2024-12-15 الساعة 03:51م (يمن سكاي - يمن شباب)
حسم الثوار في سوريا معركة إسقاط نظام بشار الأسد، أهم أعضاء محور إيران الذي يضم أيضا الحشد الشيعي المكون الأكبر للحكومة العراقية، وحزب الله اللبناني، ومليشيا الحوثي بالإضافة إلى مليشيات أخرى شكلتها إيران في سوريا قبل سقوط الأسد خلال 14 سنة ماضية مثل ألوية زينبيون وفاطميون وغيرهم.
وتعرض حزب الله لضربات بالغة، على يد الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة سبتمبر وحتى نوفمبر الماضي، أجبر خلالها على توقيع اتفاق استسلام صريح يتضمن انسحابه إلى جنوبي الليطاني، وإنهاء مفهوم وحدة الساحات الذي روج له زعيمه المقتول حسن نصر الله، واغتيال كامل قيادته العسكرية، وتفكيك جناحه العسكري وحصر النشاط العسكري على الجيش اللبناني.
في 27 نوفمبر الماضي بعد ساعات قليلة نم توقيع اتفاق الهدنة بين حزب الله والاحتلال، شنت الثوار في سوريا معركة خاطفة من معقلهم الأخير في إدلب شمال غربي سوريا، واقتحموا خلال أيام عديدة دون حلب وحماة وحمص ووصلوا إلى دمشق وفر الأسد بطريقة مخزية من سوريا، وانهار نظامه، ولم تنجح إيران إلا في سحب قواتها وعناصرها ومليشياتها تحت رحمة فوهات أسلحة الثوار السوريين.
باغتيال حسن نصر ومعظم قيادات الصف الأول والثاني السياسي والعسكري، وإنهاء وحدة الساحات، وهروب الأسد وانهيار نظامه وسيطرة الثوار على دمشق، وعجز الحشد الشيعي في العراق عن التدخل، لم يعد للأذرع الإيرانية أو ما تسميها مقاومتها أي وجود، في أهم المعاقل قرب الاحتلال الذي استندت عليه طوال عقود لإضفاء شرعية مقبولة على هيمنتها على المشرق العربي.
أيا تكن الأسباب والعوامل التي دفعت إلى تطور هذا الوضع خلال السنة الجارية، ولكن المؤكد أن إيران خسرت محورها، ووفق تصريحات مسؤوليها نقلتها صحف دولية وإيرانية وتصريحات ثوار سوريا فإن إيران تلقت هزيمة مدوية بعد عقود من النفوذ في المشرق، وكان مدخل الهزيمة لمشروعها من أذرعها التي أعدتها وبنتها على طبقات ومراحل وعقود بالسلاح والإعلام والتهريب والتمويل والإدارة لحمايتها.
ماذا عن الحوثيين؟
أطلق الحوثيون هجومين على الأقل منذ تحرير سوريا، أحدها بطائرة مسيرة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وآخر استهدف سفنا تجارية قبالة السواحل اليمنية تصدت لها البحرية الأمريكية، بينما يجري نقاش حاد ومتواصل في مستويات القيادة العليا الحوثية وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي لإعادة التفكير في جدوى وأهمية اشتراكهم في معركة "إسناد غزة" بعد خسارات المحور.
وكان محمد المقالح عضو اللجنة الثورية العليا للحوثيين سابقا قد اقترح سابقا فور اتفاق الهدنة بين حزب الله والاحتلال على وقف هجماتهم البحرية لأنها لم تعد مهمة، ولا جدوى بعد خروج حزب الله من معركة إسناد غزة وقبوله وقف إطلاق النار دون شرط وقف الحرب على غزة.
مع تطور المعركة بين ثوار سوريا والنظام وانتصار الثوار الساحق والسريع على نظام الأسد، اقترح عبدالملك العجري نائب رئيس الوفد الحوثي المفاوض على جماعته ومحور إيران إنهاء معركة الإسناد، والانشغال بالمصالح الداخلية لأطرافه.
حسم عبدالملك الحوثي الحوثي قراره باستمرار الهجمات دون أي ذكر لوحدة الساحات، لكن من الواضح أن شعورا يائسا يعتريه كما ظهر في خطابه الخميس الماضي حتى قبل سقوط نظام الأسد بأيام، أثناء معركة حماة في سوريا، إذ خصص كلمته الأسبوعية لشن هجوم حاد على ثوار سوريا، متهما إياهم بالإرهاب والتحرك لخدمة الاحتلال والعمالة للولايات المتحدة.
وبينما كان مشددا الأسبوع الماضي على بقاء محور إيران الذين يسمونه محور المقاومة، قبيل سقوط نظام الأسد، ازداد شعور الحوثيين بالانهيار مع آمال يمنية واسعة بثورة شعبية لإزاحته عن السلطة في صنعاء مع نجاح الثورة السورية، رفع المتظاهرون في تعز في وقت سابق في دمشق وغدا في صنعاء.
ويوم الخميس كان الحوثي منفعلا من سقوط الأسد وهزيمة إيران، وغاضبا إلى حد بعيد متوعدا بسحق أي تحرك داخلي ضده. كما ظهر الناطق باسم المليشيا محمد عبدالسلام عبر قناة المسيرة، بعد خطاب الحوثي يتحدث بنبرة متشنجة وقلقة، مستعيرا عبارة الأنظمة التي أطيح بها سابقا بقوله:"اليمن ليست سوريا وإن مليشيا الحوثي لديها 200 ألف مقاتل لمواجهة انتقال النموذج السوري إلى اليمن".
مؤشرات الضعف
عرضت مليشيا الحوثي بعد يومين فقط من تحرير دمشق خطة جديدة جزئية لتحريك المفاوضات في اليمن، على الأمم المتحدة تقضي بتشكيل لجنة جديدة اقتصادية تشرف على استئناف تصدير النفط الذي دمر الحوثي منصة تصديرها في الضبة قبل سنتين، وتوزيع عائداتها على المرتبات وخدمات أخرى بإشراف أممي، دون توضيح آلية الحصص والتوزيع بعد أن كان يريد حصة الأسد منها ضمن حزمة إجراءات اقتصادية على حساب مصالح الحكومة.
وأطلق المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبيرغ تصريحات مثيرة في منتدى الدوحة بعد تحرير دمشق قائلا إن خريطة الطريق التي كان يفترض التوقيع عليها أواخر 2023 -وكانت تصب لصالح الحوثيين وفقا لأكثر اليمنيين- لم يعد ممكنا توقيعها أو تنفيذها.
أما على وسائل التواصل الاجتماعي فقد ركز خطاب قادة الحوثيين من عبدالملك الحوثي إلى حسين العزي ومحمد البخيتي وعبدالملك العجري وغيرهم على ضرورة وقف الحروب الداخلية حاليا، دون أي خطوات أخرى لحل الصراع. مع ذلك أطلقوا سلسلة من التهديدات على لسان العزي بأنهم مستعدون للحرب، وعلى لسان العجري: "نعد تسع رصاصات للعملاء ورصاصة للاحتلال". التهديدات الحوثية لم تتهم مناوئيهم بالإرهاب كالعادة بل طوروا مصطلح الإخوان وتحريض السعودية عليهم والخليج، باعتبارهم موالين لتركيا.
موقف إيران
تضاربت المواقف في إيران حول ما حدث في سوريا، واعترفوا بانسحابهم وهزيمة حليفهم الأسد وعجزهم عن التدخل لإنقاذه لعوامل عدة، ثم طوروا خلال الأيام الماضية لغة تقول "المعارضة المسلحة بدلا عن الجماعات الإرهابية"، متهمين تركيا والاحتلال والولايات المتحدة بالمساعدة في الإطاحة بالأسد. كما اتهموا الأسد بالفشل في حل المشاكل المزمنة لنظامه، وحملوه مسؤولية الهزيمة، لكن تداعيات الهزيمة اعتبروها خطيرة على أمن إيران نفسها.
علي خامنئي قائد إيران ومرشدها قال إن بلاده عجزت عن إرسال المساعدات للأسد، بعد اتهامه بالمسؤولية عن هزيمته، لكنه قال إن محور المقاومة باق ولكن ليس بشكل مادي، بل بموقف وشعور وعقائد. واتهم خامنئي تركيا بشكل غير مباشر بقوله، إن "دولة جارة لسوريا شاركت الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة في مؤامرة إسقاط الأسد.. يريدون احتلال الشمال السوري".
يقول الباحث اليمني إبراهيم جلال على منصة "إكس"، إن "المنطقة تشهد إعادة رسم خريطة النفوذ والسيطرة بوتيرة متسارعة، بفعل متغيرات تفرض تحجيم دور إيران وأذرعها الإقليمية بعد عقدين من تمكين الإسلام السياسي الشيعي على حساب الدولة الوطنية".
وتابع جلال: "يخشى حلفاء إيران في بغداد وصنعاء من مصير مماثل لحزب الله والأسد بعد أن بدأت طهران تعيد ترتيب أولوياتها على الداخل على حساب الحلفاء".
وقال مصدر مقرب من الحوثيين في صنعاء لـ"يمن شباب نت" إن الحوثيين يشعرون بالصدمة مما حدث للأسد حتى مع وعيدهم باستمرار الهجمات البحرية. عمق من تلك الصدمة التأييد العربي الواسع بما فيها حركة المقاومة الإسلامية حماس رسميا وشعبيا وإعلاميا للثورة السورية، أدى إلى عزل كامل للسردية الحوثية".
زلزال سوريا بالنسبة للحوثي أشبه بعملية محو لعام كامل من المطامح الاقليمية التي كانت قد تنامت منذ ٧ أكتوبر ٢٣. خاصة وقد جرى تصوير ما حدث لحزب الله على أنه نصر وكادت هذه المغالطة أن تمر، رغم أنها الضربة الأكثر قسوة. عاد الحوثي إلى اليمن أخيرا ولكنه عاد خائر القوى، خائفا ويصيح غاضبا من تلك التحولات، في مؤشر على حجم القلق من مصير مماثل.