أهم الأخبار

عام على تأسيس "المجلس الانتقالي": الوحدة تعود بقوة من الجنوب (تقرير خاص)

2018-05-13 الساعة 08:20م (يمن سكاي - سلمان المقرمي يمن شباب)

مثّل الاحتفال الذي أقامه "المجلس الانتقالي الجنوبي" بمناسبة مرور عام على تأسيسه صورة واضحة عن طبيعة التحول في المشهد السياسي في جنوب اليمن وفي الحراك الجنوبي منه على وجه الخصوص.
 
ضمن برامج الاحتفال الباذخ عروض عسكرية رمزية تمر أمام عيدروس الزبيدي رئيس المجلس وبيمينه اللواء أحمد بن بريك الذي لا يمتلك أي قوة عسكرية أو تنظيم اجتماعي وسياسي وعلى اليسار من عيدروس يظهر أحمد لملس والأخيرين قادمين من المؤتمر الشعبي العام وليس من الحراك الجنوبي ، يظهر الثلاثة كقيادة للمجلس وهم يرتدون الفل والنظارات السوداء ويمشون على السجاد الأحمر كتعبير عن التغير الذي نتج عن طبيعة التحول في مسار الحراك الجنوبي من النضال الشعبي إلى الاحتفالات النخبوية الباذخة بفضل الدعم الإماراتي السخي للمجلس.
 
وعلى عكس الأحداث التاريخية التي كان يحشد لها الحراك الجنوبي طوال عقد من الزمن بمناسبتها مهرجانات شعبية ومظاهرات حاشدة من مختلف المحافظات الجنوبية اقتصر الحفل في عدن على جمهور صغير يشاهد عروضا عسكرية وكرنفالية وغنائية.
 
* بداية التحول:
 
لأول مرة في تاريخ الجنوب انقسم الشارع الحراكي في تظاهرتين مختلفتين بمناسبة سبعة يوليو2017 أي بعد تأسيس المجلس بأقل من شهرين ويعود السبب في ذلك الانقسام إلى رفض شخصيات حراكية وأخرى من المقاومة الجنوبية التي تصدرت أثناء تحرير عدن العمل ضمن مشروع الزبيدي في "المجلس الانتقالي" نتيجة صراعات حادة معه وخاصة بعد ما قدم المجلس نفسه على أنه ممثل وحيد للجنوب وسلطة عليا له. وتمت فعالية الزبيدي في شارع المعلا بمهرجان جماهيري كبير، فيما أقيمت فعالية أخرى في ساحة الحراك الشهيرة بخور مكسر .
 
ومع تزايد الدعم الإماراتي للرجلين الأقوى في المجلس وهما عيدروس الزبيدي وتتبعه عدة ألوية يدفع مرتباتها من إيرادات محافظة عدن ومن الإمارات والثاني نائبه الشيخ السلفي  هاني بن بريك ويشرف على قوة "الحزام الأمني" المكونة من أغلبية سلفية، زادت حدة التناقض والتنافر بين أطراف الحراك الجنوبي.
 
في شهر أكتوبر 2018 عقد التيار الموالي للقيادي في الحراك الجنوبي حسن باعوم ورفض فيه احتكار المجلس الانتقالي للقضية الجنوبية ، أكثر من ذلك اعتبر باعوم الذي يعد أحد أهم مؤسسي الحراك في العام 2007 التواجد العربي في جنوب اليمن "احتلالا للجنوب"، وهو مؤشر على حجم التصدع الذي أصاب الحراك ليس في الجانب التنظيمي فقط وإنما في طبيعة النظرة للقضية الجنوبية وسبل حلها.
 
وتزايدت حدة الانقسامات في صفوف الحراك بعد رفض عيدروس الزبيدي تسليم مقر محافظة عدن وعرقلة الحكومة الشرعية عن أداء مهامها، وبالنهاية فشل محافظ عدن عبدالعزيز المفلحي في العمل من مقر المحافظة قبل أن يقدم استقالته لأسباب أرجعها إلى فساد بن دغر بعد أن اتهم في وقت سابق المحافظ السابق أي عيدروس بالفساد الهائل.
 
* الموقف من طارق صالح وأحداث يناير:
 
مطلع يناير 2018 فر طارق صالح نجل شقيق الرئيس المخلوع صالح من صنعاء بعد معارك صغيرة استمرت لأيام في صنعاء مع حليفهم الحوثي، فر إلى عدن بحماية ودعم إماراتي لإعادة تأسيس قوات جديدة له بهدف محاربة الحوثي وكان موقف المجلس الداعم لطارق وقواته سقوطا أخلاقيا واضحا لـ"المجلس الانتقالي" أمام الجماهير التي يزعم تفويضها له والتي ظلت تعارض صالح وعائلته عقود من الزمن.
 
وفسر كثيرون هذا الموقف بأن المجلس تخلى كليا عن المشروع الجنوبي باستعادة الدولة عبر موالاة عائلة مؤسس النظام السابق الذي قاد عملية الاستيلاء على عدن في 94 وفي 2015م. وهو موقف رفضه أغلبية قادة المقاومة والشخصيات الجنوبية لكن هؤلاء ليس لهم داعمون وقوات عسكرية تتبعهم.
 
في 28 يناير الماضي شن "المجلس الانتقالي" بدعم إماراتي عمليات عسكرية للسيطرة على عدن وإسقاط الحكومة الشرعية التي يرأسها رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر وفعلا استطاع السيطرة على عدن ولكنه فشل في إسقاط الحكومة بعد تدخل سعودي.
 
لكن القتال العسكري في يناير أعاد تحفيز الصراع العنيف في الجنوب قبل الوحدة بين محور الضالع التي ينتمي لها عيدروس وأبين التي ينتمي لها الرئيس هادي واتخذ القتال بعدا مناطقيا صرفا خلف مئات القتلى والجرحى وأعقبه عمليات اقتحامات ونهب وسلب.
 
ورغم المدة القصيرة لمعارك يناير التي لم تتجاوز ثلاثة أيام، وعشرات عمليات الاغتيالات التي طالت خطباء وقادة مقاومة وضباط  فإنها كانت عبارة عن حقيقة المشهد المعقد في الجنوب وهشاشة مشروع الانفصال أو ما يسميه الحراك استعادة الدولة.
 
* أحداث سقطرى:
 
مطلع مايو الجاري زارت الحكومة اليمنية ضمن زياراتها للمحافظات المحررة محافظة أرخبيل سقطرى كانعكاس لمحاولة الحكومة استعادة نشاطها بعد تقرير لجنة الخبراء الدولية الذي وصف الحكومة الشرعية وسلطتها بالمتآكلة، وفي خضم الزيارة أنزلت القوات الإماراتية في جزيرة سقطرى قوات عسكرية ومدرعات ودبابات وجنود إماراتيين استولوا على مطار وميناء سقطرى دون أي تنسيق مع الحكومة، وردت الحكومة باعتبار ذلك احتلالا يمس سيادة البلد ووحدته.
هذه الأحداث أعادت تقسيم الشارع في الجنوب مجددا -بعد أن كان الصوت الموالي للانفصال هو الغالب إلا من أنصار الأحزاب السياسية - وكما هو معروف فإن الخيارات في الجنوب محدودة تقوم على ثنائية الانفصال أو استمرار الوحدة، وعليه فقد شهدت محافظة سقطرى مظاهرات حاشدة  مؤيدة للحكومة وللوحدة اليمنية وامتدت التظاهرات إلى محافظة المهرة، وكتبت شعارات في مدن يمنية بما فيها عدن وسقطرى "يرحل الاحتلال الإماراتي".
 
وسبقته مظاهرات بدأت بالتزايد بشعارات مرتفعة مناوئة للتحالف العربي برمته في عدن.
 
* العودة إلى الوحدة مجددا:
 
شكل الهدف من تأسيس "المجلس الانتقالي" والذي يتمثل بأنه سلطة لحكم الجنوب نقطة ضعفه الرئيسية إذ احتوى قيادة المجلس على توليفة متناقضة ومتنافرة فمن ناحية يأتي عيدروس الزبيدي من الحراك الجنوبي ويملك قوة عسكرية ينتمي نائبه الذي يقود قوة عسكرية منفصلة عن الأولى إلى السلفيين فيما استحوذت القيادات القادمة من المؤتمر الشعبي العام أغلبية أعضاء المجلس. كما أن الدعم الإماراتي لبعض الشخصيات في المجلس والتجاهل التام للقيادات الأخرى كفضل الجعدي وناصر الخبجي وغيرهم تراجع أدوار هؤلاء.
 
من جهة أخرى استطاع الرئيس هادي تحييد واستمالة قيادات أخرى في المجلس ومن الحراك الجنوبي الآخر وعلى رأس هؤلاء اللواء فرج البحسني قائد النخبة الحضرمية والمنطقة العسكرية الثانية بتعيينه محافظا لحضرموت، وعمل البحسني على دمج قواته ضمن قوام الجيش اليمني كي لا تكون مليشيات مسلحة كسياسة حضرمية ترفض الصراعات السياسية المشتعلة في عدن وأبين والضالع، كما عين هادي عدة شخصيات منشقة من الأجنحة المسلحة التابعة للإمارات والمجلس الانتقالي في جهاز الدولة وإن كانت هؤلاء شخصيات ليس من وزن كبير إلا أنها مؤشر إلى حجم التحول هناك.

 
التهميش الكبير والصراع المناطقي بين الضالع ويافع من جهة وأبين وشبوة من جهة أخرى نتج عنه غياب تمثيل حقيقي لمحافظة أبين بشكل خاص، من تواجد أي تأثير كبير في المجلس وكذلك تخلى الشيخ عبدالله بن عفرار أحد أهم سلاطين المهرة وسقطرى عن المجلس .
 
والخيارات في الجنوب محدودة فمن يعارض الحكومة يرفع شعار الانفصال كالمحافظين المقالين من الحكومة نفسها ومن يتخلى عن الحراك ينضم للوحدة مجددا.
 
ولهذا كان وزير الداخلية القادم من أبين أحمد الميسري معارضا بشدة لتحركات المجلس لأبعاد مناطقية يفسرها كثيرون فيما يقول الميسري نفسه إنه مع يمن اتحادي يقوده الرئيس هادي ويرفضه الانتقالي وآخرون. واستقبل الميسري نائب مدير أمن الضالع في عدن  بعد أسابيع قليلة من استيلاء الحزام الأمني على الضالع بالقوة العسكرية على حساب المؤسسات الرسمية والتي كانت موالية للانفصال ولكن لطبيعة التنافس الشخصي تغيرت مواقفها.
 
موقف الميسري ليس الوحيد فقد عمل محافظ أبين على تجنيب محافظته عن أي تظاهرات او فعاليات مؤيدة للانفصال واعترضت شخصيات وقيادات عسكرية من أبين رغم ضعفها تعزيزات عسكرية للمجلس الانتقالي أثناء أحداث يناير الماضي.
 
على المستوى الشعبي تضاءلت الآمال - نتيجة الخطاب الشعبوي - بإمكانية تبني المجلس لأي مؤسسية أو ديمقراطية أو خوض حوارات مع قوى جنوبية مضادة للمجلس بما فيها هادي والأحزاب السياسية، وبدا صوت الانفصال يخفت بسرعة مفاجئة. وبنفس الوقت زادت الآمال بمشروع الحكومة التي يحملها هادي.

 
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص