2022-05-30 الساعة 03:44م (يمن سكاي - ايناس الحميري)
قصصٌ عدّة لمعاناة النساء، ومستوياتٌ متفاوتة من العُنف يتسبّب بها تطبيق "كاشف الأرقام اليمنية" الذي تُوجَّه للقائمين عليه اتهامات خطيرة تتمثل في انتهاك صارخ لخصوصية الأفراد، وذلك بعرض البرنامج نتائج عشوائية "مزيفة" ومسيئة لها أضرار اجتماعية ونفسية كبيرة على الأفراد، خصوصا على النساء؛ إذ يعرض البرنامج أسماء وأوصافا دوّنها مشتركو التطبيق مقترنة بأرقامهن.
منذ أشهر، لا يكفّ خ. س. عن تهديد زوجته وعدد من جيرانه، فالرجل، الذي يقول الأطباء إنه يعاني اضطراباً نفسياً (يُعرف بـالفصام)، وجد في تطبيق رائج يعرف بـ"كاشف الأرقام اليمنية" رقم هاتف زوجته مقترناً بوصف "زبونتي"، ضمن مجموعة أوصاف وأسماء كثيرة، بعضها ربما يعود لشخصيات أخرى استخدمت الرقم نفسه قبلها بسنوات. وفي كل مرة، يتهم الرجل الأربعيني الذي يعيش في مدينة تعز، شخصاً من جيرانه، بإقامة علاقة مع زوجته. أحد جيرانه "المتهمين" أبلغ "المصدر أونلاين" أن الرجل هدّده بالتصفية، وحدث فعلياً ذات مرة أن شرع في قتله.
وفي حالة أخرى، تكشف هيفاء سالم (اسم مستعار) وهي موظفة في منظمة أجنبية لمحررة "المصدر أونلاين" أنها تعرضت للابتزاز من شخصٍ كان يهدّدها بفضحها أمام جهة عملها، وذلك على خلفية اقتران رقم هاتفها بوصف ذكرت أنه "منحط" في التطبيق الذي سمعت به لأول مرة من هذا المبتز، وقد كان يطالبها بدفع أموال وإقامة علاقة معه، لتقرر مكاشفة أشقائها بما تتعرض له، ليقوموا بدورهم بوضع حدّ لتصرفاته.
مها مصلح (اسم مستعار) أبلغت المحرّرة أنها تعرضت للتعنيف اللفظي ومحاولة الاعتداء المباشر من شقيقها، لولا تدخّل والدتها بعد أن اكتشف وصف "حقي" مقترناً برقمها في سجلات التطبيق المذكور.
فتيات كثر تعرضن لمواقف محرجة وقاسية مع أقاربهن وجهات العمل، وأيضا مع العامة و"المعاكسين" أو الباعة الذين يتعاملون معهن؛ إذ أصبحوا يبادرون بكشف معلومات عن هوية الفتاة، اسمها، أوصافها، عملها، وأية معلومات متاحة صحيحة أو غير صحيحة من قاعدة بيانات التطبيق "المستلبة" من هواتف المشتركين في التطبيق.
موظفون من الجنسين فقدوا أعمالهم، أو خسروا فرص عمل على خلفية التحري من بياناتهم عبر التطبيق، وغالباً ما تلجأ الفتيات لتغيير أرقامهن، هرباً من الأوصاف والتفاصيل التي تنتهك خصوصياتهم من دون علمهن، ومن تعرضهن أحياناً للخطر.
تكشف هذه القصص المتفاوتة تبعات خطيرة للتطبيقات الإلكترونية التي تنشأ متخفّفة من أي التزام أخلاقي أو قانوني تجاه خصوصية المواطن اليمني، وقد تصل إلى حدّ القتل بحسب شهود ومختصين في علم النفس وقانونيين وناشطين تقصّت المحررة قصصهم وآراءهم حول التطبيق الرائج في اليمن، من دون وعي بانتهاكه للخصوصية وخطورته على الناس، وخصوصا النساء.
والخصوصية قانونيا، بحسب المحامية ياسمين عبد القادر الصبري، هي حق الفرد في عدم المساس أو التعرض والتدخل في خصوصياته أو مراسلاته أو بياناته وحياته الشخصية أو لأي حملات غير قانونية تمسّ شرفه أو سمعته من أي جهة، سواء أكانت سلطات الدولة، أم أشخاصا طبعيين، أم اعتباريين مثل شركات الاتصالات أو شركات جمع البيانات.
حاولت المحررة، مراراً على مدى أسابيع استغرقها التحقيق، التواصل مع شركة كاشف الأرقام اليمنية "باندورا سوفت"، إلا أن الشركة لم ترد على الرسائل عبر صفحتها على فيسبوك وبريدها الإلكتروني.
تقوم آلية عمل التطبيق على بناء قاعدة بيانات بأرقام الهواتف الجوالة مأخوذة من سجلات المشتركين في التطبيق بغض النظر عن نوعية الشبكة، وهو ما يقتضي بالضرورة تسجيل الرقم الواحد بأسماء وأوصاف وألقاب بعضها حقيقي وبعضها غريب أو مسيء تماماً، لكنها كما سجلها مشتركو التطبيق، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الأرقام تعاقب عليها أكثر من مستخدم.
ورغم تأكيد التطبيق على عدم مشاركة بيانات المشترك مع طرف ثالث، تقوم فكرة عمله على مشاركة البيانات التي أخذها من الجميع - مع الجميع، ليجعل البيانات مكشوفة لأي باحث عند إدخال الرقم، وسيحصل على نتائج عشوائية غير واقعية متضاربة، من دون أن يبذل التطبيق أدنى جهد فني أو تقني أو ذكاء اصطناعي في التمحيص والتدقيق لمقاربة واقعية لمخرجات البحث، ومن دون أدنى التزام بمعايير الخصوصية.
يشترك في التطبيق أكثر من مليون مستخدم يمني، وهو ما يعني بالضرورة أن مئات الملايين من سجلات البيانات المخزنة في هواتفهم أضيفت إلى قاعدة بيانات التطبيق بعشوائية كبيرة، وهو ما يعني أيضا أن بيانات جميع اليمنيين الذين يمتلكون أرقاماً هاتفية باتت عُرضة للانكشاف لأي باحث عن رقم معين من داخل البلاد أو خارجها بلا فرق، بكل ما حملتها هواتف مشتركي التطبيق من أسماء وأوصاف على مستخدمي الرقم المتعاقبين.
ورغم محاججة البعض بأن فكرة عمل التطبيق مشابهة لتطبيقات أخرى دولية، وأبرزها تروكولر Truecaller، يظلّ ذلك غير صحيح، فالأخير، رغم كل الملاحظات على الخصوصية، يعرض نتيجة واحدة بوصفها الأكثر دقة عن المستخدم الأخير للرقم الذي يجري البحث عنه وباسمه الحقيقي فقط، ولا يعرض كل المعلومات العشوائية بكل ما فيها من أوصاف مسيئة ومهينة.
ومن الغرابة أن يعرض التطبيق تنويها مفاده أن "نتائج هذا البحث قد تكون غير صحيحة، ولهذا يجب عليكم عدم الحكم على الشخص بناء على نتائج البحث". كما يحث المستخدم على حذف الأسماء غير اللائقة، كإجراء لمعالجة ضعفه الفني والتقني الناتج عن انتهاك الخصوصية بكل ما توفره من احتمالات للجرائم، وخصوصاً ضد النساء.
قال المختص والمعالج النفسي محمد عامر: "إن التنويه بعدم دقة أو صحة المعلومات لا يعني شيئاً لبعض الناس، وكان الأولى أن يكتب بوضوح وعن دراسة علمية من واقع قاعدة البيانات نسبة الخطأ، ويوضح أن نسبة الصواب متدنية بين 5% إلى 10 % بدلاً من الملاحظة العامة".
وأضاف: "أكثر الفئات تأثراً بهذا التطبيق الفصاميون (أصحاب الشكوك)، أو ذوو الشخصية الاضطهادية التي تبحث عن مبررات أو قرائن لاضطهاد الآخرين". وأوضح أن الشخصية الاضطهادية تأخذ التفصيلات البسيطة على أنها قرائن، ثم تبني عليها وتطوّر من الفكرة إلى أكثر مما هو موجود، ويشتغل العقل لديها ضد قراءة هذا التحذير، ولا تستطيع قراءة وتفهم تلك الملاحظة التي يضعها التطبيق، تماماً مثل مدمن التدخين الذي لا يقتنع بأضراره، ويجد مبررات كثيرة لذلك.
وأشار إلى أن كثيرين يدخلون التطبيق من باب الطرافة والضحك، ثم يتأثرون بشكل كبير، ويبدؤون بالبحث عن أقاربهم ونسائهم، ويرون أموراً ليست مقبولة، لتبدأ الشكوك بالإثارة ولو بنسبة 5%، وذلك يسبب مشاكل كبيرة.
ولفت إلى أن هذا التطبيق يتيح تقديم معلومات مزيفة عن قصد وبشكل مخطط باتفاق عدة أشخاص، فيتسبب بأذى نفسي أو جسدي للشخص المستهدف، ما قد يضطر البعض لتغيير الرقم جراء ذلك.
وقال عامر إنه سمع قصصاً تصل مستوى الطلاق، أو كسر التلفون، أو تغيير الرقم، وحتى إن لم تكن منتشرة بشكل كبير بحكم تخصصه والحالات التي تصله، لكن يكفي، والحديث لعامر، أن يكون هناك حالة واحدة قُتلت أو تطلّقت أو خسرت رقمها أو عملها أو دخلت في وضع سيء نتيجة لهذا التطبيق، فذلك كاف لنقاش أضراره وكيفية التعامل معه وإيقافه والتوعية الصحيحة بمساوئه.
تؤكد المحامية والناشطة معين العبيدي أن عمل التطبيق بهذه الطريق أمر كارثي؛ إذ يترتب عليه مستويات غير عادية من العنف ضد النساء عند عرض أوصاف مُخلّة مقترنة بأرقامهن. وقالت: "أنا شخصياً قد أتعرض لمشاكل لها أول وليس لها آخر إذا وجد أحد إخواني رقمي مسجلاً بوصف مخل، وأنا محامية وناشطة، فكيف بالنساء العاديات؟! قد يصل الأمر إلى القتل، لا إلى مجرد الضرب والتعنيف".
وأوضحت أن إشكالية القانون اليمني تتمثل في عدم تحديثه ليواكب العصر بنصوص قانونية متعلقة بالجرائم الإلكترونية، لكنها أكدت أنه لا يوجد نص قانوني يعطي الحق لهذه الشركات بإطلاق مثل هذه التطبيقات، ودعت إلى حظرها ومعاقبة الجهة التي تقف وراءها.
من جانبها أوضحت المحامية ياسمين الصبري أن ما تقوم به هذه التطبيقات أو البرامج من نشر أسماء أو صفات غير صحيحة وغير لائقة بالنساء يعرّضهن لكثير من المخاطر، أقلها التعقّب والابتزاز، وصولاً لحالات عنف من أقاربهن الذكور، وهو ما يقتضي أن تكون العقوبة مشددة على تلك الجهات أو الأشخاص المسؤولين عن تلك التطبيقات.
واستعرضت المحامية كثيرا من المواد القانونية والدستورية اليمنية وبنود المواثيق الدولية التي تجرّم انتهاك الخصوصية، إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي، وتؤكّد أن مخالفة ذلك يُعد جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم.
وأكدت أن التطبيق، مثار النقاش، ارتكبَ فعلين مجرّمين قانونا، هما انتهاك الحق في الخصوصية أو الحياة الخاصة، وجريمة نشر أخبار أو معلومات غير صحيحة، إضافة إلى أنه قد تكون هذه الجهات (راعية التطبيق) في الغالب أشخاصا مجهولين.
وأوضحت أن مواد القانون رقم 13 لعام 2012 بشأن حق الحصول على المعلومات، تضمنت مواد تحظر بصراحةٍ استخدامَ البيانات التي جمعتها أي جهة خلافا للدستور، أو إعطاءها لطرف ثالث، إلا بموافقة خطية ممن تخصه تلك البيانات، مع وضع ضمانات لحمايتها وحفظ سريتها وحق صاحب البيانات في الاطلاع عليها والتحقق منها وتصحيحها أو تحديثها.
وبينت أنّ تلك التشريعات جعلت أي مساس بالخصوصية جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط بالتقادم، وهو ما ينطبق على تلك التطبيقات التي لا تراعي أدنى مستوى لخصوصية مشتركيها وغير مشتركيها، ولذلك يمكننا القول إن ما تقوم به يجعلها عرضة للمساءلة والملاحقة القانونية.
أكّد المعالج النفسي محمد عامر على أولوية المعالجات للتعامل مع هذا التطبيق، ويبدأ ذلك من الجهات الرسمية ممثلة بالدولة وشركات الاتصالات التي يجب أن تحذّر الناس بوضوح أن هذا التطبيق ليس له أي مصداقية، ولا يعكس الأسماء الحقيقية، مبيناً أن كثيراً من الناس يتقبلون التطبيق ظناً أنه يتبع الدولة أو الجهات الرسمية.
وشدّد على ضرورة التوعية عبر الجهات الرسمية ومواقع التواصل، وعلى أن يعرف المواطن اليمني القصص والحالات التي تسبب بها التطبيق، لتتضح الصورة وتخرج المشكلة من إطارها الفردي إلى الوعي الجمعي، ولتتولّد قناعة بضرورة مقاطعة التطبيق لأخطاره.
وفي ذات السياق، قالت المحامية الصبري: "ما نحتاج له هنا هو وعى الأفراد بخطورة هذه التطبيقات وما قد تتسبب به من مشاكل اجتماعية وأسرية، لا سيما في مجتمعات ذكورية تُلقي بثقل الحفاظ على السمعة والكرامة على المرأة وحدها من دون بذل الجهد في البحث والتقصي عن ماهية الموضوع".
وبينت أن الكارثة الأكبر تأتي في صعوبة ملاحقة المسؤولين عن التطبيق؛ لأنهم غالباً من مجهولي الهوية، وهنا يأتي واجب الدولة في حماية خصوصية رعاياها في حظر تلك التطبيقات وتوعية المجتمع من مخاطرها ومحاسبة من يكون وراءها. كما أنه من المهم القيام بحملة بلاغات على هذه البرامج لحظرها.
تواصلت المحررة مع مسؤول في المؤسسة العامة للاتصالات (فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالتصريح)، فأوضح أن هذا التطبيق مرتبط بـمتجر "google store" وليس موقعا إلكترونيا يمكن حظره، وهو ما يقتضي اتباع إجراءات أخرى لا تمر عبر المؤسسة.
وأشار إلى أن الأسماء المعروضة في تطبيق كاشف الأرقام اليمنية عشوائية ومزيفة، وليس لها علاقة بشركات الاتصالات من قريب أو بعيد، بل هي "مسروقة" من هواتف المشتركين.
أوضح خبير في البرمجيات والأمن السيبراني يعمل في منظمة أممية (شدد على عدم ذكر اسمه وجهة عمله) لـ"المصدر أونلاين" أن القائمين على التطبيق لم يبذلوا أي جهد فني أو تقني أو مهني يخفف من عيوبه الكبيرة، على غرار برنامج "تروكولر".
وأضاف "كل ما عملوه هو "استلاب" بيانات من هواتف الناس وإضافتها لقاعدة بيانات وجعلها متاحة للنشر بدون أدنى مراجعة، في عمل اعتبره "مقصوداً" لجني مزيد من الأرباح واستغلال ضعف وعي الناس بمسألة الخصوصية".
وبين أنه كان يمكنهم استخدام دوال وخوارزميات بسيطة لـ"فلترة" الأسماء واستبعاد والأوصاف المعيبة المؤثرة على الآخرين، ومعرفة آخر شخص يستخدم الرقم عوضا عن إيراد أسماء وأوصاف عديدة مزورة ومسيئة لعدد من المستخدمين الذين تعاقبوا على استخدام الرقم أحياناً. وأشار إلى أن المتاح حالياً، هو أن يُحذف من "جوجل ستور" بحملة تقييم متدنية للتطبيق وبلاغات كثيرة حول انتهاكه الفاضح للخصوصية.
موجة عنف كبيرة تتهدد النساء بسبب هذا النوع من التطبيقات، والمخاطر في تزايد مستمر، لكنها لا تظهر على السطح لطبيعتها المتصلة بالقضايا المخلة بالشرف.
ومن هنا يطالب متابعون الجهة الواقفة وراء التطبيق المسماة شركة "باندورا سوفت" والقائمين عليها، بوقف التطبيق فوراً، والكف عن انتهاك الخصوصية والمساهمة بنشر معلومات زائفة ومزورة مضرة بالمجتمع.
ويوصي كل من تحدثنا إليهم من المختصين في هذا الشأن، بعدم الاشتراك في التطبيق، مع إلغاء اشتراك جميع المشتركين السابقين في التطبيق والمطالبة بحذف البيانات المسلوبة من هواتفهم، وتقييمه بشكل متدنٍ والإبلاغ عنه.
ودعا المختصون مؤسسة وشركات الاتصالات خصوصاً في صنعاء، إلى التحذير الجاد برسائل نصية واضحة عن التطبيق ومعلوماته المزيفة، وفضح طريقة عمله، والدعوة لمقاطعته.
وحثوا وسائل الإعلام والناشطين والكيانات النسوية للمشاركة في حملة توعية شاملة بمخاطر التطبيق وتنظيم حملات إلكترونية مخططة للإبلاغ عنه في متجر جوجل، وتقييمه بشكل متدنٍ للغاية بما يساعد على حظره في أقرب وقت، أخذا في الاعتبار أن تقييمه الحالي في المستوى الخامس، وهو الأعلى.
وأكد المختصون على العمل والتنسيق القانوني والفني بين الكيانات النسوية والحقوقية ونقابة المحامين وشركات الاتصالات ومختلف الجهات المعنية من أجل كشف الجهة التي تقف وراء التطبيق، ومقاضاتها وفقاً للقوانين النافذة.
( أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).