نفت شركة "يو" للاتصالات أن تكون دفعت نصف مرتب فقط لموظفيها عن شهر أكتوبر الماضي، وقالت في تصريح خاص إن تلك المعلومات غير صحيحة، وليس لها أي أساس من الصحة. لكن مصادر أخرى، من بينهم موظفون في الشركة قالوا على وسائل التواصل الاجتماعي إنهم تلقوا نصف مرتب فقط عن شهر أكتوبر، وقال موظفون آخرون إنهم استلموا كامل المرتبات.

ونشر محمد المحيميد وهو مهندس اتصالات وناشط في وسائل التواصل الاجتماعي أن الشركة سلمت نصف المرتبات فقط، ولم تسلم الراتب الإضافي في شهر اكتوبر الماضي، حيث كان الموظفون يستلمون منذ سنوات طويلة مرتبا إضافيا.

اعترف موظفون آخرون في الشركة بأن الشركة تواجه صعوبات مالية شديدة، وأنها كغيرها من الشركات الأخرى تعاني عجزا شديدا في السيولة، وأرجع هؤلاء أسباب مشكلة السيولة النقدية للشركة إلى ارتفاع كلفة الاستيراد، والحصار على معدات الاتصالات، وارتفاع أسعار الوقود، وإغلاق فرع الشركة في عدن.

قال تقرير مبادرة "استعادة" (وهي مبادرة يمنية نفذها نشطاء وحقوقيون لمساندة رجال أعمال نهب الحوثي ممتلكاتهم) وأصدرت تقريراً إن إجمالي الأموال التي انتزعها الحوثي من الشركة قبل بيعها بلغت 48 مليون دولار في سنة 2021 فقط. وابتداء من يونيو الماضي فرص الحوثي جباية جديدة بمقدار 1% لصالح صندوق جديد تابع للمليشيا باسم الشهداء والجرحى. امتنعت الشركة عن التعليق على أسئلة تتعلق بوضعها المالي ولم ترد على تساؤلات "المصدر أونلاين" حتى لحظة كتابة التقرير.

تكشف أزمة السيولة في شركات الاتصالات عن انهيار مريع للقطاع الخاص في مناطق سيطرة الحوثي، بدأت ملامحه تظهر تباعا.

البنوك تعاني

قالت مصادر مصرفية في صنعاء إن بعض البنوك عجزت هي الأخرى عن دفع مرتبات بعض موظفي فروعها، نتيجة انهيار الإيرادات. وقالت المصادر في تصريحات خاصة إن البنك المركزي في صنعاء استولى على جميع أموال البنوك المودعة عنده قبل 2017. ويرفض إعادتها، الأمر الذي دفع البنوك إلى عدم إرسال الإيداعات إليه مرة أخرى. 

وقالت مصادر متعددة في صنعاء إن التجار والمودعين لا يستطيعون سحب أموالهم من البنوك في صنعاء إلا بمقدار 100 ألف ريال شهرياً، قال مسؤول كبير في سوق الصرافة بصنعاء أقصى حد يمكنك أن تحصل عليه من البنوك في صنعاء 50 ألف ريال أسبوعيا. وأشار إلى أن التجار الجدد الذين نشأوا بعد 2017 لديهم قدرة أكبر من غيرهم في الوصول إلى أموالهم في البنوك.

وأكد المصدر أن معظم البنوك في صنعاء لم يعد بمقدورها فتح اعتمادات مستندية في صنعاء، نتيجة انهيار وإفلاس حساباتها في الخارج. وأضاف أن الصرافات صارت تملك سيولة نقدية أكثر من البنوك وأن معظم أنشطة التجار المالية صارت مع شركات الصرافة. المصدر ذاته قال إن البنوك صارت تعمل بالصرافة أكثر من الأنشطة البنكية مشيراً إلى أن البنوك في صنعاء إذا وافقت على فتح اعتماد مستندي يتطلب الأمر شهراً على الأقل.

خبراء في قطاع البنوك والصرافة حملوا مليشيا الحوثي مسؤولية الانهيار المالي نتيجة تدميرهم الدورة المالية، وتكثيف الجبايات دون أن تعود على شكل خدمات. ويستعد الحوثي للسيطرة على 15 ألف مليار ريال من الديون نصفها كانت مسجلة على الحكومة، عبر قانون يزعم ظاهريا مكافحة الربا. وهو الأمر الذي حذرت منه الغرفة التجارية في أمانة العاصمة الشهر الماضي .

انهيار سعر العملة الأجنبية في صنعاء عن عدن وشح السيولة

كشف الخبير المالي وحيد الفودعي عن أن الحوالات بالعملة الصعبة المرسلة من صنعاء إلى عدن تصل بأقل من قيمتها وان الصرافين في عدن يأخذون 10 ريالات سعودي عن كل ألف ريال، أي أن سعر الصرف السعودي في عدن 990 ريالا مقابل 1000 ريال في صنعاء

. قال صراف في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين" إن الصرافين في المناطق المحررة يرفضون صرف الحوالات بالسعودي أو الدولار، نتيجة رفض الشبكات في صنعاء صرف أموال الوكلاء بالعملة الأجنبية.

قال متعامل إنه اضطر إلى تغيير حوالة لا تتعدى سبعة آلاف ريال سعودي من شبكة تحويل في صنعاء إلى شبكة أخرى في عدن كي يستطيع استلامها في تعز المحررة بالسعودي. ألزمت مليشيا الحوثي قبل سنة الصرافات والبنوك بصرف الدولار 2006 بنفس سعر صرف 2009 وما بعدها.

كما أدى شح السيولة في صنعاء إلى أن تعلن مليشيا الحوثي عبر البنك المركزي في صنعاء أن ينشر تحذيراته مجددا من إدخال عملة ألف ريال فئة د المطبوعة في 2017 التي كان قد حظرها، وبدأت صفحة البنك المركزي في صنعاء على فيسبوك منذ نهاية أكتوبر الماضي إلى تكرار التحذيرات التي أصدرها في يونيو الماضي التي تحظر استخدام تلك العملة أو العملة الجديدة أو إدخال أكثر من 100ألف ريال من فئة ألف ريال 2017 التي تبدأ بحرف أ. كما عمد برعاية القطاع الخاص إلى تنظيم مؤتمر للتكنولوجيا المالية للتوجه نحو العملات الالكترونية.

سوق العقارات يقود الانهيار أيضاً

قالت مصادر عاملة في سوق العقارات إن انهيارا شديدا يضرب السوق منذ أشهر، وأن حركة البيع والشراء شبه متوقفة، قال أحد العاملين إن بعض العقارات تراجعت أسعارها جزئياً، وقال مهندسون ومقاولون إن مشكلة النشاط العقاري تراجع بشكل مخيف في الفترة القليلة الماضية، ويحتاج تدخل دولة لإعادة إنعاش القطاع.

أدى احتكار محمد علي الحوثي سوق العقارات عبر المنظومة العدلية ووزارة العدل الحوثية إلى ضرب الثقة في هذا السوق، زج الحوثي بالمئات من أمناء تحرير العقارات في السجون ويحاكم في قضيتين مئات الموظفين بتهم التزوير، وفرض جبايات بيع وتوثيق باهظة واحتكر قطاع العمل في بيع العقارات وتوثيقها على عناصر الجماعة، أدت هجمات الأوقاف ولجنة ابو حيدر جحاف العسكرية إلى السيطرة قسراً على عشرات الآلاف من اللبن العقارية بما فيها 64 مدينة سكنية تقريباً.

قال تاجر مواد بناء في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين" إن الحركة متوقفة وإن بعض المحلات أغلقت أبوابها، وأشار إلى أن وقف الحركة لم تنعكس بانخفاض الأسعار، بل ارتفعت بإضافة مصاريف التشغيل والإيجارات على أسعار السلع.

قالت مصادر عاملة في قطاع الملابس بالجملة إن بعض كبار الموردين وتجار الجملة في باب اليمن وباب السلام بصنعاء صاروا يبيعون بأسعار الشراء، ومع ذلك لا توجد حركة تجارية.

أظهر استفتاء في قناة السوق اليمني المفتوح على تليجرام شارك فيه 279 تاجرا عن حركة المواد الغذائية بمناسبة عيد الأضحى الماضي أن السوق كان ضعيفا بنسبة41% بينما توزعت النسبة الباقية بين جيد وجيد جدا والأقل قالوا إنه ممتاز.

هجمات على رجال المال والأعمال

منذ الهدنة التي ابتدأت في أبريل الماضي قتل يوسف حيدر علي الجون رجل أعمال في صنعاء، برصاص مسلح أمام منزله من المسافة صفر. في حجة فرضت المليشيا نظاما صارما على مشتري الذهب من المحلات التجارية تتضمن صورة البطاقة الشخصية وعنوان الإقامة ورقم التلفون وغيرها من الييانات، قبل أن تتراجع عنها بعد إضراب واسع.

وأدى انفلات الأمن إلى تهديدات من مسلحين لرجال أعمال بالقتل في صنعاء دون تحريك ساكن، وهدد آخر بالقتل في سبتمبر الماضي في صنعاء أيضا، وقتل نجل رجل أعمال من إب برصاص حوثيين في منطقة الحوبان، وخطفت المليشيا رجل أعمال كبير من تعز يدعى سلطان شداد، واقتادت رجل أعمال يدعى "قاطن" إلى الزنازين واتهمته بأنه كان يعمل بإعادة إنتاج السلع المنتهية والتزوير في معامل سرية بصنعاء، واقتحمت آلاف المحلات التجارية بعدة حجج آخرها الحملة التي شنتها بعد وفاة أطفال سرطان الدم، التي كشفت عن اختلال رهيب يعانيه سوق الدواء لصالح مهربين يعملون مع قيادة الحوثي وتحت اشرافها وفق وكالة اسوشيتد برس.

انخفاض المساعدات أثرت

قال مصدران عاملان في المنظمات الدولية إن السيولة التي كانت توفرها المنظمات الدولية نقصت بشكل كبير، وأضافا في تصريحات خاصة منفصلة لـ"المصدر أونلاين" أن خطة الاستجابة 2022 تلقت أقل من نصف الاحتياج، وإن معظم المنظمات أغلقت معظم مكاتبها في المحافظات، بعض المنظمات حولت اهتمامها للخارج، كانت السعودية لم تساهم في خطة الاستجابة2022 لكنها عادت وأعلنت عن مساهمة بعد تشكيل المجلس الرئاسي.

قال مصدر إن خطة الاستجابة تلقت 1.3 مليار من احتياج يبلغ 3.8 مليار دولار. قال مستفيدون في عدة محافظات محررة إن برنامج الغذاء العالمي قلص حصصهم بشكل كبير منذ بدء السنة الجارية. 

وأضاف المطلع في صنعاء أن الهدنة أدت إلى توقف اقتصاد الحرب مؤقتا، وأن المصروفات التي كانت تساهم في حركة السوق قد توقفت وأدت لشلل كبير في حركة السوق اليومية. قال مدير في سلسلة مولات تجارية إن إدارة السلسلة التي يعمل فيها بدأت منذ أشهر تسريح أعداد كبيرة من موظفيها، وقلصت أنشطتها، وتوقع هذا المدير إغلاق وبيع مول من سلسلة المولات التجارية التي يزيد عددها عن 3 فروع في الأشهر المقبلة، وتسريح مئات العاملين. 

رغم انتشار أحدث السيارات عند النخبة الاقتصادية الجديدة في صنعاء، نشرت بعض المعارض في صنعاء عن تخفيضات مفاجئة لأول مرة في تاريخ معارض بيع السيارات لمدة شهرين. يشكل القطاع الخاص في اليمن قبل 2014 ما نسبته 70% من حجم الاقتصاد اليمني ويوفر ملايين الوظائف، وفق تقديرات نشرة الغرفة التجارية الصناعية في أمانة العاصمة التي أصدرتها في سبتمبر الماضي.