2022-06-13 الساعة 04:53م (يمن سكاي - العربي الجديد)
انتهت مباحثات المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، يوم الخميس الماضي، مع قيادات جماعة الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، من دون الإعلان عن أي نتائج بشأن الاتفاق على مقترحاته المقدمة حول فتح الطرق والمعابر في مدينة تعز، جنوب غربي البلاد، في تعقيد جديد للملف، والذي سينعكس على مسار الهدنة الأممية التي أعلن عنها مطلع إبريل/نيسان الماضي لمدة شهرين، ومُدّدت شهرين إضافيين مطلع يونيو/حزيران الحالي.
لا نتائج معلنة لزيارة غروندبرغ إلى صنعاء
وغادر غروندبرغ صنعاء مساء الخميس الماضي، بعد 24 ساعة من زيارته. وعلى عكس وصوله، لم يدل بأي تصريحات حول مباحثاته مع قيادات الحوثيين الذين أجرى لقاءً واحداً معهم فقط، ضم مختلف القيادات والمسؤولين في الجماعة، مساء الأربعاء الماضي.
ولم يرد مكتب المبعوث الأممي على تساؤلات "العربي الجديد" بشأن نتائج زيارته، وما إذا كان تمكّن من إقناع الحوثيين بالموافقة على مقترحه لفتح الطرق في تعز، والذي سبق أن وافق عليه وفد الحكومة اليمنية.
وكان غروندبرغ قد أعلن في بيان، الإثنين الماضي، أنه قدّم اقتراحاً معدلاً إلى وفدي جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية، اللذين شاركا في مفاوضات في العاصمة الأردنية عمان أخيراً، لإعادة فتح الطرق تدريجياً بما في ذلك آلية لتنفيذ ذلك، وضمانات لسلامة المسافرين المدنيين، مشيراً إلى أن المقترح يأخذ بعين الاعتبار مقترحات ومشاغل عبّر عنها الطرفان.
ويدعو المقترح المُنقّح لإعادة فتح عدد من طرق تعز، بما فيها طريق رئيسي إلى المدينة ومنها، إضافة إلى طرق في محافظات أخرى، بهدف رفع المعاناة عن المدنيين وتسهيل وصول السلع.
وطالب الحوثيون المبعوث الأممي بـ"ضرورة قيام الأمم المتحدة بدورها في الضغط على الطرف الآخر (الحكومة اليمنية)، لتوريد كافة الموارد من الثروات النفطية والغازية والرسوم الجمركية والضريبية إلى حساب الرواتب لصرف رواتب الموظفين في كافة محافظات الجمهورية".
وجاء ذلك على لسان رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، خلال لقائه غروندبرغ الأربعاء الماضي، وفق ما نقلت وسائل إعلام تابعة للحوثيين، وهو اشتراط جديد قدمه الحوثيون للأمم المتحدة للموافقة على فتح الطرق.
من جانبه، قال عضو الوفد الحكومي نبيل جامل، في تغريدة على تويتر أول من أمس الجمعة: "ما زلنا منتظرين نتيجة زيارة غروندبرغ لسلطة صنعاء بشأن الموافقة على مقترح مكتب المبعوث الأممي، والذي يتضمن فتح 4 طرق في تعز من ضمنها طريق رئيسي، وطريق بين دمت والضالع". وأضاف "نخشى أن يُستهلك وقت الهدنة الثانية، بالطريقة نفسها التي استُهلك فيها وقت الهدنة الأولى".
فشل في الاتفاق على فتح طرق تعز
وبعد نحو أسبوعين من المحادثات في العاصمة الأردنية عمّان بين الأطراف اليمنية بشأن فتح الطرق في مدينة تعز ومناطق أخرى، وصلت هذه المحادثات إلى طريق مسدود، وفشلت في تحقيق أي اختراق سوى طرح مقترح المبعوث الأممي، والذي ما زال يرفضه الحوثيون.
وقال المبعوث الأممي في بيانه الإثنين الماضي: "تقع على الطرفين المسؤولية الأخلاقية والسياسية للتعامل بشكل جاد وعاجل مع مقترح الأمم المتحدة"، وعقب ذلك، أعلن الوفد الحكومي موافقته على هذا المقترح.
ملف تعز يهدد الهدنة الأممية في اليمن
ويهدد ملف تعز الهدنة الأممية برمتها، التي أُعلن عن تمديدها شهرين إضافيين بدءاً من 2 يونيو الحالي، إذ تعدّ مسألة فتح الطرق نحو المدينة من ضمن البنود الإنسانية لهذه الهدنة، غير أن ذلك لا يزال متعثراً إلى الآن.
يأتي ذلك فيما نُفذت بقية بنود الهدنة؛ سواء بفتح مطار صنعاء بواقع رحلتين أسبوعياً، أو السماح بدخول سفن المشتقات النفطية مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون، بالإضافة إلى الوقف الشامل لإطلاق النار، على الرغم من الاتهامات المتبادلة بالخروقات.
مقترحات غروندبرغ لفتح طرق تعز
يتضمن المقترح الأممي المقدم إلى الأطراف اليمنية فتح خمسة طرق؛ 4 منها تخصّ تعز، بما في ذلك طريق رئيسي للمدينة، وثلاثة طرق فرعية أخرى غالبيتها ترابية ووعرة. وهذه الطرق الفرعية هي ما يريد الحوثيين فتحها فقط. أما الطريق الخامس، فهو في محافظة الضالع (جنوب) ويربط مدينة دمت التي يسيطر عليها الحوثيون بمركز المحافظة التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية.
وقال رئيس وفد الحوثيين لمفاوضات عمّان اللواء يحيى الرزامي، في تصريحات له أخيراً إن "مبادرات فتح الطرق الثلاثة في تعز (من قبل الجماعة) تشمل طريق كرش - الشريجة - الراهدة، وطريق الزيلعي - الصرمين - صالة، وطريق الستين - الخمسين - الدفاع الجوي"، وهي نفسها التي تضمنتها مبادرة المبعوث الأممي، ما عدا الطريق الرئيس الذي يربط منطقة الحوبان (شرق المدينة تحت سيطرة الحوثيين) بوسط المدينة التي تسيطر عليها القوات الحكومية.
ولم يتغيّر موقف وفد الحوثيين منذ اليوم الأول لبدء محادثات عمّان (في 24 مايو/أيار الماضي)، إذ كانوا مصرّين على فرض رؤيتهم في فتح الطرق التي يريدونها، وسط حالة من عدم الثقة بين الجانبين.
وقد عبّر عن ذلك صراحة رئيس وفد الحوثيين، خلال تصريح له في مؤتمر صحافي في صنعاء الأربعاء الماضي، قائلاً "لن نفتح طريقا يتحول إلى مقابر"، في اتهام للحكومة أنها تريد أن تستغلّ فتح المعابر عسكرياً.
من جانبه، قال الوفد الحكومي في بيان الثلاثاء الماضي "أصرّ الحوثيون على طرح فتح طرق فرعية ترابية لا تحقق هدف رفع الحصار وتخفيف المعاناة، بل أخذوا يتصرفون بشكل أحادي الجانب بغرض أن يفرضوا أمراً واقعاً حول طرق لم يتم التوافق عليها، وبعيدة عن المفاوضات، ما أدى إلى توقف المفاوضات (الإثنين الماضي) عند هذا الحد".
وكانت جماعة الحوثيين قد استبقت جولة المفاوضات الثانية، نهاية الأسبوع الماضي، بالحديث عن فتح طريق فرعي شمال مدينة تعز، عملت على شقه خلال الأيام الماضية، في خطوة اعتبرت بأنها محاولة فرض أمر واقع والتنصل من الاتفاق مع الجانب الحكومي.
وقد عبّر الوفد الحكومي، في بيان الأحد الماضي، عن رفضه الإجراءات الأحادية التي يروج لها الحوثيون بشأن فتح طريق ترابي شمال تعز، ووصف ذلك بأنه "محاولة للتهرب من التزامات الهدنة والتفاف على المشاورات الجارية".
تعامل عسكري للحوثيين مع ملف حصار تعز
ويرى حقوقيون أن الحوثيين هم من يعرقلون ملف فتح الطرق في مدينة تعز، لأنهم الطرف المتسبب في إغلاقها، في الوقت الذي يتعاملون فيه مع الملف عسكرياً، على الرغم من أنه إنساني ويتعلق بحياة الناس اليومية ومفاقمة معاناتهم. وما يؤكد ذلك أنهم يسمون وفدهم التفاوضي إلى عمّان باللجنة العسكرية، وفي الجولة الأولى من هذه المفاوضات، حضر ممثلوهم بالزي العسكري إلى قاعة التفاوض مع وفد الحكومة اليمنية.
وفي السياق، قال الناشط الحقوقي اليمني مازن عقلان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "حصار مدينة تعز من قبل جماعة الحوثيين، والذي يدخل عامه الثامن، لا يشكّل أي مكسب عسكري لهم، بقدر ما يعكس صورة سوداء لسياسة العقاب الجماعي والحقد التاريخي والطائفي على المدينة وأبنائها".
وتثير سلسلة الإخفاقات الأممية بشأن تعز اتهامات للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعدم الضغط بشكل كافٍ على الحوثيين. ففي الوقت الذي نُفّذت فيه كل بنود الهدنة الأممية، تعثّر ملف فتح الطرق في تعز فقط.
وقد اعتبر عقلان أن "استمرار حصار تعز وصمة عار على جبين العالم والأمم المتحدة، التي تتواطأ مع الحوثيين في استخدامهم معاناة المدينة وحصارها ورقةَ مساومة تفاوضية".
ورأى عقلان أن "فشل مفاوضات الأردن وعدم فتح الطرق في تعز تنفيذاً لبنود الهدنة يجعلان مصداقية مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية على المحك، في حال عدم اتخاذ كافة الإجراءات والخيارات المتاحة لوضع حد لتعنّت الحوثيين".
وأضاف أن فشل مفاوضات عمّان هو "تأكيد إضافي على إخفاق المبعوث الأممي غروندبرغ وفشله في التعامل مع القضية اليمنية، والضغط على الحوثيين للوفاء ببنود الهدنة".
من جانبه، قال الصحافي اليمني غمدان اليوسفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لو أراد الحوثيون أن يفتحوا طريقاً ما في تعز، فإنهم سيفتحونه، كونهم المتحكمين بذلك، والأمر سيكون بمبادرة منهم، والعالم كله سيحميهم كالعادة في حال مواجهتهم أي إشكاليات من الطرف الآخر".
ولفت إلى أن "الخيار المطروح اليوم هو أقل بكثير من مطالب أبناء تعز، علماً أن مطلب رفع الحصار هو حق وليس هِبة، لكن الحوثيين يدفعون الناس صوب طريق انتحاري لانتزاع حقوقهم".
ورأى اليوسفي أنه "من الواضح أن الخيار العسكري غير مطروح حالياً، لكن في الواقع هناك تفاصيل تدور في الكواليس حول المواجهة المتوقعة مع الحوثيين، والتي يمكن أن تكون مختلفة، خصوصاً مع توحّد القوى أخيراً".
وأشار إلى أن "السيناريو هذه المرة إما فتح الطرق، أو أن يدفع الضغط الشعبي على الحكومة والمجلس الرئاسي باتجاه معركة عسكرية، ستكون مفروضة فرضاً وليس اختياراً".
السيناريوهات المتوقعة للأزمة اليمنية
في حال فشلت الأمم المتحدة في الضغط على الحوثيين للموافقة على مقترحها، فربما تسير الأزمة اليمنية في اتجاهين؛ الأول هو إعلان مجلس الرئاسة اليمني عدم الالتزام بالبنود الأخرى للهدنة الإنسانية، والتي تعدّ بمثابة مكاسب حققها الحوثيون في مناطق سيطرتهم.
أما الاتجاه الثاني، فهو التصعيد العسكري من قبل القوات الحكومية لفرض واقع مختلف يعزز موقف التفاوض مع الحوثيين على الأقل.
وفي السياق، رأى الباحث اليمني عدنان هاشم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تعثّر ملف فتح الطرق في مدينة تعز سيكون بمثابة مبرر للمجلس الرئاسي للتهرب من تنفيذ بنود الهدنة، والاستعانة بالضغط الشعبي، لا سيما في ظل تواصل الاحتجاجات من قبل سكان تعز على استمرار فرض الحصار عليهم".
واعتبر هاشم أنه "في حال فتح الطرق في تعز، فربما يشهد اليمن انفراجة كبيرة في الملفات الأخرى الاقتصادية والسياسية، وتتسارع الخطوات نحو تسوية للملف اليمني للوصول إلى السلام الذي تسعى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إليه".