2024-03-09 الساعة 07:27م
يدخل رمضان التاسع على اليمنيين وهم يعيشون أسوأ فترات حياتهم. ففي العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، يكابد الناس هناك الأمرين، وجُل حلمهم هو العيش الكريم الآمن في زمن بات الجوع والخوف أبرز سماته، إذ لا رواتب للموظفين ولا خدمات ولا فرص عمل، ولا أمان من بطش قادة المليشيا.
يكفي أن تكون لكنتك ترمز لمناطق ليست من شمال الشمال، حتى لا يكون لك الحق في شيء من تراب بلدك، فالبلد الطيب خيرها لجزء صغير من ساكنيها، رأوا بأن لهم الحق الإلاهي في العيش دون غيرهم.
في هذه السطور يرصد "يمن شباب نت" أحوال الناس وجانبا بسيطا من معاناتهم خلال استقبالهم شهر الخير.
يعمل هلال سعيد – سائق باص أجرة – من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، وكل ما يجمعه من مال يصرفه". يقول لـ"يمن شباب نت": "مشكلتي في الادخار رغم أن الباص ملكي لكني لا أستطيع الادخار، كنت أنوي أن أعمل طوال شهر شعبان، كي ارتاح في شهر رمضان واتفرغ للعبادة ومشاوير العائلة فقط لكن خطتي فشلت".
يتساءل هلال بلغة مليئة باليأس والإحبط: "أهم عندما اتزوج..كيف سأفعل؟. الالتزامات كثيرة والدخل قليل!"
بينما كنت انتظر دوري لتسديد هاتف المنزل في أحد مكاتب البريد استوقفتني امرأة مسنة تطلب مني عد نقودها، فكانت 17 ألف ريالا، نظرت إلي وقالت بلكنتها الصنعانية: " اين اسير به! هذا نص راتب زوجي، واشتي أعالج عيوني، مدري كم يشتوا زلط".
تعيش المرأة في منزل ولدها ولسوء ظروفه المادية، لا يستطيع توفير العلاج لوالدته، بالكاد يطعمها وأولاده ويسدد ايجار المنزل، اختتمت حديثها معي بالقول" نشتي العافية والله كريم"، وغادرت المكان!
وأنت في العاصمة العربية الرابعة التي أعلنت إيران أنها باتت تحت سيطرتها، لا تستطيع أن تفتح فاك لتطالب بحقك وإن كان الراتب الذي يسندك في هذه الحياة ويبقيك على قيدها.
تصرف مليشيا الحوثي كل شهرين نصف راتب للمتقاعدين والمتوفيين من القطاع المدني فقط، وهي التي تسيطر على ميناء الحديدة، وتحصلت على 200 مليار ريال من إيرادات الوقود فقط خلال عام ونصف العام، بحسب ما أعلنت الحكومة اليمنية.
كما ترفض المليشيا الحوثية صرف رواتب الحكوميين وتجبرهم على العمل دون مقابل، فيما تذهب الأموال الضخمة التي تجنيها من الضرائب والجبايات لصالح إثراء قياداتها خصوصا اولئك الذين ينتمون للأسر الهاشيمة.
أكرم الحاشدي -موظف حكومي- وأب لطفلتين يقول لـ"يمن شباب نت" عن استعداده لرمضان: "طفلتاي لا يعرفان طقوس رمضان التي عشناها نحن، الأكل هو ذاته في رمضان أو غيره من الشهور، إلا إذا حصلت على مبلغ مالي سخره الله".
وأضاف:"نستطيع عمل بعض الحلويات والشربة التي تتطلب دجاج، أما السمبوسة فنصنعها مرة واحده في الأسبوع حتى نستطيع توفير الزيت".
وتابع: كل همي هو شراء ملابس جديدة لبناتي، كي يصرن مثل قريناتهن من الجيران، بملابس جديدة، وملابس الأطفال غالية جدا نصف راتب لا يكفي لكسوتهن! "هذا إذا تم صرفه!" بحسب قوله.
لا يختلف الحال كثيرا لدى موظفي القطاع الخاص، وإن كانوا أفضل حالًا ولو باليسير، ففرص الأعمال شحيحة للغاية، وإن وجدت فهي بلا عقود مكتوبة، وهذا ما يجعل العاملين فيها عرضة للظلم والاستغلال من قبل رؤوسا تلك الشركات، التي انتشرت كالهشيم في ظل عدم رقابة أو تنظيم قانوني لها، يضمن لمنتسبيها حقوقهم، ويلزم ملاكها بواجباتهم.
أحمد نعمان – 29 عاما– ترك عمله كمندوب مبيعات في إحدى الشركات الناشئة بالعاصمة صنعاء، وأصبح اليوم دون مصدرا للرزق.
يتحدث أحمد إلينا والغصة تملأ جوفه: "الحصول على وظائف بهذه الأيام شبه مستحيل وحتى مع وجود العمل فهو لا يغطي احتياجك ولا احتياج أسرتك، تتعب على الفتات ما تلاقي قيمة تعبك".!
تزامن خروج أحمد من عمله مع قدوم شهر رمضان المبارك، وهو ما يعني احتياجات أكثر، خاصة وأن المناسبة لا تنتهي بنهاية الشهر، ففرحة أبناءه بالعيد لا تقدر بثمن، وهو لا يملك ما يسعدهم به!
يعول أحمد زوجته وطفليه، ويساهم في دفع مصاريف منزل والده أسوة بإخوته كونه يسكن في منزل الأسرة.
أما زهير محمد – معلم في مدرسة أهلية – هو الأخر يصعب عليه الاستعداد لشهر رمضان يقول لـ"يمن شباب نت": لا يوجد شيء في بيتي انتهى العام الدراسي ولا أملك دخل وحتى التجار منعوهم" (مليشيا الحوثي) من الزكاة والصدقة!
زهير الذي ما عاد يملك أثاث للبيع في منزله حتى يستطيع إطعام أطفاله، اشتدت به الحاجة وهو لا يجيد سوى مهنة التدريس، يقول: "العام الماضي حاولت البحث عن مساعده من أي شخص من المعاريف، وسخر لي الله بتمر واثنين كيلو شربه، واثنين كيلو رز، هذا العام الله كريم".
مشكلة تعود الناس على البدائل
تضل تسمع جملة "الله كريم" باستمرار من اليمنيين كافة، فلا تعرف هل هي ايمانهم الراسخ بحبل الله الذي لا ينقطع، أم أنها أصبحت عادة توارثها الأجيال معتقدين بأنها المفتاح السحري لجميع مشاكلهم دون حراك منهم!
ترى الباحثة الاجتماعية وسيلة العمري بأن تعود الناس على إيجاد البدائل من تلقاء أنفسهم ساهم بشكل كبير في تباطؤ خطوات الحكومة، وفي تغافل المليشيا الحوثية عن الالتزام بدفع الرواتب.
وقالت لـ"يمن شباب نت"، إنه عندما قُطعت الكهرباء لجأ الناس للمولدات الكهربائية، وحين شح الوقود وارتفع سعره لجأوا إلى استخدام منظومات الطاقة الشمسية، واليوم أصبحوا ينتظرون نصف راتب في فترات متباعدة، دون أن يطالبوا أحد بحقهم".
وأشارت إلى أن أكثر من نصف السكان يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، وقله قليلة فقط يجمعون ثروات ويشيدون عقارات ويتمتعون بكل مباهج الحياة، وأصبحت اليمن أقرب إلى النموذج الهندي، ما يعني انعدام الطبقة الوسطى.