2015-06-11 الساعة 09:46ص
لتحليل أحداث الشرق الأوسط يلجأ الناس عادة لتبسيط الأمور إلى نظرية المؤامرة بكل تفاصيل مدهشة تملأها «آراء» غير قابلة للتوثيق ولا التصديق أبدًا، ولكن يتم تناقل «التحليل» وكأنه كلام مقدس غير قابل للتشكيك أبدًا، ولكن ما يقال عن هذا الطرح يقال أيضًا عن بعض ما يطرح في دوائر التحليل الأكاديمي والإعلام السياسي في الغرب، فهو أيضًا يندرج تحت بند الخيال السياسي الواسع جدًا.
في إصدار جديد يندرج تحت هذا التوصيف يقوم الأكاديمي التاريخي البريطاني الجنسية أفرايم كارش في كتابه الصادر حديثًا بعنوان «الذيل الذي يحرك الكلب»، وهو باختصار شديد يناقش فكرة أن بريطانيا بريئة تمامًا من الخطيئة الأولى في حقها، وهي تقسيم منطقة الشرق الأوسط بشكلها الحالي اليوم، ولكن خطيئتها الحقيقية هي تركيزها الطويل والمبالغ فيه جدًا محاولاتها المستمرة في توحيد آراء دول المنطقة وإصلاح الخلافات المستمرة بينهم.
ويضيف الكاتب نفسه في رأي استفزازي آخر، وهو أن العرب يبالغون جدًا من أهمية إنشاء دولة إسرائيل على أراضي فلسطين والآثار السلبية التي ترتبت عليها بعد ذلك، وكذلك يبالغون جدًا في تحليل أبعاد وأضرار القوى الإمبريالية على المنطقة واستغلالها لموارد المنطقة والإيقاع بين الأطراف المتنازعة فيها. وبالتالي لا يوجد مكان للاستغراب ولا الاندهاش حينما يلجأ الساسة ورجال صناعة القرار في الغرب إلى تحليلات أكاديمي «محترم ومرموق» مثل كارش لتبرير موقفهم السياسي، وبالتالي إظهار موقف مضاد ضد شكوى الفلسطينيين ونكبتهم التي حصلت في عام 1948.
الكتاب يتطرق من هذا المنظور الصادم والمستفز لتاريخ الشرق الأوسط بأكمله منذ سقوط الدولة العثمانية، وصولاً إلى جدليات الاتفاق النووي المنتظر مع النظام الإيراني، ولكن أهم ما يركز عليه الكتاب هو «المسؤولية»، وهو السؤال الأهم بالنسبة للمؤلف، على من تقع مسؤولية الأحداث أو بالأحرى من يحرك الأحداث من أساسها؟ ويأتي جوابه مستمرًا خلال صفحات الكتاب المختلفة بأن المسؤولية تقع في المقام الأول على الدول والشعوب العربية كلها. ويضيف أيضًا أن الاتهام الجمعي الآتي من الذهنية العربية بتحميل القوى الكبرى في الغرب وزر مشكلاتهم ومآسيهم هو خطأ عظيم ووهم كبير.
ويفنّد كارش أهم أحداث الشرق الأوسط مثل فترة الحرب الباردة، وحرب 1967، والحراك مع الرئيس السادات، وتحرير الكويت، وقبل ذلك يوضح «ضعف وعجز» قوى الغرب عن عمل أي شيء لوقف «الثورة» في إيران وتحولها لمعسكر طائفي بقيادة رجل دين مثير للجدل اسمه خميني. ولكن أكثر شخصية تحظى بالنقد العنيف والهجوم في كتاب كارش هو الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، فهو يتهمه بصريح العبارة بأنه يتجاهل خصوصيات وتعقيدات وتركيبة الشرق الأوسط المعاصر، ويلجأ بالتالي إلى وصفات «سحرية» مثل الحرية، والديمقراطية، والمزيد منها بدلاً من الاعتماد على سياسات واضحة الأهداف والملامح والغايات وترك الأمور تتوحش وتتوغل حتى باتت خارج السيطرة تمامًا.
هذا رأي صادم في مجمله ويخلي المسؤولية عن عاتق الغرب فيما هو متورط فيه، فلا يمكن اليوم لأي منصف وعاقل وحكيم وموضوعي النظر إلى ما يحصل في العراق وسوريا دون أن يفكّر في مسؤولية قرار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن وعصابة المحافظين الجدد التي كانت معه في غزو العراق والدخول في متاهات عرقية وطائفية بامتياز ولدت حربًا دموية لا نهاية لها على المدى القصير ولا المتوسط، ولا يمكن إغفال حجم القلاقل التي حدثت في المنطقة لقاء منح بريطانيا وعدها الشهير على لسان وزير خارجيتها بلفور لمنح إسرائيل الحق في تأسيس دولتها على أرض فلسطين، والتبعات التي حصلت جراء ذلك من دعم غربي عمومًا، وأميركي تحديدًا لإسرائيل.
هذا النوع من الاستهتار أو حتى استبعاد تمامًا هذه الأسباب هو تغييب متعمد، ولكن ذلك لا يلغي أبدًا مسؤولية العرب أنفسهم عن الأخطاء التي تورطوا فيها عبر الزمن من إفراز للفكر المتطرف، وتأسيس للاستبداد والطغيان والفساد، وهو الذي أدى إلى حالة الإحباط العامة وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإعطاء ذريعة للعنف المتصاعد والتشدد المذهبي والعنصري البغيض.
أي قراءة ناقصة للوضع في الشرق الأوسط لها ما يبررها، فهي تكون أسيرة لأجندة خاصة تسعى لإبعاد الشبهات عن نفسها بلا شك.