أهم الأخبار

"الحوثي" يحتل المناهج الدراسية اليمنية: "ألف باء" عسكرة الأطفال

2022-10-29 الساعة 02:57م (يمن سكاي - درج)

منذ عام 2015، بدأ الحوثيون مساعيهم الحثيثة لتغيير المناهج الدراسية، وهذه الخطوة أتت بعد تعيين شقيق زعيم الجماعة وزيراً للتربية والتعليم، وهو المنصب الحساس الذي كان يفترض أن يظل بعيداً من أجواء الصراع، كونه يرتبط بأجيال وأطفال.

 

هذه المرة تعمد جماعة الحوثي إلى استخدام الكتب المدرسية وسيلة لإشعال حروب تاريخية، فتدمج أفكاراً عنصرية ومذهبية فيما يتلقّنه أطفال اليمن، الذين عانوا تاريخياً من محاولات استلاب عقولهم من قبل حكام وزعامات سياسية ودينية، فلطالما كانت المناهج الدراسية إشكالية لجهة ما تلقّنه للتلامذة.

 

بدا استهداف المناهج الدراسية قراراً اتخذته جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014.

 

خلال العام الأخير أجرت الجماعة تغييرات في المناهج الدراسية للمراحل الأساسية والإعدادية في المدارس، فأدخلت ما لا يقل عن 200 تعديل حاولت بمعظمها تكريس فكرة الاستحقاق “الإمامي” للحكم في اليمن والثروة ووجوب التبعية والتسليم لأمر قياداتها ورموزها، إضافة إلى 243 تعديلاً في المناهج خلال الأعوام الماضية.

 

شمل التغيير ضم سيرة وصورة القيادي الحوثي صالح الصماد الذي قتل في غارة للتحالف في 2018 كرمز وطني في كتاب التربية الوطنية للصف السادس الابتدائي، ثم رموزاً أخرى، وصولاً إلى نشر صورة وقصيدة لشاعر يسمى معاذ الجنيد، وهو شاعر شعبي ظهر فترة بقصائده الغزلية بلهجة تعزية، ثم تحول فجأة ليساند الحوثيين، متكئاً على خلفيته العائلية الهاشمية، إضافة إلى شاعر مغمور آخر.نالت صورة الجنيد داخل كتاب مدرسي، آلاف التعليقات الساخرة.

 

لم تعد حرباً عسكرية وحسب، إنها صراع هويات يتكرر مجدداً في اليمن

 

التغييرات في المناهج التي طبعها الحوثيون في الفترة الأخيرة، جعلت النصوص تخدم بالدرجة الأولى أجندتهم من خلال تغيير وقائع التاريخ وتزييفه، وتسييس الرواية التاريخية، وتأويل النصوص الدينية بما يخدم أجندتهم.

 

في نيسان/ أبريل 2022، دعا الرجل الثاني في ميليشيا الحوثي محمد علي الحوثي إلى إلغاء المناهج الدراسية للصفوف من الأول وحتى الرابع الابتدائي؛ منادياً بإصدار قرار لقراءة القرآن وحسب، ابتداء من السنة الدراسية القادمة، بمعدل خمس آيات يومياً، من الصف الأول إلى الصف الرابع.

 

يعتبر هذا التوجه الأخطر منذ بدء الحرب كونه يستهدف فئة الأطفال والناشئة، والتدريس محصور بالتلقين الديني من زاوية تفسير الجماعة ما يسهّل تعبئة الأطفال بقيم عقائدية تناسب الأجندة السياسية للجماعة.

 

أضاف الحوثيون مواد تتعلق بسيرة مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، وبنصوص من كلامه، وأدخلوا مواد دينية تتعلق بقراءتهم الخاصة للتاريخ الإسلامي.

 

الأخطر هو أن الجماعة أدخلت شيئاً من أحداث الحرب الدائرة حالياً في اليمن، وضخت مصطلحات عسكرية في مناهج الرياضيات، واستعانت بمسميات عسكرية مثل لفظ “البنادق” في تعليم مسائل الجمع والطرح للصغار، ما يرسخ فكرة العسكرة من سن مبكرة، خصوصاً أن الحوثيين معروفون بتجنيد الأطفال.

 

اليمن وتطويع التاريخ

لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها المنهج المدرسي لأغراض سياسية، برغم الفارق في الشكل والكم.

 

كان نظام علي عبدالله صالح قد استخدم المنهج الدراسي في بعض المراحل لزرع أفكار سياسية، بينها ما حدث بعد حرب 1994، حين انتشرت موجة إلغاء لكل ما له علاقة بشركاء الوحدة، وفي مقدمة تلك التصرفات إلغاء صورة علي سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي ونائب الرئيس بعد الوحدة.

 

ألغيت صور البيض من المنهج المدرسي ووضعت صورة علي عبدالله صالح يوقع اتفاقية الوحدة، ويرفع علم الوحدة لوحده في الصورتين.

 

إضافة إلى ذلك، نشرت سردية تخص طرفاً واحداً حول حرب 1994.

 

قبله كانت بعض الجماعات الإسلامية قد تسللت أفكارها إلى المناهج الدراسية، وتم تدريس كتاب التوحيد لمؤلفه القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عبد المجيد الزنداني.

 

في سياق آخر، وقّع مثقفون ونشطاء عام 2013 رسالة تطالب بإدراج سيرة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي في المناهج الدراسية، وهو الشخصية التي أخفيت قسراً من الإعلام وكتب الدولة، وكشطت حتى لوحات حجر الأساس المسماة باسمه.

 

الحمدي اغتيل في تشرين الأول/ أكتوبر 1977، ويعتبر أحد أهم الرؤساء الذين تركوا أثراً لا يمكن محوه في تاريخ اليمن.

 

نيران المذهبية في سماء صنعاء

في أواخر 2014، بدأت النيران تشعل سماء العاصمة صنعاء، احتفالاً بأعياد لم يألف سكان المدينة إحياءها. فجأة تم تثبيت مناسبات مثل عيد الغدير، وعيد الولاية لعلي ابن أبي طالب، ويوم الصرخة ضد أميركا وإسرائيل، ويوم حسين الحوثي، ويوم مقتل الحسين، وانتشرت البكائيات التي استنسخت من إيران ومناطق نفوذها.

 

لم ينتظر الحوثي طويلاً حتى بدأ إدراج تلك الحكايات الطائفية في المناهج الدراسية، وجعل صور الأطفال الذين قتلوا في المعارك، أغلفة على كتب اللغة والتاريخ…

 

الأمر ليس كما يبدو، مجرد تصرفات آنية، إنه صراع مع التاريخ، ونزاع مع الجراحات المفتوحة للمستقبل، وانتصار موقت يمزق روح الأجيال، ويزرع في أنفسها ثارات لا تعنيها، وحروباً مستقبلية مستدامة لم ينتصر فيها أحد، لأن الواقع يقول إن الشعارات التي يحارب الحوثي تحت رايتها لا تصنع مستقبلاً، لا تبني مدرسة، ولا تنشئ مستشفى، ولا ترصف طريقاً، ولا تمنح راتباً لمعلم، ولا تنبئ سوى بالموت والخراب المستدام.

 

يحاول الحوثيون استخدام التاريخ الديني الذي زيفوه مصدراً لشرعية مذهبية لجعلها سبباً لشن حربه على بقية المكونات اليمنية، حرباً مفتوحة الجبهات والمحاور، فكرية وسياسية ومذهبية واجتماعية واقتصادية.

 

منذ عام 2015، بدأ الحوثيون مساعيهم الحثيثة لتغيير المناهج الدراسية، وهذه الخطوة أتت بعد تعيين شقيق زعيم الجماعة وزيراً للتربية والتعليم، وهو المنصب الحساس الذي كان يفترض أن يظل بعيداً من أجواء الصراع، كونه يرتبط بأجيال وأطفال.

 

المناطق التي يحكمها الحوثيون ذات كثافة سكانية عالية، وتعد صنعاء الأكبر بينها، وهي كتلة سكانية من الأطياف المذهبية والمناطقية والسياسية، وليست مناطق مغلقة على مذهب أو فكر معين، وهذا يعني أن جماعة “الحوثي” تخبر الناس على تغيير عقائدهم الدينية والفكرية والسياسية بالقوة ولا خيار أمامهم سوى القبول بالواقع.

 

بدأ الحوثيون أولاً بالالتفات إلى مناهج التاريخ، فقرروا صنع تغييرات تاريخية تتكئ على مرجعية الرؤى التي بثها مؤسس الجماعة حسين الحوثي، والذي كان يسخر من اعتزاز اليمنيين بتاريخهم، وظهر يسخر من أعمدة مملكة سبأ الموجودة في مأرب، بينما يعظم من شأن الأئمة الذين حكموا بعض مناطق الشمال، وحتى أولئك الذين ارتكبوا المجازر في حق مخالفيهم، والذين أصبحوا دليلاً ليسير الحوثي اليوم على خطاهم.

 

وزير التربية والتعليم يحيى الحوثي وهو شقيق زعيم الجماعة ولا يحمل أي مؤهل علمي، شكّل قبل 6 أعوام لجنة لمراجعة المناهج الدراسية عبر اجتماعه بوكلاء وزارة التربية والتعليم، وطلب الوزير الحوثي اللجنة العليا للمناهج الدراسية بوضع خطة لطرح مواضيع بديلة للمنهج الدراسي، ثم لجنة من 50 أكاديمياً من الموالين للحوثيين لمتابعة تغيير المناهج الدراسية في المدارس الأهلية والحكومية.

 

في البداية، كانت التغييرات طفيفة، ولكن بالنسبة إلى العام الدراسي 2021/2022، أصدرت الجماعة منهجاً معدلاً للدراسات الإسلامية والقرآن والعلوم الاجتماعية للمرحلة الابتدائية، وأدخلت هذه المناهج دروساً جديدة وعدّلت أو حذفت دروساً أصلية كانت تشمل الحقوق المدنية ودور المرأة وتاريخ الشخصيات المؤثرة التي شكلت تاريخ اليمن.

 

هي حرب على كل شيء، وزراعة ألغام سيحتاج اليمنيون وقتاً طويلاً لتفكيكها ونزعها من عقول الأطفال والجيل الذي نشأ في ظل الحرب، ومكابرة حوثية للقول إن البلد ملكهم ويحق لهم أن يفعلوا به ما يريدون.

المصدر: درج

 
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص