناس بطرق ووسائل شتى، والبطش والتنكيل سيضمن لها عدم خروج الناس لمواجهتها".

 

وحول أساليب الحشد الأخرى، يقول المصدر: "هناك وسائل وأساليب لا تخطر على بال خصوصا على مستوى الأفراد الذين يتم تصيدهم بعناية من قبل الميليشيا.. منها أطفال حرضهم مشرفون على سرقة آبائهم، ليضطروا بعدها الى الهرب من منازلهم ولا يجدون ملجأ سوى الميليشيا التي تستقبلهم وتدفع بهم الى الحرب، وآخرين يبتزهم مشرفون عن طريق صور وقصص فاضحة... وغيرها الكثير".

 

الحشد إلى مارب مقابل المشتقات

يقول المصدر العسكري: "على المستوى الجماعي تلاحظ أن مسألة أزمة المشتقات النفطية ظهرت بقوة بالتزامن مع عملية التحشيد الأخيرة التي تطلقها الميليشيا في مناطق سيطرتها، حيث تتخذ منها الميليشيا وسيلة لإثارة غضب المواطنين الذين يعانون من انعدام المشتقات، لتحشيد المزيد من المقاتلين الى الجبهات".

 

وبالتوازي مع حملة الحشد الأخيرة، ضيقت الميليشيا الخناق على وصول المشتقات الى مناطق سيطرتها واحتجزت عشرات المقطورات القادمة من مناطق الشرعية في منافذ بمحافظتي البيضاء والجوف، مفتعلة بذلك أزمة خانقة بلغ معها سعر جالون البنزين أكثر من 60 دولاراً في السوق السوداء التي تديرها، فيما كثف إعلاميون ونشطاء تابعون لها حملات على وسائل التواصل ترجع سبب الأزمة إلى بقاء مارب في أيدي القوات الحكومية.

 

ودعا نشطاء حوثيون الناس إلى الالتحاق بجبهات الحرب والقتال لصالح الميليشيا إذا أرادوا حلاً جذرياً لأزمة المشتقات، في واحدة من حيل الميليشيا التي تدفع بموجبها المزيد من المقاتلين نحو مارب، التي فشلت في السيطرة عليها رغم محاولاتها المستميتة والدامية في العامين الأخيرين.

 

علق الصحفي همدان العليي، على تلك الدعوات في تويتر: "يقول الحوثة بكل وقاحة: من يريد الغاز والبترول والديزل، فعليه حمل السلاح والذهاب لقتل أخوه وابن عمه وابن خاله الذي يعيش في مأرب وحجة وتعز والضالع والساحل الغربي وشبوة، وعلى اليمنيين أن يقرروا ما الذي يجب أن يفعلوه مع هذه العصابة التي تحرمهم من حقوقهم ليذهبوا لقتال أهلهم وأقاربهم".

 

ونوّه إلى أنه بمثل "هذا الخطاب، سيطرت جماعة الحوثي السلالية على صنعاء وباعت الغاز في السوق السوداء بأضعاف اضعاف سعره السابق"، مشيراً إلى خطاب لقائد الميليشيا عبدالملك الحوثي أذيع قبيل اجتياحهم صنعاء منتصف سبتمبر من العام 2014.

 

وكانت ميليشيا الحوثي قد استخدمت قضية المشتقات، ودفعت بها كمبرر لحشد المقاتلين، الذين ساقتهم لاجتياح صنعاء، حين أطلقت شعار رفض الجرعة السعرية التي ارتفع معها سعر جالون البنزين بقرار حكومي آنذاك إلى 3500 ريال، لكنها تستخدم قضية المشتقات الآن بطريقة مختلفة بينما صارت تبيع الجالون بما يزيد عن 40 ألفاً في الأسواق السوداء التي تديرها.

 

الكذبة تتداعى

بلغ سعر الأسطوانة الواحدة من الغاز المنزلي في مناطق سيطرة الميليشيا 5 آلاف ريال في السوق الرسمية والتي لا يكاد المواطن أن يصل إليها نتيجة توزيعها عبر عقال الحارات وبإشراف الميليشيا التي تستغلها لتجنيد المقاتلين.

 

يقول أحد سكان حي "شعوب" شمال صنعاء للمصدر أونلاين: "منذ شهرين والاسطوانة حقي في بيت العاقل، وكلما أجي أسأله عنها يقول لي الغاز تأخر هذه المرة، وانتظر دورك، من يوم وضعتها هناك قد عبيت 4 دبات من السوق السوداء، بأكثر من 75 ألف ريال".

 

ويضيف: "الحقيقة أن الغاز يصل الى الحارة بشكل أسبوعي، لكن توزيعه يتم عبر العاقل بالطريقة التي يريد، يبدأ يجيب للحوثيين الأصل المشرفين والمقاتلين وغيرهم، لـ"أبو وأبو"، وبعدها للأسر التي يريد منها أن ترسل أبناءها للمشاركة في دورات تبعهم، وهكذا، والمواطنين المساكين يحطبوا، واذا تيسر يسكتوهم كل شهرين أو أكثر بدبة، وعليها".

 

ويأتي الغاز إلى مناطق سيطرة المليشيا بشكل مستمر، إذ ما تزال مارب ملتزمة بتزويد تلك المناطق بالمادة، بسعر 1700 ريال للأسطوانة، وفق ما أفاد به مدير شركة النفط في مارب حمد بن وهيط، في بيان صحفي الأسبوع الماضي رداً على أنباء تداولتها وسائل إعلام حول رفع الشركة أسعار المادة.

 

وأوضح المدير، أن حصة المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي بلغت منذ 2015، نحو 14 ألفا و739 مقطورة غاز، أي ما يعادل 32 مليونا و444 ألفا و446 أسطوانة غاز منزلي، بنسبة تزيد عن 55% من إجمالي الإنتاج العام للشركة.

 

وأكد عدد من شهود العيان في محافظة الجوف ومناطق شمال صنعاء للمصدر أونلاين مشاهدتهم مقطورات الغاز القادمة من مارب عبر مناطقهم تمر بشكل مستمر، كما جرت العادة منذ سمح لها بالعبور عبر تلك المناطق.

 

من جهته، قال وكيل محافظة مأرب، عبدربه مفتاح، إن أزمة الوقود الخانقة التي تشهدها العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لميليشيا الحوثي مفتعلة، وإن محافظة مأرب ملتزمة بتزويد جميع اليمنيين دون استثناء بالخدمات الأساسية المتوفرة لديها من الغاز والمشتقات النفطية.

 

ونقلت صحيفة الثورة الرسمية، عن مفتاح، قوله إن المحافظة لم تتوقف يوما عن تزويد جميع المحافظات بمادة الغاز أو المشتقات النفطية الأخرى، دون النظر إلى التقسيمات الجغرافية أو الاعتبارات السياسية أو المذهبية التي أفرزتها الحرب.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص