2022-07-30 الساعة 04:04م (يمن سكاي - العربية نت)
كل الآباء في الأرض يمرحون مع صغارهم في مدن للألعاب، بينما لا يجد أطفال اليمن سوى اللهو مع الموت في حقول الألغام. وقبل أن يعودوا بأمان رفقة صغارهم إلى منازلهم، سيكون 2000 طفل يمني قد لفظوا أنفاسهم كانوا بحاجة لقطرة دواء، ونحو 3 آلاف طفل آخرين تم الزج بهم في الجبهات فحملوا سلاحاً أثقل من وزن أجسادهم، من دون أن يدركوا أنهم ذاهبون للجحيم بلا عودة، وسيكون أكثر من 3 آلاف طفل ممن قرروا ترك بيوتهم ومدنهم جراء القصف والقنص والاختطاف.
وفي اللحظة التي يخلد أطفال الأرض إلى نومهم، سيكون نحو 5 ملايين طفل مجهول بلا اسم ولا هوية قد شطبتهم الحرب تماماً من الحياة، بينهم قرابة مليون جندي صغير يطاردهم الموت في الجبهات، وأكثر من 2 مليون يتجرعون ويلات اليُتم والجوع والقهر في مخيمات النزوح، وأكثر من 900 ألف آخرين يلتحفون كراتين الأرصفة لاتقاء خذلان الإنسانية الذي ينخر أجسادهم. وذلك وفقاً لما أكده ممثلون عن منظمات حقوقية لـ "العربية.نت" مشيرين أن أكثر من 7 ملايين طفل يمني يخلدون للنوم، وهم جياع يحلمون كل ليلة بخيمة وحضن وقطعة خبز وكتاب.
وفي جردة الضحايا بعد 8 سنوات حرب، وتعرض أطفال اليمن لـ 35 ألف حالة انتهاك طال براءتهم، ارتكبت ميليشيا الحوثي نسبة 70% منها، تم توثيق قتل أكثر من 5700 طفل في اليمن، غالبيتهم في مدينة تعز، بحسب تقرير حديث لمنظمة سام للحقوق والحريات". ووصف المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، نقلا عن صحيفة "تلغراف" البريطانية" ملف الطفولة في اليمن بأنه "جحيم على الأرض"
فهذا سليمان طفل لم يتعد 9 سنوات من عمره، كان يلعب مع رفاق طفولته، يجري ويمرح ويشاغب الحياة دون تعب، اليوم تغير كل شيء في حادثة لغم غادر سلبه إحدى قدميه وهو يرعى الأغنام. وغير سليمان كُثر في بلد مفخخ بألغام زرعها الحوثيون في كل مكان يصلون إليه.
وتواجه الطفولة في اليمن، أكبر عملية زرع للألغام في الأرض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا يزال عدّاد الضحايا في نزيف مستمر، ووفق تقارير الأمم المتحدة، فإن هذه الألغام صنعت محلياً من البلاستيك بأشكال علب طعام وزجاجات مياه، وزُرعت في مناطق جبلية على “شكل صخور" وتم زراعة بعضها في شكل "كتل رملية" في الصحاري والوديان، كما صنعوا "عبوات ناسفة وألغاماً" لتتناسب مع زراعتها داخل علب وأكياس غذائية لتحقق أكبر قدر من الخسائر في الأرواح.
وتشير الإحصائيات على موقع المشروع السعودي (مسام) في اليمن، والذي يساعد الجيش اليمني في إزالة الألغام، أن المشروع نجح بإزالة 440 ألف لغم من جميع أنحاء اليمن منذ منتصف عام 2018. كما أدت زراعة الألغام إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية والتسبب في نزوح السكان، لاسيما داخل محافظة حجة، فضلاً عن تسببها بتلويث الأراضي الزراعية وتعطيل وصول المساعدات الإغاثية حسب تحذيرات منظمة اليونسيف.
ومن حقول الألغام إلى طواحين العمالة، شارك رسام الكاريكاتور ياسين قباطي، "العربية نت" بلوحة تلخص مشهد الفشل الذريع للمجتمع الدولي والإقليمي في ملف انتهاكات الطفولة في اليمن، ويوثق في الرسمة طفل يمني يقوم بتنظيف سيارة تابعة للأمم المتحدة التي ترفع شعار حماية الطفولة، وقال ياسين معلقاً: "الطفولة تغسل القبح من ضمير الإنسانية في إحدى شوارع اليمن".
قصة أخرى ضحيتها، الطفلة رحمة عيسى 6 سنوات، تبيع "المسواك" للسائقين أمام إشارات المرور، عندما فقدت رحمة أبويها وأشقاءها الخمسة، نتيجة قصف طال منزلهم في تعز، وجدت نفسها يتيمة ومشردة في الشوارع، وقالت رحمة إنها تتعرض يومياً للأذى النفسي وأحياناً للتحرش الجنسي، وتحلم أن تصبح يوماً ما محامية.
وعبر هذا الملف الاستقصائي، تتبنى "العربية نت" مبادرة استقصائية تحمل برقيات استغاثة طارئة لنقل صوت وجع أطفال اليمن للعالم، وتروي قصصاً دامية من مآسيهم بأرقام ورسوم بيانية وإحصائيات توثق فصول الانتهاكات التي عاشوها على خطوط النار، بفيديوهات وصور ورسوم كاريكاتير، مسلطة الضوء على مستقبل الأطفال اليمنيين الذين يتربص بهم خطر المجاعة وسوء التغذية يفتقرون وفق ممثلين حقوقيين من منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية إلى الخبز واللباس والدواء والأمان، مشيرين بأنهم أصبحوا بلا أحلام لهم ولا صوت ولا مستقبل أمام كماشة الحرب وطواحين الفقر وأنياب الجوع والعنف وسماسرة التجنيد، وتجار الأعضاء وآكلي لحوم الطفولة في البلاد نهشتها الصراعات. حيث تشير الأرقام أن ما يزيد عن 11 مليون طفل يحتاجون مساعدات إغاثية طارئة، بينهم 10 آلاف طفل لقوا حتفهم بسبب الحرب الطاحنة."
ويأتي ملف الطفولة الجريح في اليمن بأوجاعه الإنسانية الدامية في صدارة اهتمامات موقع "العربية.نت"، وقناتي "العربية" و"الحدث"، بوصفه مصدر الألم الدامي لمعاناة شعب، لم تُؤخذ مصلحة أطفاله بعين الاعتبار منذ عقود، في بلد فقير يشيع كل دقيقة جنازة طفل.
أطفال اليمن
وفق إفادة ممثلة المنظمة السويدية لرعاية الأطفال، فإن 80 بالمائة من أطفاله بلا مدارس، لا يعرفون "الآيباد" ولا "تيك توك"، ولم يسمعوا من قبل ب "البيتزا" أو "كنتاكي"، لا يملك غالبيتهم رفاهية شراء ملابس جديدة حتى في الأعياد، مهملين وخائفين بلا شهادات ولا مواهب ولا هوايات، يطاردون اللقمة بطول الشوارع، وينتظرون عطف المنظمات الإنسانية، يسقطون جثثاً بسبب مقذوفات طائشة، تنهشهم أمراض خطيرة كالربو والكوليرا والسرطان، وتقفل في وجههم طوارئ المستشفيات، يعرفون مصائرهم جيداً كمن سبقوهم لهذا، دائماً يصارعون من أجل البقاء، ويسلمون أرواحهم بسهولة أمام الأوبئة والحروب والمجاعات والألغام والأعيرة الطائشة بكل هدوء ودون مقاومة.
وإلى جرائم العنف، قبل أيام، سقط العديد من الضحايا نتيجة قصف وحشي بقذائف الهاون شنته مليشيات الحوثي على حيّ زيد الموشكي المكتظ بالسكان وسط مدينة تعز، أدت إلى إصابة 11 طفلا كلهم دون سنِّ العاشرة بإصابات بليغة ومتوسطة في خرق واضح للهدنة وتحدٍ صريح لكل المعاهدات والمواثيق المحلية والدولية.
وعن أسباب غياب العمل الحقوقي الحامي لضحايا الطفولة، قال أحمد القرشي رئيس منظمة سياج لحماية الأطفال في اليمن، في تصريحات خاصة لـ "العربية .نت" إن حماية حقوق الإنسان في ظل النزاع المسلح في اليمن لم تحظ بالحد الأدنى من الاهتمام والعمل الجاد للدفاع عن الضحايا بشكل عام والأطفال بشكل خاص كونهم الطرف الأضعف والأكثر تضرراً، وهذا يعود لسببين رئيسيين الأول سيطرة الميليشيات المسلحة على الوضع في اليمن بشكل عام وضعف أداء وحضور الحكومة الشرعية وتوقف مؤسسات وأنظمة العدالة المفترض بها القيام بدور الحماية المتمثل في الرصد والتوثيق المهني وتحريك دعاوى وملاحق قضائية للمتهمين وتوفير محامين ومناصرة قانونية".
وأشار القرشي أنه حال تنفيذ هذا الإجراء الرادع فإن هذا الأداء يمثل تهديداً حقيقياً لأطراف عديدة في اليمن متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعلى العكس من ذلك فقد تم اللجوء إلى استخدام الملف الحقوقي ك "ورقة مساومة" من قبل أطراف النزاع لاستخدامها في تقارير حقوقية ك "أداة ضغط" لا يترتب عليها أي حماية أو إنصاف للضحايا.
ويكمن السبب الثاني بحسب القرشي في ضعف وغياب الرقابة والتقييم والمحاسبة من قبل الحكومة الشرعية على أداء المنظمات الدولية وبما أن الأولوية القصوى للمساعدات الغذائية وما في حكمها ونظرا لسيطرة المليشيات المسلحة على الأرض في أغلب محافظات البلاد ذات الكثافة السكانية، وبما أن المنظمات الدولية تتجنب الاصطدام بسلطة الأمر الواقع فقد تم تحاشي الكثير مما من شأنه أن يثير غضب المليشيات كونها بساطة ستقوم بسحب تراخيص المنظمات وطرد الموظفين الأجانب وملاحقة اليمنيين واختطافهم وتعطيل العمل الإغاثي بشكل أو بآخر، وقد حدث ذلك في صنعاء مع عشرات المنظمات الدولية والمحلية.
ولفت القرشي إلى أن جميع الجرائم والانتهاكات المحرمة دولياً في القوانين الوطنية مورست على أطفال اليمن خلال ثماني سنوات من الحرب المستمرة، وفي مقدمتها القتل والتشويه والقنص والألغام المضادة للأفراد والتجنيد والاستغلال الجنسي والتهجير القسري والحرمان من التعليم واستهداف المنشآت والمرافق ذات الصلة بالخدمات الحقوقية التي يحتاجها الأطفال كالمدارس والمستشفيات وفرق الإغاثة الإنسانية الطارئة وغيرها من الانتهاكات والجرائم المجرمة طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1612 لسنه 2005، موضحاً أن الكثير من تلك الجرائم والانتهاكات لا تتوفر لها إحصاءات حقيقية أو قريبة من الواقع لصعوبة رصد وتوثيق تلك الجرائم واستخدامها كأوراق الضغط من قبل الطرف الآخر وبالتالي يتم تضخيمها والمبالغة فيها حتى فقدت بعض التقارير الحقوقية مصداقيتها. ورغم ذلك فالأرقام الحقيقية لضحايا هذه الحرب من الأطفال كبيرة ومفزعة ومنها على سبيل المثال أكثر من 100 ألف طفل ما بين قتيل وجريح منذ بداية الحرب، وأكثر من 5 ملايين نازح غالبيتهم العظمى أطفال".
كما أفاد رئيس منظمة سياج لحماية الأطفال في اليمن، أنه تم استباحه منظومة التعليم وتحويلها إلى مراكز تحشيد وتجنيد الأطفال عقائدياً وفكرياً وعسكرياً وتوجيه الكثير منهم إلى جبهات القتال وهناك مئات الآلاف من الأطفال يتم تجنيدهم سنوياً في مخيمات صيفية وهذا انتهاك صارخ لحقوق الطفل، مشيراً أن أكثر من 4 ملايين طفل فقدوا حقهم في التعليم الأساسي والعدد مرشح إلى 6 ملايين طفل وهذه كارثة بكل المقاييس تمثل تهديداً خطيراً للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة على المدى الاستراتيجي لما لها من آثار سلبية على السلام والتعايش والتنمية في مستقبل ما بعد وقف إطلاق النار.
وأشاد القرشي بأن الدور الذي يقوم به البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن ومركز الملك سلمان وبرنامج "مسام" لنزع الألغام وبرامج المساعدات الإماراتية والكويتية وبرامج المساعدات الأممية ومن الدول المانحة كالولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وغيرها هذه المساعدات ساهمت بشكل كبير في تخفيف معاناة الأطفال اليمنيين. ومع ذلك فإن الوضع الإنساني في اليمن لا يزال بحاجة لمراجعة وتقييم شامل للسياسات والأولويات وآليات العمل التي تنفذ بموجبها برامج المساعدة الإنسانية والحمائية، والتركيز على برامج التنمية المستدامة وتمكين الأسر والعائلات وخاصة الإناث من التعافي الذاتي وتحسين سبل المعيشة وكسب رزقهن بأنفسهم وتعزيز حق التعليم الأساسي والثانوي ومحو الأمية ورفع الوعي لدى المجتمع اليمني ومكافحة الفساد وضمان التوزيع العادل لمنح المساعدات الإنسانية الطارئة لمستحقيها.
أطفال اليمن
وتواصلت "العربية.نت" مع مصورين ميدانيين ورسامي كاريكاتير، وراصدين حقوقيين، نقلوا بدورهم صوراً قاسية لأطفال تتباين صنوف معاناتهم بين التجنيد الإجباري وقهر العمالة والتسول والنزوح وسقوطهم ضحايا للقصف والقنص والألغام. ووصف الناشط الحقوقي عامر الفضلي فصول الألم ومشاهد الدم التي تستنزف براءاتهم بأنها أعظم الشواهد على قسوة ضمائر أطراف النزاع أنهم جعلوا الأطفال يعيشون أبشع أيام حياتهم في أجمل سنين عمرهم".
ووثق المصور الميداني أنس الحاج من تعز، قصصاً مأساوية لأطفال لقوا حتفهم في مدينة تعز، إما بسبب مقذوف ناري أودى بحياتهم أو سقطوا ضحايا ألغام حصدت أرواحهم، ففقدوا أحد أطرافهم ويعيشون بنصف جسد، وغالبيتهم تم استهدافهم قنصاً من قبل مليشيات الحوثي المتمركزة على أطراف المدينة المحاصرة منذ 7سنوات.
ويروي أنس لـ"العربية.نت" معاناة الطفل حامد 11 عاماً أصمّ، فقد قدمه نتيجة قذيفة أطلقتها مليشيات الحوثي على حي كلابة شرق مدينة تعز في السنوات الأولى من الخرب عام 2016، وبعد مضي 8 أشهر من العلاج لاستعادة قدمه تدهورت نتيجة نزوح معظم الكادر الصحي من المدينة، يذكر أن شقيقي حامد أحدهما أصمّ مثله والآخر تعرض للقنص، أما والدهم فقد باع مصدر رزقه وهو "حافلة" للإنفاق على علاج ابنه حامد.
وفي تصريحات خاصة لـ "العربية.نت" كشفت عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، إشراق المقطري، أن أطفال اليمن يتعرضون لانتهاكات مباشرة في كل مناطق البلاد، راح ضحيتها الآلاف بسبب القصف أو القنص والألغام والعبوات التي شوهت أجسادهم بإصابات وعاهات مستديمة.
وأفادت أن تلك الانتهاكات والجرائم تحدث في أوساط الأحياء السكنية والتجمعات التعليمية وقرب المخيمات والمرافق الطبية، تصفها منظمات حقوقية بأنها "خروقات صارخة" ضد ضمانات حماية المدنيين عامة والأطفال خاصة ما أدى لحرمانهم من حق التعليم وحق الرعاية الطبية الطارئة.
وحسب المقطري فقد ثبت تورط الحوثيون باستغلال الأطفال والزج بهم في جبهات القتال للتجسس والتموين والتغذية وزراعة الألغام والعبوات، مما أدى لمقتل 2000 طفل جندتهم المليشيات بين يناير 2020 ومايو 2021، وهناك شكل آخر للانتهاكات طالت الأطفال اليمنين، تكمن في تجهيل النشء وغرس العنف والكراهية والتمييز والعنصرية ورفض الآخر واستعداءه عبر المدارس والمراكز التغذية الطائفية.
وأكملت المقطري: "لا يزال أطفال اليمن مهددون بموجة مجاعة قادمة، جراء استمرار الحرب وانهيار منظومة الحماية وتدهور العملة وضعف مستوى المساعدات الإنسانية، ويعد الأطفال حديثي الولادة بحسبها الأكثر عرضة لخطر سوء التغذية" من دون أن يفوتها التحذير من تزايد أرقام النازحين الذين تجاوزوا 5 ملايين متضرر، بينهم أطفال ذهبت أحلامهم في مهب الشتات والأمية ودوامة الزواج المبكر .
وأعلن نائب مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، مروان نعمان، في سبتمبر الماضي 2021، أن الميليشيات جندت أكثر من 35 ألف طفل منذ عام 2014، بينهم 17% دون سن الحادية عشرة، بينما لا يزال أكثر من 6700 طفل على الجبهات. ووثقت شبكة حقوقية يمنية 20 ألفا و977 واقعة انتهاك طالت الأطفال اليمنيين، بالإضافة إلى تهجير وتشريد أكثر من 43 ألف طفل، من قبل الميليشيات من يناير 2017 إلى مارس 2021.
وكشفت منظمات حقوقية عن أرقام مفزعة عن سوء التغذية، ففي كل 15 دقيقة يموت طفل بسبب الالتهابات وعدم توفر الأدوية، فيما 8 أطفال من أصل 9 يعانون من فقر الدم المفروض أن هذه الأرقام المخيفة تشكل صدمة تهز ضمير العالم ليتخذ إجراءات عاجلة أو يوفر حلولا إغاثية طارئة لإنقاذ أطفال اليمن.
ولم تسلم الطفلة ملاك جميل الجابري 10 سنوات من قذائف الموت، فقد فقدت يدها اليمنى نتيجة قذيفة أطلقتها مليشيات الحوثي على حيّ الضبوعة، بتاريخ 05/2017، أصابت الطفلة ملاك جميل، ما أدى إلى بتر يدها اليمنى على الفور.
وشهدت مناطق الصراع غرب مدينة تعز حروباً دامية اضطر بسببها الأهالي لمغادرة قراهم، والمكوث داخل خيام في جبل زيد بمنطقة الكدحة غرب المدينة، واضطرت أم الطفلة ربا عبده أحمد إلى اللحاق بابنتها في المدرسة لمواصلة تعليمها لكن معظم المدارس في تلك المنطقة رفضت تسجيل النازحين".
أطفال اليمن
30 ألف طفل في الشوارع، يعملون في بيع بضائع رخيصة من أجل كسب دولار أمريكي واحد، ولهؤلاء الأطفال أسماء لا أحد يعرفها، ولهم عائلات، ولكن ما نفع الحسب والنسب حينما يقول الفقر كلمته.
وبدوره، رصد المصور اليمني صالح باحليس، بعدسته ملامح مستقبل أسود على وجوه أطفال اليمن، نقلها عبر "العربية.نت" إلى ضمير الإنسانية، ووثق باحليس لقطة لطفلتين نازحتين من الحديدة في أحد المخيمات القريبة من منطقة الصبيحة، وصورة لطفل يعاني من سوء التغذية في أحد المستشفيات المدعومة من اليونسيف، وصورة لطفل في محافظة الضالع قرية الفاخر يجمع الخردوات وقناني المياه.
هذا، وأكد تقرير رسمي أنجزته الحكومة اليمنية بتعاون مع منظمات دولية -منها العمل الدولية وجود مليون وثلاثمائة ألف طفل في سوق العمل من أجل مساعدة أسرهم مالياً والرقم في تزايد مستمر.
وأبدع رسام الكاريكاتير رشاد السامعي مجموعة لوحات قاسية تفاعلاً مع "العربية.نت" في ملف الأطفال اليمنيين، موجهاً نداءات استغاثة للضمير الأممي عبر ألوانه الملطخة بدم البراءة، والتقط السامعي قصصاً مريعة مجسداً فيها فظاعة الحرب وسوء التغذية وويلات التجنيد وملاحم اغتيال أماني الصغار الذين لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس نتيجة الفقر والعوز والفاقة، وتحملهم مسؤوليات إعالة أسرهم بتوفير لقمة العيش". ونقل السامعي عبر ريشته وجوهاً لأطفال منهمكين بأعمال شاقة تنتهك براءتهم، يبحثون عن حطام مستقبلهم بين أنقاض حرب لا بوادر أمل تلوح بانتهائها.
وأكد مراقبون دوليون أن تجنيد الأطفال هو منهج بين تنظيم داعش" والأذرع الإيرانية في المنطقة، ويشير الباحث الاجتماعي محمد شرف، أن ممارسات العصابة الحوثية الإجرامية بحق الأطفال وحاضر ومستقبل اليمن، مشيراً أن الطفولة في اليمن باتت مسروقة تحت غطاء المراكز الصيفية التي تنتشر في مناطق سيطرتهم خاصة بعد نشر فيديوهات تظهر تدريباً عسكرياً لأطفال يمنيين تم استغلالهم في المعسكرات الصيفية وبالتالي تجنيدهم قسراً".
وتعليقاً على صورة طفل أسير جنده الحوثي، قال الكاتب السياسي مجيب عبدالله دماج، أن صورة هذا الطفل المنكسر المهدرة طفولته الذي لا يتجاوز عمره الثانية عشرة بملابسه الرثة في رحلة الموت والضياع هربا من الجوع وعوز الحاجة التي تميته وأسرته في اليوم آلاف المرات، تلك الصورة توضح حقيقة عالم اليوم الموحش والمتبلد وتبرز قضية إنسانية يتغافلها أولئك المترفين المتحكمين بمصير وطن وإنسان، الجوع وحده من زج به إلى معارك الفناء والموت، الفجيعة والفقر والجهل من أجبر أباه على إرسال فلذة كبده إلى محارق معارك الحوثي التي لن تنتهي، وتحول مستقبل أبنائه إلى كوابيس مفزعة، وحياته إلى ذعر دائم.
أطفال اليمن
وكشف الإعلامي زين العابدين الضبيبي مخططاً للحوثيين، بعد أن مغادرته صنعاء بأيام، فقال بصفته شاهد عيان بأنهم قاموا بإفراغ كل مصليات النساء في مساجد العاصمة من قبل عصابة الحوثي الانقلابية بحجة الصيانة غير أن الهدف الحقيقي كان إفراغها استعداداً لحشد عدد كبير من الأطفال تحت سن 15 عاماً. وأضاف أن المليشيات الانقلابية كانوا يأخذون أطفال كل منطقة في العاصمة إلى منطقة أخرى بهدف عزلهم عن أسرهم إضافة للأطفال الذين تم جلبهم من محافظات أخرى، ويتراوح عدد الأطفال ما بين 80 طفل في المساجد الصغيرة إلى 500 طفل في المساجد الكبيرة وفي مقدمتها مسجد الصالح والحشوش وبدر، حيث قيل لأسر هؤلاء الأطفال إنه سيتم تدريبهم ليكونوا إداريين بينما هي أكبر عملية تجنيد للأطفال شهدتها اليمن، وأكبر عملية غسل أدمغة، حيث يمكن أن يصل عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم إلى 60 ألف طفل ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون شكل المستقبل وقد تم تلغيم كل هذه العقول".
من جانبه، أوضح الباحث الاجتماعي سعيد العديني، متحدثاً عبر سكايب لـ"العربية.نت" أن التركيبة القبلية المعقدة للمجتمع دفعت الأطفال إلى القتال، معتبرين ذلك فخراً ورجولة، كما أن تلقينهم شعارات تردد الموت في كل كلمة، وتغسل عقولهم البريئة وهم يرفعون بنادقهم الطويلة التي قد تكون بطول قامتهم، تاركين مدارسهم، وملتحقين بالجبهات القتالية التي تعتبر بالنسبة لهم واجباً دينياً حسب الأعراف".
حصدت الحرب في اليمن نحو 10 آلاف طفل قتلوا أو أصيبوا بجروح منذ 8 سنوات من بدء النزاع في البلاد، وفق ما كشفته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في جنيف، و23 ألف طفل تم تجنيدهم في صفوف مليشيات الحوثي، وإشراكهم في جبهات القتال، حيث تم اختطافهم من المدارس، والضغط على الأسر وأولياء الأمور لإرسالهم إلى المعارك في انتهاك صارخ يخالف القوانين الدولية الخاصة بالطفل.
وحضرت قضية تجنيد أطفال اليمن، في ندوة نظمتها جامعة جنيف، تحدث فيها ناصر القداري، رئيس المركز الهولندي اليمني للدفاع عن الحقوق والحريات، عن تجنيد أكثر من 12 ألف طفل مؤخراً، وهو تهديد يمس واقع اليمن، مشيراً إلى تفخيخ وعي الطفولة هو لغم يهدد مستقبل مجتمع بكامله، معتبرا بأن حرمان الطفل من التعليم وتربيته على الحقد والكراهية بنزعة طائفية هو كارثة حقيقية وجريمة سياسية منظمة".
وأكد تقرير مشترك حمل عنوان "عسكرة الطفولة" لمنظمة "سام" للحقوق والحريات و"المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، أن ميليشيات الحوثي استخدمت المدارس والمرافق التعليمية لاستقطاب الأطفال إلى التجنيد الإجباري بل وأحياناً من خلال الاختطاف، من خلال نظام "تعليم قسري" يحرّض على العنف، وتلقين الطلاب "عقيدة أيديولوجية" لتعبئتهم بأفكار متطرفة، وزجهم وقوداً في جبهات القتال".
ويستمر رسامو كاريكاتير عرب في نقل معاناة أطفال اليمن، وأبدع الرسام السوري ياسر أحمد لوحة تصف مآسي تجنيد أطفال اليمن، في قبضة بندقيتي الحوثي وإيران. فيما جسدت الرسامة الفلسطينية أمية جحا معاناة الأطفال اليمنيين بين حرب وجوع ووباء، ورسم الفنان اليمني عبدالرحمن الجابري لوحة خاصة عن المستقبل القاتم لأطفال اليمن شاركها مع "العربية.نت" معلقاً على لسان حال كل طفل يمني محروم من اللقمة والتعليم والعلاج والأمان، قائلاً :"لماذا أنا هنا في حرب لا علاقة لي بها، هل أنا المذنب أم أن ذنبي أنني وجدت هنا؟ أنا المستقبل المحطم، أنا لست طفلاً بل ضحية نيرانهم وأحقادهم".
الوجه القبيح من الحرب التي أجبرت أطفال اليمن على دفع فواتير الألم في البلاد التي تتلظى بكوابيس الموت وحصدت أرواحا غضة منذ ثماني سنوات ودفعت نحو 14مليون آخرين إلى حافة المجاعة ثلثاهم أطفال، ووفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هناك أكثر من 20 مليون شخص في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
مستقبل قاتم ينتظر أكثر من 8 ملايين طفل من إجمالي سكان اليمن، نتيجة انقطاعهم عن المدارس، وكشفت منظمات دولية معنية بحماية الطفولة أنه ومنذ بداية الحرب وحتى أكتوبر 2021، تعرضت أكثر من 460 مدرسة للهجوم المباشر، كما تضررت أكثر من 2500 مدرسة، وجزء كبير منها تم استخدامها كملاجئ جماعية للعائلات النازحة من مناطق الاشتباكات العنيفة. وهناك مدارس أخرى احتلتها الجماعات المسلحة وتستخدمها كمتاريس خاص لها، كما أجبرت تلك الانتهاكات قرابة "400.000" طفل في اليمن على ترك المدرسة بحسب تقرير أخير لمنظمة إنقاذ الطفولة، الذي أكد أن "أكثر من 60٪ من أطفال اليمن لم يعودوا إلى الفصول الدراسية العام الماضي بعد أن تحولت مدارسهم الى جبهات حرب".
وحسب المنظمة الأممية للطفولة اليونيسف، هناك أكثر من 10 آلف طفل قتلوا أو شوهوا منذ تصاعد حدة المعارك في مارس 2015، مع تزايد مستمر لأعداد الضحايا بسبب استمرار الصراع في اليمن. وقد أفادت وكالات الإغاثة أن ما معدله خمسة أطفال يُقتلون كل يوم منذ بداية الحرب.
فلم يكن والد قيس عامر، صبي عمره 13 عاماً يعاني قصراً بالنظر يرتدي نظارة طبية، يدرك أنه بدراسة ابنه لدى أحد المراكز الصيفية المفخخة بالطائفية في محافظة عمران، سيصبح جندياً أعمى البصيرة في مناطق النزاع الملتهبة، ليعود إلى حضن أمه ذات يوم جثة ملفوفة بشعار الصرخة الحوثية.
جثث الصغار التي تعود ملفوفة بشعارات الموت، تستقبلها أمهاتهم بالنحيب والبكاء الذي يملأ أرجاء البلاد، فمن أحضان الأسرة ينتقلون إلى براثن المراكز الصيفية للشحن الطائفي، ليتم تصديرهم لجبهات القتال. فبعد أن دمرت الحرب في اليمن مئات المدارس التي هدمها سماسرتها ثم بنوا بمكانها قصوراً، يتلقى أطفال الحديدة التعليم وسط مجاري السيول تحت الإنفاق، فيما يستغل الحوثيون الأطفال في محافظة إب، فيأخذونهم إلى المراكز الصيفية من سن العاشرة، ويقومون بتفخيخ وعيهم وتضليلهم وتحريضهم بترديد الصرخة، ويصنعون منهم ألغاماً للمستقبل، ليستخدمونهم وقوداً في حروبهم.
هؤلاء هم أطفال اليمن يزج بهم في حرب ضد أهاليهم على مرأى ومسمع من العالم، يخرجونهم من المدارس ليحملوا الأسلحة، مفخخين بالشحن الطائفي، الذي يسرقهم البراءة والطفولة، وتساءل راصدون حقوقيون أين منظمات حماية الطفولة من تسميم العقول وتفخيخها، أخطر من تلغيم الأرض، معتبرين أن تجنيد الأطفال هو اغتيال حسي ومعنوي للجيل القادم.
وتساءل نشطاء عن مصير عشرات الآلاف من الأطفال الذين خطفتهم الحرب من المدارس إلى المتارس، كيف سيتم دمجهم في المجتمع، إذا ما وضعت الحرب أوزارها، مشيرين أن هناك نحو 471 مليون طفل بسن الدراسة الابتدائية ممن لا يتمكنون من القراءة وقد لا يتمكنون من ذلك أبداً".
ومؤخراً، ندد متظاهرون في أكبر شوارع مدينة تعز، التي تقع تحت سلطة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بسقوط ضحايا مدنيين بقصف نفذه الحوثيون على حي سكني في مدينة تعز، ورفعوا لافتة كبيرة مكتوب عليها: "نحذر من هدنة تمنع الجيش الوطني من القتال، وتسمح للميليشيات الحوثية بقتل المدنيين وحصار المدن".
وفي نفس الحي الذي شهد سقوط أطفال ضحايا نتيجة القصف الحوثي، رصدت "العربية.نت" قصة مأساوية لطفل ولد في ظل الحرب ومات في ظل الحرب، انقضت 8 سنوات منذ ولادته والحرب في اليمن لم تتوقف للحظة واحدة إلى أن قتلته قذيفة حوثية بينما كان يلعب هو وأطفال الحي، فأردته جريحاً ثم قتيلاً وإلى جانبه 10 أطفال جرحى لا يزالون بإصابات بليغة. فلا سلام يلوح في الأفق تتوافق عليه الأطراف، سوى هدنة تجلت نتائجها في استشهاد الطفل مراد ومثلهُ المئات الذين فاضت أرواحهم نتيجة استمرار الحرب والهدنة الأممية الهشة.
واعتبر الناشط الحقوقي جميل الوادعي، أن حوادث القنص لا حصر لها في جردة حرب عبثية حصدت أرواح أطفال بعمر الورود، خطفتهم برصاصات غادرة وهم يمرحون في الشوارع بأمان، وأكمل: "نتذكر بحرقة وحزن قنص الطفلة رسائل، وكيف قام شقيقها بسحبها وهي مضرجة بالدماء والذي لم يؤثر على نفسه أن يكون التالي على مرمى قناص حوثي يقف يتربص بالمزيد ليضاعف أرقام ضحاياه".