أهم الأخبار

المُسند اليمني.. تاريخ وحضارة وهوية وسلاح قومي لمواجهة الإمامة والمشاريع الطائفية والمناطقية

2022-02-22 الساعة 12:02ص (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

تحتفي الأمم المتحدة وشعوب العالم في مثل هذا اليوم (21 فبراير) من كل عام باليوم الدولي للغة الأم، في محاولة تعزيز ارتباط الانسان بجذوره الثقافية واللغوية القديمة والتي بدأت تتلاشى مع اللغات المعاصرة.

 

وبالمناسبة ذاتها، أحتفى المدونون والمثقفون اليمنيون، يوم المسند اليمني تحت هشتاج #يوم_المسند_اليمني .

 

والخط المسند، هو الصورة الأولى للغة العربية، حيث تعتبر حروفه التي أستخدمها سكان اليمن القدماء في كتابتهم، النواة الأولى للغة العربية والتي وصلت إلينا بصورتها المعاصرة وحروفها الحالية.

 

ويتكون المسند من 29 حرفاً تكتب منفصلة عن بعضها ويفصل بين كل كلمة وأخرى خط عمودي وتختلف طرق الكتابة فيه إما من اليمين إلى اليسار في السطر الأول ومن اليسار إلى اليمين في السطر الثاني وكما ورد في نقوش الزبور من اليمين إلى اليسار.

 

ويمثل المسند اللغة الأم للإنسان اليمني خاصة والعربي عامة، حيث نشأت حروفه وتطورت وازدهرت على أرض اليمن، وزاد في جماله مهارة النحات اليمني وتنوع خطوطه التي مرت بمراحل تطوير مستمر.

 

وكان اليمنيون القدماء ينحتون أخبارهم وسيرهم بالمسند على جدران الكهوف والمغارات.

 

ويعود خط المسند في بداياته إلى الألفية الثالث قبل الميلاد، ليظهر لاحقا بزوايا أكثر احترافية الألفية الأولى قبل الميلاد، وخير شاهد على ذلك الكتابات الموجودة في وادي الجوبة بمحافظة مأرب شرقي اليمن.

 

وارتبط ازدهار خط المسند بازدهار الممالك اليمنية القديمة سبأ وحمير ومعين وحضرموت، حيث بلغت الكتابة بالمسند في مراحل عدة حد الرسم وبإبداع يفوق الوصف.

 

وتحظى مناسبة الاحتفال بيوم المسند، برواج كبير في أوساط الشباب سوى داخل اليمن أو في بلدان المهجر، حيث تزاحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات والمنشورات المحتفلة به.

 

وتناول بعض المدونون الجوانب الثقافية والأدبية لهذه لمناسبة، مضيفين ان لها بعدا سياسياً ووطنياً خاصاً، كنوع من المقاومة للمحاولات الراهنة لسلب اليمنيين من تراثهم وثقافتهم وربطهم بمشاريع توسعية خارجية كمحاولات الحوثيين فرض نمط ثقافي وعقائدي مقارب لداعميها في إيران الفارسية.

 

مناسبة للمقاومة

وفي هذا الإطار يقول "عادل الأحمدي" رئيس مركز نشوان للدراسات والإعلام، لـ"المصدر أونلاين" إن "الاحتفال بيوم المسند هو مفردة ضمن مفردات عديدة لإحياء الذات اليمنية في عوامل قوتها مثل يوم الوعل والمدرجات والمشافر وكل ما يتعلق بتاريخ اليمن وحضارته".

وأضاف: أن ذلك "يندرج ضمن المعركة الفكرية ضد مليشيا الحوثي باعتبارها تريد طمس ذاتنا الحضارية ووجودنا".

ويؤكد الناشط "أيمن علي"، أن "للخط المسند رمزية ودلالة في التاريخ اليمني وهو امتداد لجذورنا، ولا بد من الاحتفاء به".

 

امتعاض حوثي

وفي محاولاتها لربط كل شؤون الحياة بعقائدها ومزاعمها الطائفية، ترى مليشيا الحوثي وقياداتها العتيقة، في خط المسند خطر وعائق أمام مسيرتها التثقيفية المزعومة.

هذا ما أكده صاحب محل لبيع التحف والهدايا في صنعاء "صالح عوني" في حديث مقتضب لمراسل المصدر أونلاين.

يقول عوني "عندما جددت ديكورات المحل التابع لي، كتبت على لوحاتها بخط المسند".

وأضاف: هذا أزعج مشرف الحوثيين في منطقتي ودفعه لاستجوابي (ما قد معك).

وتابع: عندما قلت له أنا يمني وهذا خطي وتاريخي، قال لي "لو عملت أخضر ومقولة للسيد (زعيم الجماعة) إنه أفضل لك".

واستطرد: "كان المشرف الحوثي يتحدث معي بنبرة فيها تهديد واتهمني أني أتبع جهة خارجية؛ لكني لا أهتم، فالخلاص منهم هو بالعودة للأصل".

وقال الباحث في التاريخ "عماد ربوان"، إن "مثل هذه المناسبات (المسند، الوعل...) تزعج هذه الجماعة السلالية؛ لأنهم يحتقرون الناس بالأساس ويحاولون غرس فكرة أنهم أسياد الأرض وهم بالأصل ليس لهم حق".

ويضيف: "هذه أرض اليمنيين فقط ومن أراد العيش في اليمن لا بد له بالاندماج بالمجتمع وقوانينه بعيدا عن أي نظرة فوقيه وسلالية وأحقية في الحكم بالقوة".

الروائية اليمنية "فكرية شحرة"، تؤكد هي ايضا على الأهمية الوطنية والقومية للمناسبة، قائلة في منشور على حسابها بالفيسبوك "تمثل القومية اليمنية رعباً حقيقياً للسلالة وللحركة الحوثية، لأنها تنفي وجود هذه السلالة وتنهي تسلطها على رقاب اليمنيين، وتجرم الإمامة والهاشمية السياسية".

ويوضح "عادل الأحمدي" أن مناسبة يوم خط المسند اليمين "فرصة لإيجاد الذات اليمنية، وطريقة ناجعة وفعالة في إحياء الذات اليمنية التي يريد الحوثيون ومشروعهم السلالي قتْلها".

ويؤكد أن هذا اليوم "يأتي مصحوب بكم هائل من الكرامة والعزة التاريخية التي يريد الحوثي أن يسلبنا إيها، وأيضا معلومات ومعارف خاصة ومتعلقة بخط المسند مما يدفع اليمني لاكتساب ثقافة لا يجدها في المدرسة أو الجامعة أو الإعلام الحكومي الرسمي".

 

بعد عالمي

الكاتب "موسى عبدالله قاسم"، أشار في تغريدة له مرفقة بصورة قال إنها تعكس " تصوّر لتطور رسم الكتابة من اللغة اليمنية (المسند) إلى اللغة العربية الراهنة".

واستشهد بـ"قول العالم الأثري موريتز، بإن الفينيقيين بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمنية، ثم أخذ اليونانيون الكتابة عن الفينيقيين و عنهم أخذ الرومانيون فيكون العرب هم الذين أوجدوا الكتابة".

 

وأعتبر الناشط "مانع سليمان" حملة احتفاء اليمنيين بالخط المسند موجهة "لتأديب إيران"، ناشرا صورة قال إنها لـ"نقش النصر يتكلم عن القائد اليمني الخزافري الذي قاد حملة على بلاد فارس وارض تنوخ بأمر من الملك شمر يهرعش العظيم".

 

التدوين بالمسند

وتشارك النشطاء تطبيقاً لتحويل الكتابة من العربية المعاصرة إلى الكتابة بحروف الخط المسند وشاركوه بشكل واسع على مواقع التواصل.

وتعتبر مثل هكذا محاولة، خطوة في سبيل التدوين بالخط المسند وإعادة ترسيخه في الوجدان الشعبي والثقافي.

‏حجر الأساس لافتتاح مشروع سد مأرب مخطوطة بالمسند اليماني (وسائل التواصل)

ويشير الخبير "صلاح إسماعيل" العامل في مجال التوثيق إلى أهمية ذلك في حفظ الخط المسند.

وقال للمصدر أونلاين إن "عظمة الحضارة اليمنية تتجلى في التدوين المستخدم فيه خط المسند تاركة إرثا غزيراً من النقوش في الجبال وعلى الألواح في الوديان، كوثائق ترصد الأحداث الكبرى والقوانيين وتفاصيل الحياة".

 

ومن بين حوالي آلف لوح مكتشف في معبد أوام بمأرب يذكر الخبير، "أن ثلاثة مائة لوح فقط تمت دراسته غير الآلاف الألواح التي ما زالت مطمورة تحت الرمال".

ويضيف "أخيرا، يمكن القول، أنه أينما وجد خط المسند وجدت اليمن، وكل نقش مكتشف للمسند في أي منطقة إنما هو دليل على امتداد تاريخي لليمن، وأن انتشاره شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً عبر النقوش المسندية المكتشفة انما يدل على واحدية الهوية اليمنية منذ القدم".

وعبر عن أمنيته بأن "يأتي اليوم الذي يكون فيه للمسند حضورًا يليق به على كل المستويات مثل أن يتم دراسته في المنهج ويستلهم منه في التصاميم وأن يحضر في الشعارات كشعار وزارة التربية والتعليم الحالي".

تجدر الإشارة إلى أن خط المسند كان النواة لخطوط ولغات آخري، حيث تشير الأبحاث إلى أن الخطوط واللغات القديمة "العجزي" في أثيوبيا وإرتيريا بنيت على الخط المسند.

ويعتبر المسند من الخطوط التي اشتقت منه خطوط أخرى في الحضارات القريبة أو المجاورة للممالك اليمنية القديمة كالخط العجزي في أتيوبيا وإرتيريا.

ويذهب بعض البعض للقول إن التوراة والكتب القديمة كتبت بالخط المسند، وهي فرضيات تحتاج إلى اثباتات بحثية وعلمية عميقة، خاصة وأن معظم الآثار اليمنية ما زالت تنتظر الاكتشاف، في حال نجت من عمليات السرقة والتهريب والتدمير جراء الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ سنوات.


 

 
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص