2022-07-16 الساعة 05:39م (يمن سكاي - يمن شباب)
ظهر عبد الملك الحوثي مؤخرا في سلسلة محاضرات استهدفت بالدرجة الأولى قادة جماعته، الذين حثهم فيها على تجنب المظالم التي يمكن أن تكون سببا في زوال ميليشياته التابعة لإيران..
ركز الحوثي محاضراته على عهد علي بن أبي طالب وتعيينه لـ "الأشتر" واليا على "مصر"، أثناء خلافته التي طحنها التمزق العظيم للأمة لأول مرة في تاريخها.
في الواقع؛ جاءت تلك المحاضرات على إثر غضب شعبي تفاقم أكثر مع جرعة وقود حوثية جديدة (وجه بها عبد الملك الحوثي شخصيا، وفقا لبيان صادر عن شركة النفط الحوثية)، كانت هي الثالثة منذ الهدنة التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ مع مطلع شهر أبريل/ نيسان، لمدة شهرين، ثم مددت في يونيو/ حزيران الماضي لشهرين آخرين..
وفي إثر ذلك، أو بالتزامن معه؛ شهدنا خروج قادة حوثيون؛ مثل مهدي المشاط (رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للحوثيين)، ومدير مكتبه أحمد حامد، في تسجيلات منفصلة تم تداولها مؤخرا، تحدثوا فيها عن النزاهة والشفافية، بما في ذلك الزعم بعدم امتلاكهم أموالا ومنازل وسيارات خاصة، كامتيازات سلطوية لا يحظى بها سوى المسئولون (الفاسدون)..!!
محاولات كاريكاتورية هزلية
وعلى العكس مما أرادوه من وراء تلك البروبجندا الدعائية الهزلية المفضوحة؛ وجد القادة الحوثيون أنفسهم محط سخرية واسعة في أوساط ناشطي منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما في ظل ما تفرضه الجماعة من سيطرة مطلقة على كافة موارد الدولة، في العاصمة صنعاء، وبقية مناطق سيطرتها، دون أن يُعلم أين تذهب كل تلك الأموال، في حين أن مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتهم ما تزال مقطوعة منذ العام 2016..!!
ومما زاد في التشكيك والسخرية، أن الإيرادات المالية تضاعفت في عهدهم إلى مستويات كبيرة، نتيجة فرضهم قوانين استثنائية وقرارات إضافية وإجراءات تنفيذية، هدفت في مجملها إلى استنزاف وتدمير القطاع الخاص، وصولا إلى فرض الوصاية عليه وتأميم معظم شركاته الكبرى، وذلك بعد استكمال عملية الاستحواذ وبسط اليد على المؤسسات والشركات الإيرادية الكبرى في القطاعين العام والمختلط.
وفي المقابل، لم تشهد مناطق سيطرتهم، لا سيما العاصمة صنعاء، بروز شركات تجارية جديدة تتبع قاداتهم (معظمهم من السلالة الهاشمية، وقليلا من المؤيدين) فحسب؛ بل لم يزدهر في عهدهم شيء أكثر من السوق السوداء، لا سيما في المشتقات النفطية وشركات الصرافة..!!
والحقيقة التي لم تعد بخافية على الكثيرين، أن محاضرات سيد المسيرة الإرهابية، وترويجات قياداته العليا، ما كانت لتأتي لولا الشعور العام بتنامي السخط الشعبي، لا سيما القبائل، في مناطق سيطرتهم، حيث برزت مؤخرا بؤر صراع داخلية، سواء بين القبائل والجماعة، أم فيما بين القبائل المؤيدة لها، في ظل تداعي وضعف سلطة الميليشيات هناك.
وفي المساحة التالية من التقرير نرصد أبرز تلك المخاوف، المتعلقة ببؤر الصراع الجغرافية، والجيو- سياسية، التي تقوض أسس السلطة الحوثية من داخل ما يفترض أنه الصف المؤيد لها بشكل شبه مطلق..
في عمق المركز (صعدة)
نظريا، وتاريخيا؛ تعد محافظة صعدة (شمالي اليمن) إحدى أهم المعاقل التاريخية لما يعرف بـ "الإمامة". إذ غالبا ما كانت تحت سيطرة الهاشميين، ومؤيديهم وحلفائهم وأنصارهم، حتى في عهد الدول اليمنية القوية التي قضت على الإمامة، كدولة "بني رسول"، أو الجمهورية العربية اليمنية، أو الجمهورية اليمنية، خلال العقود الماضية.
ورغم ذلك؛ إلا أن المؤشرات الحالية تخبرنا أن المحافظة تشكل اليوم خطرا كبيرا على جماعة الحوثي. من ناحية أن هناك آلاف القبائل، والمشردين والنازحين، تحولوا إلى مقاتلين شرسين ضد الجماعة، في صفوف الجيش والحكومة..
ففي المحيط الخارجي للمحافظة، من الشمال والجنوب والغرب أيضا، هناك مقاتلون قبليون لا يمكن الاستهانة بهم، يتبعون قبائل مختلفة تضررت من الحوثي طوال الفترات الماضي، يتوزعون حاليا على عدة محاور قتالية بالمحافظة التي تشهد مناوشات متواصلة على عدة جبهات. وعلى رأسهم يقف مقاتلو "مركز دماج" السلفيين، الذين طردوا من منطقتهم بعد حرب ظالمة شنتها عليهم ميليشيات الحوثي عامي 2012 – 2013، وتحولوا الآن إلى رأس الحربة في القتال الدائر على تخوم المحافظة ضد الجماعة الشيعية التابعة لإيران.
أما إذا ما اقتربنا أكثر، في عمق المحافظة، وفي المحيط الداخلي الأقرب للجماعة، أو لمذهبها الإثنا عشري، نجد قوات القيادي السلالي محمد عبد العظيم الحوثي، الذي ما زال يمثل صداعا مزمنا لابن عمه عبد الملك الحوثي، منذ أن خاض معه اشتباكات متكررة قبل أكثر من عقد. وطوال الفترة الماضية ظلت قواته المسلحة تتنامى تباعا، في ظل وجود قبائل حامية له، خاصة قبائل "الحميدات" في قلب محافظة صعدة. وثمة مؤشرات يمكن الاعتماد عليها بإمكانية أن تصبح جماعته ملاذا آمنا للمنشقين عن جماعة المسيرة الحوثية التي بدأت تتشقق من الداخل بفعل عدة عوامل، بينها توسع الخلافات الداخلية على النفوذ والسيطرة بين مراكز القوى المتشكلة، وفي ظل تفشي الفساد والمحسوبية ومحاولات فئات سلالية محدودة في الهيمنة على القرار والاستحواذ على مفاصل الاقتصاد.
وفي سياق ذي صلة، بدأت الخلافات تدب بين زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وبين المرجعية الدينية الزيدية محمد بن عبد الله عوض المؤيدي، أحد حلفائه الأقوياء في صعدة ومحيطها. وبحسب مصادر مطلعة، تحدثت لـ "يمن شباب نت" شريطة السرية، جاءت تلك الخلافات على خلفية القرار الذي اتخذه المؤدي بنزع يد الولاء والطاعة عن عبد الملك الحوثي، بموجب فتوى أصدرها لأتباعه في صعدة بـ "الامتناع عن حضور صلاة الجمعة".
وأوضحت المصادر أن ذلك يعني، وفقا للمذهب الزيدي (الجارودي)، عدم الاعتراف بشرعية عبد الملك الحوثي وجماعته. وتفيد المصادر أن هذا التطور الخطير جاء بعد سلسلة من حملات الاختطافات التي طالت أنصاره من قبل مسلحي عبد الملك الحوثي، الذي توقعت المصادر أن يواجه "تمرد" المؤيدي الأخير برد فعل أكثر صرامة، الأمر الذي سيزيد من حدة المواجهة، لا سيما وأن المؤيدي شخصية لا يستهان بها، حيث وأن لديه عشرات الآلاف من الأتباع والأنصار المسلحين ينتشرون في عدة محافظات، أهمها: صعدة، وعمران وحجة وصنعاء.
وتشكل مديريات بني مطر بمحافظة صنعاء، والمدان وشهارة وحوث والعشة والقفلة..، وبعض مديريات حجة وصعدة المتاخمة لمديريات عمران، مركز الثقل البشري والجغرافي لجماعة المؤيدي المعروفة باسم "جماعة المرشدين"، وفقا لمصادرنا الخاصة من داخل الجماعة نفسها.
نزاعات مسلحة متناثرة وتتوسع
أدت النزاعات القبلية في مناطق، مثل الحداء بذمار، وتكرار الحملات العسكرية الحوثية عليها (آخر حرب فيها كانت مطلع الشهر الماضي)، إلى كسر السطوة الحوثية، التي كانت تهيمن بالرعب، في واحدة من أهم المحافظات التي طالما روجت الإمامة اعتمادها عليها في تثبيت سطوتها الدينية وسلطتها السياسية.
وإلى الشمال من ذمار، تشكل همدان (شمالي محافظة صنعاء) واحدة من أبرز صور الصراع القبلي بين الجماعة الحوثية والقبيلة. وتحدثت مصادر خاصة لـ "يمن شباب نت" عن تسيير الجماعة قرابة عشر حملات عسكرية استهدفت مكونات قبلية في همدان صنعاء منذ سقوط الجمهورية في انقلاب 2014.
في العاصمة المحتلة صنعاء أيضا يشكل سكان المدن السكنية، أو ما يعرف بالجمعيات السكنية، تحديا متعاظما للجماعة الحوثية منذ يونيو/ حزيران العام الماضي، بوقوفهم سلميا في وجه حملات حوثية يتزعمها المدعو عبد المجيد الحوثي عبر لجانه العسكرية للسيطرة على منازلهم، خاصة المدن السكنية شرقي العاصمة صنعاء، مثل سعوان، وفي غربها بمذبح وشملان والسنينة والخمسين والجوية..
في محافظة عمران؛ هناك نزاع من نوع آخر أكثر احتداما. وأحصى "يمن شباب نت" عددا من الحملات العسكرية الحوثية على مديرية "عيال سُريح"، حيث ما يزال القتال المسلح بين القبائل وجماعة الحوثي مستمرا في المديرية، التي شهدت في مارس/ آذار الماضي أشد المعارك بين الطرفين.
وفي المحافظة نفسها، يدور نزاع مسلح أيضا بين قبائل مديريتي السودة والسواد، لم تستطع سلطة الأمر الواقع الحوثية المتضعضعة إيقافه أو السيطرة عليه، وسط ما يتردد من تولي قيادات في الجماعة كبره من داخل الطرفين المتحاربين. الأمر الذي يعكس تسارع انهيار دولة الحوثي، حيث لم تعد توجد سلطة موثوقة هناك، يمكن أن تحتكم إليها القبائل المتنازعة لحل صراعاتها.
في هذه الأثناء، توجد مقاومة شرسة (ما تزال سلمية حتى الآن) بين أنصار "جماعة المرشدين" التابعة للمؤيدي في حوث وجماعة الحوثي، وبين قبائل سفيان التي تصارع قبائل حاشد في مديرية حوث أيضا.
في الشمال الشرقي من صنعاء، يتأجج الصراع بين قبائل سفيان، الموالية للحوثي في عمران، وبين قبائل ذو محمد من الجوف، على منطقة "العادي" في وادي المذاب- أحد أهم الأودية الزراعية الشاسعة والخصبة في اليمن.
وفي محافظة الجوف نفسها، تعرض عدد من قادة الحوثي للقتل برصاص قبليين، في كل من: مديرية الحزم، مركز المحافظة، ومديريات المتون والمصلوب وبرط العنان غربي المحافظة،.. آخرهم نهاية الشهر الماضي كان يشغل منصب رئيس عمليات النجدة الحوثية بالمحافظة.
وقد اعترف عبد الملك الحوثي، في خطابه الموجه إلى أنصاره في محافظة الجوف، بأن الصراعات الداخلية القبلية استنزفت جماعته، ودعا شيوخ القبائل إلى العمل على وفق الأعراف والتقاليد بما يمكن جماعته من الاحتفاظ بقوتها.
مقدمات لصحوة فكرية اجتماعية
أما فكريا، ثمة مراجعات، يمكن وصفها بـ "الخجولة"، لكنها قد تشكل نواة صلبة في المستقبل القريب لتحولات كبيرة وجوهرية في فكرة الاستسلام والتسليم العام للجماعة باسم الولاء والطاعة العمياء.
على سبيل المثال، لا الحصر؛ في الشمال الغربي من البلاد، في محافظة حجة- ذات الكثافة السكانية الكبيرة- بدأت بعض القبائل المعروفة بولائها الشديد للحوثي طوال الفترة الماضية، بالتململ ضد سياسات الجماعة الضريبية التي أضفت مزيدا من الأعباء على كواهلهم في ظل ما تمر به البلاد من ضائقة مالية شديدة. فقبائل "الشرفين" الموالية للحوثي، بدى وكأنها شرعت مؤخرا في إحداث "مراجعة خجولة" لولائها من خلال إثارة تساؤل جريء ومثير عن مشروعية الضرائب، التي يفرضها الحوثيون عليهم، من ناحية دينية؟
وهذا أمر لم يحدث مثله في السابق طوال الفترة الماضية، في مثل هذه المناطق المعروفة بولائها الشديد للجماعة المسيطرة عليها منذ ما قبل الحرب الأخيرة. الأمر الذي ينبئ ببداية صحوة شعبية تقودها القبائل لإرغام الحوثيين على التوقف عن فرض المزيد من الأعباء القسرية المدمرة لقدرات المجتمعات المحلية، وقد لا تتوقف عند ذلك، إذ من المرجح لها- إن نجحت- أن تنتقل إلى مرحلة متقدمة لفرض مطالبهم بتوفير الخدمات التي انعدمت معظمها منذ بداية الانقلاب، في حين كان من الممكن توفيرها بتخصيص نسبة بسيطة من أموال الجبايات التي يجنيها الحوثيون شهريا من مناطقهم ولا يعلم أين تذهب؟!
ولعل من المناسب هنا، أن نذكر بالمظاهرات الاحتجاجية التي نفذها أبناء الحديدة قبل شهرين تقريبا لتوفير خدمة الكهرباء، والتي انتهت برضوخ قيادة الميليشيات الحوثية بصنعاء لتلك المطالب بشكل عاجل وسريع.
واحدية التمرد
وسياسيا أيضا، ولكن على مستوى أعلى؛ بدى وكأن ثمة صراعا سياسيا خفيا يتنامى مؤخرا بين ميليشيات الحوثي وحليفها المتبقي من حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء برئاسة الشيخ صادق أمين أبو راس، الذي تولى قيادة الحزب بنظر الحوثيين عقب تصفيتهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح نهاية العام 2017.
أبو راس، الذي ظل طوال الفترة الماضية حليفا جيدا لا يحيد عن توجهات وتوجيهات حلفاؤه الحوثيون، اتخذ مؤخرا قرارا أثار حفيظة وغضب الحلفاء، بفصله القيادي في الحزب علي الزنم، وهو أحد أعضاء اللجنة الدائمة الرئيسية وعضو مجلس النواب عن المؤتمر بتهمة محاولة شق الحزب لصالح جماعة الحوثي، وإنشاء كيان بديل باسم أحرار شباب المؤتمر.
ولعل ما تلا هذا القرار من أحداث، تشير إلى أن شرخا ما حدث فعلا بين الحليفين، بينها الحملة الحوثية التي طالت الرجل عقب القرار، وكذا محاولة الحوثيين- كما يقال- تفجير حرب قبلية ضد أبو راس في مسقط رأسه بمحافظة إب، إلى جانب إثارة خلافات قبلية قديمة حول حصن تمتلكه أسرة أبو راس جنوب صنعاء.
[للمزيد حول هذا.. أقرأ: هل يصمد مؤتمر "أبو راس" في مواجهة مليشيات الحوثي؟ (تحليل)]
وفي المحصلة النهائية، إذا ما كان كل هذا صحيحا بالفعل، فإن ما يمكن أن يوصف بـ "تمرد" أبو راس، المزعوم، لا يمكن قراءته بمعزل عن كل تلك التمردات والنزاعات المسلحة المتنامية في مختلف المحافظات والمناطق القبلية التابعة له (في صعدة وذمار وصنعاء وعمران والجوف وحجة...الخ)، أو عن الصحوة الفكرية والمقاومة الاجتماعية المتنامية؛ ذلك أن جميعها تصب في سياق واحد، يؤكد لنا حقيقة: أن الحوثي، كأي حركة انقلابية متمردة تمارس الإرهاب ضد مواطنيها، تمضي قدما في طريقها إلى الأفول.
وأن محاولات الترقيع، التي بدأها مؤخرا زعيم الحركة من خلال محاضرته تلك، وما ترافق معها من بروبجندا هزلية مفضوحة من بعض قياداته العليا، لن تفلح في رتق الرقع الذي بدأ يتسع على الراتق.
في هذه الأثناء، تبقى الهدنة التي يتوارى خلفها، سلاحا ذو حدين: إنقاذ ما تبقى منه حال تعامل معها بجدية، بسرعة ودون تلكؤ أو تلاعب؛ مالم فستعجل باستكمال أفول ما تبقى منه.