أهم الأخبار
فؤاد مطر

فؤاد مطر

قراءة هادئة في «يمانية نصر الله»

2015-04-30 الساعة 09:25ص

كنت من بين كثيرين من أبناء الأمة أتمنى لو أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله نأى بنفسه عن معظم ما سمعناه يقوله في حق المملكة العربية السعودية، أو على الأقل بترْك الكلام الكثير الخشونة لمن هم في الصف الثاني أو الثالث أو أولئك الذين يبرعون في الإساءات في حق آخرين. ونقول ذلك على أساس أنه كزعيم حزب يُبقي لنفسه أمر تخفيف منسوب الخشونة في خطاب لاحق تكون فيه الأمور تبدّلت من السوء إلى الأقل سوءًا.

هذا التمني سبق أن أطلقتُه من خلال مقالة في صحيفة «اللواء» اللبنانية (الأربعاء 1 - 4 - 2015 وبعنوان «تأملات في قمة ترميم الشرعية من (طائف) الملك فهد إلى (عاصفة) الملك سلمان») مصدومًا من هذا النهج غير البعيد النظر للسيد حسن. وأما معاودة الإشارة إليه فلأن ما قاله في «الخطبة اليمانية» يوم الجمعة 16 أبريل (نيسان) مدعاة للاستهجان، ذلك أنه في معظم مضمونه يبدو كما لو أنه قائم على مقولة «كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء»، أكثر من أن يكون وقفة تعاطُفية مع طيف يمني هو إذا جاز التشبيه توأم الطيف اللبناني المتمثِّل بـ«حزب الله».

ولو أن «الخطبة» ليست بطلب من مرجعية الطيفيْن، ونعني بها إيران، وجاءت مبادرة من التوأم اللبناني لنصرة التوأم اليمني، لكانت في هذه الحال تحتاج بالنسبة إلى الصياغة إلى جلسة من التشاور الذي يفضي إلى أن عبارات كثيرة وردت في «الخطبة» تستوجب الإسقاط. أما وأنها جاءت تكليفًا فإن الطرف المكلِّف، وهو هنا المرجعية الإيرانية، سيكون في مرحلة ما بعد استقرار الوضع «بريئًا» مِن الذي قيل ما دام قيل بلسان عربي ضد طرف عربي بإيحاء فارسي. وفي هذه الحال يصبح القائل خارج المشهد.

وما هو مدعاة للاستهجان أيضا أن «الخطبة اليمانية» التي قيلت باللسان العربي لم تأخذ في الاعتبار أنه ليس في السعودية إيرانيون لكي تتأثر أوضاعهم لو أن صاحب «الخطبة» وقائلها كان أحد رموز النظام الإيراني، في حين أن هنالك بضعة ألوف من اللبنانيين يعملون في مدن المملكة وسائر المدن الخليجية، وللمرء أن يتصور أي مشاعر انتابت نفوس هؤلاء وهم يسمعون أو يشاهدون السيّد حسن يقول من الكلام ما هو أشبه بالقذائف في حق الدولة الملاذ التي يحققون من خلال العمل فيها استقرارًا لهم ولعائلاتهم في لبنان، حيث لا استقرار ولا أعمال؛ لأن ضجيج المشروع الإيراني ومتطلبات هذا المشروع يعلو على صوت الحاجة الماسة إلى الاستقرار. وهذه الميزة للسعودية ودول الخليج لا تقابلها حالة مماثلة في إيران، حيث ليس هنالك لبنانيون يعملون في المدن الإيرانية، ولا يخطر في بال أي شاب لبناني عندما يتخرج في الجامعة أنه سيُيمِّم وجهه شطْر إيران للعمل فيها وتأمين مدخرات لمستقبله وتحويل بعض المال إلى الأهل في لبنان لكي يواجهوا شظف العيش أو يؤسسوا له بيتًا أو ليسددوا أقساط المدارس التي يتلقى فيها العِلْم أشقاؤه أو شقيقاته الذين ما زالوا في أعمار الدراسة. وما هو معروف أن الذين يقصدون إيران من اللبنانيين هم فقط الذين يزورون المراقد، وفي هذه الحال فإنهم ينفقون المال في إيران. كما يقصد إيران بعض الذين يلتحقون بحوزات للدراسة الدينية المذهبية. ومثل هذا الأمر كان حاصلاً في الماضي وتَواصَل بعد إسقاط حُكْم الشاه وقيام الحكم الثوري الديني، مع إضافة نوعية جديدة من قاصدي إيران هم أفواج الشباب الذين يتم إيفادهم لتلقْي دورات تدريبية ثم تحويلهم إلى جنود في «جيوش» الأحزاب التي تحلق في الفضاء الإيراني، مثل «حزب الله» في لبنان و«أنصار الله» في اليمن، وكذلك في أحزاب إيرانية الهوى في البحرين والكويت والعراق لم يتم بعد اقتحامها ميدان التغيير بغير التي هي أهدأ وأحسن.

في ضوء ذلك يكون السيّد حسن بالذي قاله، وكنا نتمنى أن لا يقوله، يتسبب بقطع أرزاق الألوف من اللبنانيين مع أن قطْع الأرزاق مِن قطْع الأعناق.

وفي مسألة الاستهجان أيضًا، ربطًا بما قد ينشأ عن «الخطبة اليمانية» للسيد حسن من التداعيات في حق الألوف من العاملين في المدن السعودية وسائر المدن الخليجية، واستطرادًا بعشرات الألوف من أفراد عائلات هؤلاء في لبنان بشتى محافظاته، بما في ذلك الجنوب والضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، ثمة نقطة بالغة الأهمية تستوجب التسجيل، وهي أنه من الناحية الجغرافية تبدو السعودية هي التي تُحادّ اليمن، وليست إيران، وأنه إذا كان لا بدّ من أخْذ الحذر في الحسبان فإن السعودية هي الأولى بهذا الحذر، فضلاً عن أنها بـ«العاصفة» التي رأتها مجرّد استباق لما هو أعظم قطعت الطريق على «غزوة» حوثية من حيث الشكل، لكنها إيرانية من حيث المستتر من الأسلحة والقوات، وتكون مثل «الغزوة الصدَّامية» للكويت التي انتهت كوارث على الجميع، واستحضرت أميركا وحلفاءها إلى المنطقة بصيغة إنقاذ موقف انتهى احتلال إرادات، ثم جعله الزعماء العراقيون الذين تمّ إحلالهم محل العهد الصدَّامي البعثي احتلال أرض وإرادات معًا. وعندما يكون الجوار على النحو الذي هو عليه بين السعودية واليمن يصبح تدخُّل الطرف المرتاب واجبًا يؤديه ضد الطرف المتدخل حتى إذا كان تدخُّله ما زال في طور النيات المبيَّتة.

وثمة روابط بين السعودية واليمنيين أقوى من أي روابط بين دولة عربية وشعب دولة شقيقة. ففي السعودية وصل بعض اليمنيين من شتى المحافظات ما بين حضرموت وصنعاء إلى مرتبة رجال الأعمال الكبار الشأن. وفي استمرار كانت السعودية مقصد عشرات الألوف من اليمنيين الباحثين عن العمل في مدنها ونيْل درجة من الاستقرار المفقود في بلدهم.

نكرر فيما لا تلوح في الأفق إمكانية بوادر انفراج عن طريق الاقتناع بالحل يأتي بالحوار أولاً، أننا كنا نتمنى لو أن «الخُطبة اليمانية» لم تُلق من جانب السيّد حسن الذي على حدّ ما نعلمه لا يعرف اليمن تمام المعرفة، كما لا يعرفه أولئك الذين كانوا يصغون إلى خُطبْته وأولئك الذين كانوا حيث يتوزعون على المقاعد يرفعون الأذرع هاتفين مهلِّلين مكبِّرين لموضوع يجهلونه جملة وتفصيلاً.

ورغم أن ما تمنيناه حدث عكسه، فإننا نرى في حال كان السيّد حسن حريصًا على لبنان قبل اليمن أن يغتنم مناسبة في يوم ليس بالبعيد ويطفئ بكلام، يستأنس قبل قوله ببعض حِكَم الإمام علي كرَّم الله وجهه، اللهيب الناشئ عن «الخُطبة اليمانية» وما حوته من كلام بلغ بخشونته حدّ الإساءة إلى بلد له على كل العرب والمسلمين وقفات كريمة، ونتمنى أن لا ينتهي ردّ فعل الشعب السعودي على «الخطبة اليمانية» للسيد حسن خصومة كتلك التي في نفوس بضعة ملايين سوري ما زالوا في حيرة من أمر دور «حزب الله» في الأزمة السورية، وكيف أن زعيم الحزب بدل أن يكون مرجعية ناصحة لأهل النظام البشَّاري ما زال للسنة الرابعة على التوالي يتخذ الموقف الذي يرى الكارثة السورية وكأنما هي حالة من حالات سوء التفاهم لا تستوجب كل هذا التهويل لها. ثم يقتحم، حتى الآن كلامًا، غمار أزمة هي أشد تعقيدًا مما يظن.

وهنا يصبح استئناس السيّد حسن ببعض حِكَم الإمام علي أكثر من ضروري، إذ بذلك يستعيد الرونق الذي كان عليه قبل عشر سنين. وإذ إنني كلما اسودَّت الدنيا العربية والإسلامية أُقلِّب في نهج بلاغة هذا الإمام الهادي المصلح النقي التقي في الزمن الغابر الذي لا يستهدي برؤاه بعض أئمة الزمن الحاضر، فأجد النفس ترتاح وتطمئن والقلب يهدأ بعد خفقان ناشئ عن هذا التصريح أو تلك «الخطبة» أو تِلكُم «الفتاوى» والتنظيرات، فإنني أضع على الورق بعض أقوال صاحب النهج البليغ عسى يتأمل فيها السيّد حسن الذي بالغ في الاستعداء إلى درجة أننا بتنا في حيرة من أمر زعامته، وهذه الأقوال هي:

رُبَّ فتنة أثارها قول، ورُبَّ نُطْق أحسن فيه الصمت، ورُبَّ حرب جُنيت من لفظة، ورُبَّ كلام أنفذ من سهام. لا يستغني العاقل عن المشاورة. الموعظة نصيحة شافية. لا نعمة أجل من التوفيق. لا نُصْح كالتحذير ولا عبادة كالتفكر. احذروا الأماني فإنها منايا محقَّقة، واحذروا الغضب فإنه نار مُحرِقة، واحذروا التفريط فإنه يوجب الملامة. لا عبادة كالتفكر. مَنَ نصح نفسه كان جديرًا بنصح غيره. في الاستشارة عين الهداية. من نصَحَكَ فقد أنجدَك. مَن استبد برأيه زلَّ، ومن خالف النُصح هلك. أعقل النّاس أنظرهم في العواقب. الإصرار شرُّ الآراء. إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندَم. أوهن الأعداء كيدًا مَن أظهر عداوته. جميل القول دليل وفور العقل.

يا لعظمة كلام سيد البلغاء علي بن أبي طالب الإمام الهادي إلى سواء السبيل. ويا لعظيم صدمتنا من «الخطبة اليمانية» لـ«سيد المقاومة»، أبو هادي، التي قد تجعل السبيل إلى الاستقرار صعب المنال.

... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص