2022-10-05 الساعة 01:06ص (يمن سكاي - علي الفقيه)
بعد مرور يومين على انقضاء الهدنة التي انتهت مساء أمس الأول الأحد، لم تشهد الجبهات أي متغيرات حقيقية، باستثناء مناوشات بسيطة يمكن مقارنتها بما كان يحدث خلال أيام الهدنة من خروقات ومناوشات.
فمنذ ما قبل موعد انتهاء الهدنة، شهدت وسائل الإعلام سيلاً من التصريحات والبيانات والمناشدات الصادرة عن حكومات وسفراء ومسؤولين دوليين يشددون فيها على ضرورة تمديد الهدنة بل ودخل هذه المرة مصطلح "توسيع الهدنة" نسبة إلى ما تضمنه المقترح الجديد المقدم من المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن "هانس جروندبيرغ"، لكن ذلك السيل من المناشدات ونبرة الحرص الزائد ربما هي ما أفسدت فرص تمديد الهدنة، ففي الوقت الذي تبدو الحكومة اليمنية قابلة لأي مقترحات من أجل إيقاف الحرب مهما كانت كلفتها فإن الحوثيين يتفننون في استثمار الحرص الدولي والإقليمي على وقف الحرب.
ما الذي يريده المجتمع الدولي؟ وما الذي تريده السعودية والإمارات باعتبارهما الطرف الإقليمي في الحرب؟ وماذا تريد الحكومة الشرعية؟ وما الذي تريده مليشيا الحوثي ومن ورائها إيران؟
طوال الشهر الماضي وربما أبعد من ذلك، لم تتوقف طيارة "هانس جروندبرج" ولا هاتفه عن التحليق، يمكن استعارة مصطلح "التحليق" لعمل الهاتف أيضاً، وشكل سفراء الدول الراعية لعملية السلام في اليمن أشبه بورشة عمل هدفها السعي لتمديد وتوسيع الهدنة، بل ويمكن من خلال التصريحات المتتابعة استشفاف ارتفاع سقف الطموحات أن تكون الهدنة الطويلة التي وردت في المقترح (ستة أشهر) هي المدخل المباشر والمريح لإنهاء الحرب في اليمن. مع العلم أن المجتمع الدولي يهتم بإيقاف الحرب التي يتطاير شررها إلى خارج اليمن ويؤثر على خزان النفط وعلى الممرات الدولية دون اكتراث لـ"تحقيق السلام" وذلك ما يعني أن الأطراف الدولية لا تهتم كثيراً ببقاء اليمن في حالة احتراب بيني ويمكن إدراجها حينئذ في خانة "الحرب المنسية".
يدرك الحوثي أنه لن يحقق من الحرب، على صعيد المكاسب الميدانية، أكثر مما قد حققه خلال السنوات الماضية، وأن قواته الأكثر فاعلية وتدريب وتعبئة عقائدية قد استنزفت خلال تلك السنوات وتعاظمت الخسائر بشكل كبير خلال هجماته المستميتة على محافظة مارب طوال العام الماضي 2021 والتي أفقدته آلاف المقاتلين، ووجد في الهدنة فرصة لالتقاط أنفاسه كما هو حال قوات الحكومة الشرعية، ولهذا ومنذ بدء الحراك الدولي والأممي من أجل تمديد وتوسيع الهدنة فإن الحوثيين لم يبدو ممانعة حقيقية لاستمرارها إلا أنهم يسعون جاهدين لاستلام ثمن الموافقة والخروج بأقصى قدر من المكاسب، وكلما لمسوا من الأطراف المعنية تجاوباً مع مطالبهم أضافوا لها مطالب جديدة، حسب معلومات حصلنا عليها من مصدر مطلع على الجهود الأممية والتحركات الدولية الساعية لتمديد الهدنة.
المصدر الذي تحدث لـ"المصدر أونلاين" أكد أن الحوثي كان أقصى مطلب له هو ضمان الحصول على التزام من الحكومة الشرعية بصرف رواتب الموظفين الحكوميين في القطاع المدني في مناطق سيطرته دون أن يتم ربط ذلك بإيرادات ميناء الحديدة التي شكلت دعماً مهماً له منذ عودة تدفق سفن المشتقات النفطية بشكل سلس مع بدء الهدنة في شهر إبريل الماضي، إلا أنه رفع سقف مطالبه بعد أن لمس تجاوباً في توفير مرتبات موظفي القطاع المدني سارع لإضافة اشتراطات جديدة وفي مقدمتها صرف رواتب قواته العسكرية التي يقدمها تحت مسمى "موظفي وزارتي الدفاع والداخلية"، ولم ينس إضافة صرف مرتبات المتقاعدين بعد أن صفى أرصدة صندوق التقاعد.
ما أسال لعاب الحوثي أكثر هو أن السعودية التزمت بدفع رواتب الموظفين الحكوميين للدفع باتجاه استمرار الهدنة، وذهب ليسأل عن التفاصيل "بأي عملة ستدفع المرتبات؟ هل بعملة أجنبية أم محلية؟ بعملة صنعاء والا بعملة عدن؟" ويشترط أن لا تمر المرتبات عبر الحكومة الشرعية ولا يكون لها أي علاقة بها، وإنما يتولى أمرها هو وذلك ضمنياً يعني اصرفوا المبلغ لنا ونحن سنتصرف، وتفضلاً أبدى قبولاً بإشراك الأمم المتحدة في آلية صرف المرتبات، وذلك يعني أنه سيتم التعاطي معها بنفس طريقة تصريف المساعدات الإغاثية والإنسانية. بل ويبحث عن ضمانات لاستمرار الصرف في الهدنة وفي غيرها.
الأمر هنا يتعلق بدرجة حرص الأطراف الإقليمية والدولية على استمرار الهدنة، وكلما ازداد حرص التحالف وأمريكا بالتحديد على وقف الحرب سبقهم الحوثي خطوتين إلى الأمام بمطالب جديدة.
وكما أن المجتمع الدولي يريد لهذه الهدنة أن تفتح الطريق لوقف الحرب فإن الحوثي يريدها أن تكون طريقه لفرض ما يريد، ويعتبر فرض شروطه لتحقيق الهدنة مجرد بروفة لما يمكنه أن يفرضه من شروط للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.
مصادر تحدثت لـ"المصدر أونلاين" أنها اطلعت على رسائل من سلطات الحوثي في صنعاء موجهة بشكل رسمي لشركات الملاحة بعدم نقل النفط اليمني من الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وتحذر من يخالف بأن عليه أن يتحمل المسؤولية الكاملة، وهو تهديد صريح ومباشر سبقته تصريحات إعلامية من قيادات حوثية تحمل ذات المضمون.
وبقدر ما تعتبر هذه الخطوة ترجمة لرغبة الحوثي في الحصول على حصته من مبيعات النفط والغاز، كمقدمة لتقديم نفسه هو المتصرف بثروات اليمن، فإنها أيضاً تمثل ابتزازاً واضحاً للأطراف المعنية بالملف اليمني ورسالة بأنه اليوم ليس فقط في موقع من يتلقى الاقتراحات بل هو اليوم يصدر إملاءات مستغلاً حالة الرخاوة التي تدير بها الشرعية اليمنية الملف ومسارعتها للاستجابة لكل المقترحات دون رؤية لما يترتب على ذلك من تبعات على مصير المواجهة.
السعودية والإمارات تريدان تسوية الملف اليمني وإغلاقه، وهذا ما أدركه الحوثي منذ وقت مبكر وصار يتعامل مع كل التحركات على هذا الأساس، وكانت مهمة مجلس الرئاسة المنصوص عليها في اتفاق نقل السلطة والمتضمنة التفاوض مع "أنصار الله" من أجل التوصل لاتفاق سلام شامل، رسالة بأن هذا الملف طال أمده ويجب أن يغلق، ولأن الحوثي صاحب السيطرة الميدانية الأوسع فقد بات يعتقد أنه قد وصل إلى نهاية الطريق، خاصة وأن شعاره منذ أول تمرد على الدولة في صعدة عام 2004 ما لم ينتزع عدوي مني بالقوة فلن أمنحه إياه بالسلم.
ولمحاولة الإجابة على تساؤل ماذا تريد الشرعية فإن الأمر يبدو صعباً إذ أن الشرعية نفسها غالباً لا تعلم ماذا تريد تحديداً.. وللموضوعية دعنا نستخدم ما تقوله هي في إعلامها الرسمي نقول إنها تريد تحقيق السلام للشعب اليمني انطلاقاً من استشعارها للمسؤولية، إلا أنها أيضاً تدرك أن هذا كلام نظري، وباستعارة المروية الشعبية للعازف الذي كان ينفخ الناي ليطرب الأسود كلما قدمت باتجاهه، إلا أن ذلك العزف لم يطرب الأسد الأصم، فكانت نهاية العازف على يده.
وفي اللحظة التي تفقد فيها قدرتك على المبادأة والانتقال من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل (عسكرياً)، فإن ذلك يسلبك فرصتك في فرض سلام عادل ودائم، كما لا يمنحك الحصول على ضمانات من أي نوع، فما بالك عندما تكون الشرعية في حالة من الضعف والتفكك بشكل يجعلها عاجزة حتى عن تبني خطاب موحد تجاه خصم متحفز لالتهام الجميع.
كان يمكن للحكومة أن تربط موافقتها على المقترح الأممي بموافقة الطرف الآخر عليه، لتظل المقترحات ذاتها محور النقاش، لكنها وافقت بعد أن ضمنت أن خزينتها الشحيحة لن تكون مطالبة بفاتورة مرتبات موظفي مناطق الحوثي، وفازت بتصريحات الثناء من الفاعلين الدوليين، إلا أنها منحت الطرف الآخر ليستبقها للحديث عن مطالب جديدة وينقلها إلى مستوى آخر من التفاوض.
الأمر ذاته فعلته الحكومة أيضاً في التعاطي مع تنصل الحوثي من الآلية الأممية التي كانت نافذة لتسيير تدفق سفن النفط إلى ميناء الحديدة، رفضها الحوثي وافتعل أزمة مشتقات فوجدت الحكومة نفسها أمام ضغط دولي للتجاوز عن هذه الآلية التي كانت تدقق في جهة استقدام شحنات الوقود والشركات التي تملكها والكمية التي تحملها وكثير من التفاصيل، وهي التي تمنح فرصة لتمرير شحنات قادمة من إيران وتفتح الباب لغسيل الأموال وإثراء اقتصاد المليشيا.
سيظل المبعوث الأممي يدور بين الرياض ومسقط وصنعاء وفي يده ملف متخم بالاشتراطات والاعتراضات الحوثية، وسفراء الدول الراعية في اجتماعات لا تخذل رغبة الإدارة الأمريكية والأوروبيين في إطفاء النار المشتعلة جوار خزان النفط الأضخم في العالم، حتى لا تتضاعف أزمة النفط والغاز التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا.
وفي النهاية ستنعقد الهدنة لكن بفاتورة أعلى، قد تدخل أطراف أخرى على خط تسديدها، خاصة مع ما يتردد عن دخول قطر على خط الوساطة والتي تحرص هي الأخرى على أن يستمر الهدوء في المنطقة وهي على بعد أيام من تنظيم الفعالية الكونية "كأس العالم".
المصدر اونلاين