أهم الأخبار

قصة عائلة دفعت بها الحرب للعيش جوار مكب النفايات.. بائسون لا تعرفهم المنظمات

2021-05-28 الساعة 04:02م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

"رقدنا تحت الشجر وفي الجبال والوديان، لا فراش ولا جِماش". هكذا لخصت الحجة مريم مهيوب، خمسينية العمر، حياة التشرد والضياع التي عاشتها هي وأولادها منذ الوهلة الأولى لنزوحها بدءً من منطقة النزوح الأم "البرح" غربي تعز.

مطلع العام 2018، فرّت مريم بأولادها بعد أن تحولت منطقتهم والمناطق القريبة منهم إلى ساحة للقتال. فقررت الهروب ومغادرة منزلها بعد يومين من فقدانها لزوجها، حد قولها.

تقول مريم: "هربنا من الحرب والفوضى التي حصلت في المنطقة.. زوجي قُتل، قتله ابن عمه بسبب أرضية، جا ومعه مسلحين وأخذوا الأرضية بالقوة.. مقتل زوجي كان فاجعة كبيرة لي ولأولادي، بعدها خرجنا من البيت".

وتضيف: "تركنا البيت وتركنا كل شيء فيها.. نزحنا من بلاد إلى بلاد، من البرح إلى الرمادة إلى منطقة "بُكاير" عشنا لنا أسبوع في مدرسة فارغة ثم انتقلنا إلى جبل حبشي وبقينا يومين عند أحد المواطنين أخذنا إلى بيته.. تعبنا تنقل، مرضنا وتجعجعنا كثير".

تمضي في عامها الخمسين. تجاعيد وجهها الشاحب توحي بأنها عاشت مُسلسلاً طويلاً من المعاناة والتشرد والضياع. تنقلت بصعوبة بين جبال شاهقة ووديان مخيفة حيث لاقت أشد المعاناة والإرهاق والتعب.. وبحسب الأم فإن رحلة تنقلها استمرت لأكثر من شهر حتى وصلت إلى مدينة تعز.

مقلب القمامة مأوى لمن لا مأوى له

حظ هذه الأسرة ربما لم يسعفها في الحصول على مكان مناسب للاستقرار.. حتى أجبرتهم ظروف الحياة القاسية وصعوبة العيش أن تحطَّ رِحالَها بالقرب من حدائق الصالح الواقعة على خط الضباب، جنوبي تعز. الحدائق التي تحولت في زمن الحرب إلى مقلب لإحراق القمامة بدلاً عن المقلب الذي يقع في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أو ما يسمى بـ "المحرقة" الواقع في "مفرق شرعب".

بدون تردد نزلت هذه الأم بأبنائها في هذه المنطقة المليئة بالأوبئة وبكل مُسببات الأمراض التي تنتشر في المدينة من فترة لأخرى.

تندب مريم حظها: "طفت المدينة كلها؛ لكن كلما نجلس في مكان كانوا يطردونا.. رجعنا استقرينا هنا جنب القمامة".. وتضيف بنبرة ألم وحسرة "القمامة بهذلت بنا، دخان متواصل ورائحة القمامة تخنق الواحد. نامس وحشرات تملأ المكان.. صح ما نقدر نعيش هنا، لكننا مجبرين".

عيش أسرة مريم محاطة بالنفايات من كل جانب. حريق مستمر وأدخنة متصاعدة لا تنقطع، وأكياس قمامة مُتناثرة في مُحيطها.. بيئة خصبة لانتشار الأمراض الناتجة عن تلوث المنطقة وعن إحراق المخلفات الكيميائية والمواد منتهية الصلاحية، ناهيك عن التشوهات الخلقية التي اصابت بعض أطفال المنطقة.

"ضنك، كوليرا، حميات، سعلة شديدة، التهابات، الربو" سلسلة طويلة من الأوبئة التي تنتشر باستمرار في المناطق القريبة من المقلب. وأكدت الأم في حديثها لـ "المصدر أونلاين" بأنه "قبل خمسة أشهر خلق ابن ابني ورأسه فيه تشوهات خلقية، هذه الأمراض ناتجة عن إحراق المواد الكيمائية في المقلب. أولادي يمرضوا في كل فترة.. لا معانا ناموسيات، ولا بطانيات".

سحب دخانية تتصاعد من المقلب طوال اليوم، بل تزيد في الصباح بشكل أكبر، هذا ما يجعلها تشعر بالاختناق الشديد المصاحب للسعلة المستمرة، طبقاً لحديث مريم، ومع حالة النزوح والفاقة التي تعيشها إلا أنها لم تستسلم للعيش في خيمة واتجهت تجمع الأحجار من الجبال والمناطق القريبة عازمة على بناء غرفة تستتر خلفها، وتمكنت من بناء غرفة واحدة بالإضافة إلى حمام صغير بجانبها. وكيف لغرفة واحدة أن تتسع لأسرة كبيرة العدد (تتكون من خمسة أولاد وبنتين، أكبر أولادها متزوج ولديه أربعة أطفال).

لم تنته القصة هنا فما تزال للمأساة فصول، وبنبرات حزن عميقة ونفس متقطع تشير الأم إلى كومة من الأحجار المتناثرة وتقول "أني أبني لي ديمة (غرفة صغيرة)، ومالك الأرضية يجي يهدمها ما يشتينا نعيش بأرضه".

ثلاثة أطفال يعيلون أسرة بالتسول اليومي

منذ نحو ثلاث سنوات ونصف تقريباً تعيش مريم مع أفراد أسرتها في هذا المكان، وصباح كل يوم توزع الأم بين أولادها الثلاثة (محمد، علي، سعيد) مهام الخروج للبحث عن طعام. أحدهم يذهب للتسول من البيوت القريبة، والآخر يعمل في جمع المخلفات البلاستيكية من الشوارع وأزقة الحارات لبيعها بمبلغ زهيد. أما مهمة سعيد قد تبدو شاقة وأكثر اختلافاً عن مهمات إخوانه.

"سعيد" الذي ليس له من اسمه نصيب.. يخرج مُبكراً يتنقل على شاحنات نقل المياه قاصداً الوصول إلى قلب المدينة ليبدأ مهامه بالتسول، واضعاً الجامعات والأسواق ومحلات الصرافة والأماكن المزدحمة نصب عينيه.

وفي حديثه لـ "المصدر أونلاين" قال "في المدينة ناس كثير، واحد يجيب لي فلوس وواحد يقول ما عنده.. أدبر أموري وأجلس اتسول من الصباح حتى المغرب.. بعدين اشتري عشاء لأمي وإخواني وبعدها أروح بيتنا.. هذه مهمتي". ويالها من مهمة بائسة وشاقة تفني ما تبقى من حياة طفل لم يذق طعم الطفولة.

سحبتني الأم من ذراعي باتجاه غرفتها لأكون شاهداً على حياة البؤس التي يعيشونها "ادخل الغرفة شوف، ما عندنا شي، لا لقمة لا طحين لا أكل".

هذه العائلة، ومثلها المئات من العائلات التي شردتها الحرب، لا تعرف المنظمات طريقها إليها، تقول الأم "قبل سنة جا مسؤول أحد المنظمات يسجل في المنطقة، ما رضى يسجلني، قال إنه يسجل النازحين الذين لهم فترة كبيرة" ورغم أن العذر ركيكاً ويترك الباب مفتوحاً على أمل عودته مرة أخرى إلا أنه ذهب ولم يعد.


 
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص