أهم الأخبار

محمد علي يتصدر الواجهة.. مؤشرات تصاعد الخلاف بين مراكز النفوذ داخل الهرم القيادي لجماعة الحوثي

2023-01-12 الساعة 07:27م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

تتصاعد حدة الصراعات بين القيادات الحوثية، في وقت تتضاعف فيه مظاهر الغضب الشعبي من منظومة الحوثية كليا، ولم تفلح محاولات التهدئة والتصالح لمواجهة الغضب الشعبي، بين طرفين رئيسين متصارعين هما جناح محمد علي الحوثي وجناح أحمد حامد بينما يوفر غياب عبدالملك الحوثي وتوجسه من طموحات محمد علي وقوداً إضافياً للصراع على قيادة الجماعة وفصائلها.

 

 

بداية حادة لجولة جديدة من الصراع

مطلع السنة الجارية، وتحديداً في الثاني من يناير الجاري، حمل محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثي، رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، التابع لأحمد حامد، مسؤولية انهيار الاقتصاد وانعدام الخدمات في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد علي لم يقتصر على تحميل خصومه مسؤولية الانهيار وتأزم الأوضاع الاقتصادية والأمنية، بينما كان خصومه يتهمون التحالف والحكومة بمسؤولية ذلك الانهيار، بل إنه رفض لقاءاً تصالحياً بين مهدي المشاط كممثل عن جناح أحمد حامد، عقد أواخر السنة الماضية في مدينة إب، وتحديداً في جامعة جبلة بالمدينة، دون أي نتيجة.

وقال مصدر خاص في محافظة إب، إن محمد علي الحوثي غادر إب باتجاه ذمار فور اجتماعه مع المشاط، ولم يظهر الرجلان معاً في اجتماع عقده المشاط بقادة الحوثي في محافظات إب وذمار والضالع ولا بجولات المشاط في عدد من المديريات التي يسيطرون عليها.

أكثر من ذلك رفض محمد علي الحوثي بوضوح المشاركة في التظاهرة التي نظمتها المليشيا الجمعة الماضية، ولم يشارك بأي حشد لها، كما لم يدعُ إليها، ولم يشارك فيها وتجاهلها في كل تحركاتها، وهو ما يُفسرُ على أنه محاولة من محمد علي الحوثي لاستثمار الغضب الشعبي لصالحه في حربه على خصومه داخل الجماعة.

 

مصادر قوة محمد علي الحوثي

ينحدر محمد علي عبدالكريم الحوثي من أسرة الحوثي نفسه، وهو من أبناء عم عبدالملك الحوثي، وله علاقات وثيقة بإيران، لكن المعلومات المتصلة بنشاطه قبل سقوط الجمهورية شحيحة.

ظهر محمد علي الحوثي فجأة كأحد أهم القيادات الحوثية الطامحة بالحكم في صنعاء فور سقوط الجمهورية، عبر سلسلة من عمليات الإقتحام للمؤسسات الإيرادية الكبرى في العاصمة صنعاء عام 2014 حيث اقتحم مع عشرات من مسلحي الجماعة مقر إدارة شركة "صافر" الحكومية -أكبر منتج للنفط والغاز في اليمن- وأمر إدارتها بإيقاف كل المصروفات عدا الرواتب ووقف تصدير الغاز.

كما داهم مسلحون حوثيون بقيادته وزارة التربية والتعليم اليمنية، واقتحموا مكتب الوزير في غيابه في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014، وفرضوا على مسؤولي الوزارة تسليم ختم الوزارة لشخص من أتباع جماعة الحوثي ويعمل في الوزارة بدعوى مكافحة الفساد، وتلاها سلسلة من عمليات الاقتحام لمعظم المؤسسات، ورأس أول مؤسسة حوثية ظهرت للعلن بعد سقوط صنعاء باسم لجنة الرقابة الثورية العليا.

وبعد الإعلان الدستوري للحوثي في فبراير2014 رأس محمد علي الحوثي اللجنة الثورية العليا، التي صممت لتكون مرجعية عليا، على غرار مهام المرشد الإيراني من مهامها تشكيل مجلس رئاسة ولجنة أمنية عليا وحكومة، لكنها تحولت بقوة محمد علي الحوثي إلى الحكومة الفعلية للحوثي.

من موقعه في اللجنة الثورية العليا، نشر محمد علي الحوثي مشرفين تابعين له بموجب الإعلان الدستوري الحوثي، في جميع المحافظات والمؤسسات، ولم ينفذ أي بند من الإعلان الدستوري التابع لهم خلال شهرين من إعلانه، سوى تشكيل اللجنة الثورية، وتعيين المشرفين ونشر عناصرهم في جميع المحافظات التي سيطروا عليها بسقوط صنعاء.

عينه المشاط في مارس2019 عضواً في المجلس السياسي الأعلى، ذهبت تقديرات حينها أن القرار تمهيد لترؤسه المجلس السياسي الأعلى، في يوليو من ذات السنة صدر قرار من مهدي المشاط نشرته وكالة سبأ الحوثية بتعيينه عضوا في مجلس الشورى، لكنه لم ينفذ وظل عضوا في المجلس السياسي حتى اليوم.

أسس محمد علي الحوثي سلسلة من الهيئات المستقلة التابعة له، تشمل بنى اقتصادية وعسكرية واستخباراتية وأمنية، مثل المنظومة العدلية، ولجنة السجل العقاري، بالإضافة إلى قطاعات واسعة من اللجان الشعبية الحوثية المسلحة.

يحاول محمد علي الحوثي وفق مراقبين انتهاج سلوك علي محسن صالح، في علاقاته مع القبائل ومع الساخطين من جماعة الحوثي سواءً كانوا أعضاء في الجماعة أو من المتحالفين معهم.

 

أسباب حدة الصراعات مؤخراً

تمثل الهزيمة العسكرية في مأرب وشبوة، ومن ثم الهدنة، والأزمة الاقتصادية أحد أهم أسباب تفجر الصراعات، بالإضافة إلى ذلك، أدى احتكار محمد عبدالسلام فليتة وأحمد حامد لتجارة الوقود، مع تشديد حامد قبضته عبر سلسلة من القرارات على الموارد المركزية إلى إشعال غضب محمد علي الحوثي، الذي فقد الكثير من ميزاته المالية، ودفعه إلى صب السخط على مهدي المشاط، التابع لجناح أحمد حامد، في اجتماعه بذمار.

 

 

أين يقف عبدالملك الحوثي؟

أدى غياب عبدالملك الحوثي عن الواجهة، إلى فتح الأبواب واسعا لمحمد علي الحوثي، وعمل محمد علي الحوثي الذي يكني نفسه بأبي أحمد، بنشاط لتصوير نفسه الزعيم الحوثي الأقرب إلى الشعب من الأسرة. وفي هذا السياق يقول الدكتور علي الذهب " يشكل محمد الحوثي، التحدي الأبرز أمام مشروع الزعامة السياسية لعبد الملك الحوثي، وطموحه الممتد إلى أبنائه، وإخوته، ضمن تحديات خصومه الأساسيين، طرف الحكومة الشرعية". ويضيف "الذهب" في سلسلة تغريدات على حسابه بتويتر عن سياق الصراع بين محمد الحوثي وعبده الحوثي "كلما حضر محمد الحوثي، شعبيا، توارى عبد الملك، إلا من ظهور منقوص، من مكان خارج الواقع".

ويشير الذهب إلى أن الصراع بين الرجلين وصل إلى القطاع العسكري " أدوات الصراع بين الرجلين، لا تقف عند "حرب الظهور" الطاغي لمحمد الحوثي، وفرض "التغييب" بدعوى الأمن لعبد الملك، فثمة صراع غير معلن، حول التشكيلات المسلحة التي لا يزال محمد الحوثي متحكماً فيها، وهي ألوية وكتائب اللجان الشعبية التي تمثل رقما آخر في معادلة قوته؛ إذ ما تزال تعمل مستقلة". رغم قلة الأدلة على هذه المعلومات حتى الآن على الأقل.

وأكد الذهب أن محمد علي نجح في تقديم نفسه أفضل زعيم شعبوي حوثي مقارنة بعبده الحوثي أو بأحمد حامد أو غيرهم من المتنافسين على قيادة الجماعة.

ويفسر الذهب أن زيارة محمد علي إلى إب وتعز تأتي لتعزيز نفوذه شعبيا بين القبائل والسكان، في وقت تتضاءل فيه شعبية الجماعة، ويزداد النقم ضدها، بعد سنوات من عمله النشط في محافظات محيط صنعاء.

وفي هذا السياق قال الباحث اليمني مصطفى الجبزي في تغريدة له قبل أيام "بعد زيارة محمد الحوثي تعز وإب، المشّاط يسير على خطاه ويذهب إلى تعز. كان محمد الحوثي محاطاً بـ"محبين"؛ شعبيته. بينما يتنقل النشاط - محاطا بأبناء صعدة - غير معلوم في مشهد لا يعكس موقعه الرسمي في هرم سلطة الحوثية".

ويفسر الجبزي مقارنة لطبيعة المرافقين للرجلين في الزيارة إلى محافظتي تعز وإب بأنهما تعكسان صوراً رمزية لمن يحكم فعلا، وللنوايا القادمة بين الطرفين.

وتعليقاً على زيارات محمد علي الحوثي وتنقله بنشاط قال "الجبزي" نهاية ديسمبر الماضي: "إن محمد على الحوثي يجعل من عبد الملك زعيما روحياً غائبا عاجزًا عن الحكم وبلا خبرة ميدانية ولا قدرة اتصال ولا علاقات".

ويضيف الجبزي "محمد الحوثي أقدر على المناورة الإعلامية ويريد أن يكون كيانا داخل الكيان الحوثي كما هي الحوثية كيان داخل شبه أو نصف الدولة التي ورثوها".

ويرى الجبزي أن الشروط الضرورية لنجاح طموحات محمد علي تقوم على إزاحة منافسيه وخصومه؛ "وبقاؤه ونجاح مسلكه الإعلامي في الظهور لا يكون إلا بإزاحة خصومه الأقربين لعبد الملك أولاً (تصفيات، قتل، استشهاد، غياب…) أو من خلال أزمات اجتماعية، يتحرك لمعالجتها بطريقته ويرفع رصيده محلياً حتى يصبح هو الدولة الحوثية".

 

لكن مخاطر جمة تواجه محمد علي وفق الجبزي: "حضوره المفرط الذي يكلل باحترافية في تعظيم شعبيته على حساب مرجعية عبد الملك الروحية يضعه في قلب الصراع الداخلي الخطر. يسعى منافسو محمد الحوثي للتغطية بشخصية عبد الملك والمبالغة العلنية في إبراز حبهم له وتعظيمه وتأليهه ليحظوا بموافقته وهكذا يستمدون شرعية منافستهم". وتوقع الجبزي أن يتحول الصراع بينهما إلى دموي في المستقبل.

وبناء على هذا الصراع يمكن تتبع دلائل كثيرة يلحظ من خلالها المتابع أن أي نشاط في أي مؤسسة رسمية سواء في صنعاء أو في المحافظات الأخرى يقوم بها محمد علي الحوثي، سرعان ما يلحقه أحمد حامد، وقد برزت في صنعاء من خلال الزيارات المتكررة لمجموعة من الوزارات والمؤسسات العامة، بالإضافة إلى الزيارات المتلاحقة التي يقومون بها لعدة محافظات مثل إب وذمار والأجزاء الواقعة نحن سيطرة الجماعة في الضالع وتعز.

 

تأثير طموحات محمد علي المفاوضات والهدنة:

ذهبت تحليلات إلى أن الانقسام الحاد بين جناح محمد علي الحوثي وجناح عبدالملك، أحمد حامد، مهدي المشاط، قد تؤثر سلباً على المفاوضات السعودية الحوثية المنفردة، إذ أن المستفيد من الهدنة السابقة جماعة النفط والثروة في الجماعة التي يديرها الجناح الثلاثي وشبكتهم المالية والنفطية والمصرفية، بينما تقلصت فوائد أجنحة محمد علي الحوثي من عوائد مالية مباشرة، خصوصا مع ركود سوق العقارات في صنعاء مصدر الثروة الرئيس له. وتعزز هذه التوجهات هو تركيز جناح عبدالملك الحوثي وأحمد حامد ومهدي المشاط ومعهم في الشبكة محمد عبدالسلام على النفط كقضية رئيسية، إلى درجة يمكن أن يستحقوا فيها وصف "جماعة النفط".

بينما قالت مجموعة الأزمات الدولية إن مضي مدة من انتهاء الهدنة وعدم العودة إلى الحرب وشن الحوثي هجوما على مأرب يفسر على أنه خلافات بين القادة العسكريين الحوثيين.

كما أن محمد علي الحوثي قد يتحول إلى معرقل للمفاوضات الثنائية بين الحوثي والسعودية، خاصة أن علاقاته بشخصيات خارج الجماعة ممن لهم صلات مع الأمريكيين جيدة، مثل جلال الرويشان، وبالتالي فإن الرجل قد يعارض أي صفقة بين جماعة النفط والسعودية، لا تؤسس لمصالحه.

 

تأثير الصراع على وحدة جماعة الحوثي:

أدى الصراع الشرس بين قادة الجماعة الحوثية إلى انتشار سلسلة من الهجمات المتبادلة بين قيادات الطرفين وعبر أتباعهما، إذ يمكن الربط بين ازدياد الغضب الشعبي ضد الجماعة وتسريب معلومات هائلة عن فساد بعض القطاعات الحوثية، مثل مصلحة الضرائب والجمارك والوقود والنقل والعقارات وبين تنافس القيادات الحوثية، وفق عدة تقارير محلية.

وقال ناشطون حوثيون على وسائل التواصل الاجتماعي إن الاعتقالات والخطف الحوثية التي حدثت لبعض رواد وسائل التواصل قام بها أحمد حامد. شملت عمليات الخطف أحمد حجر ومصطفى المومري وأحمد علاو وغيرهم من أبرز الناشطين المصنفين على أنهم من مجموعة محمد علي الحوثي. كما قادت إلى ظهور ناشطين حوثيين أو قريبين من الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون باستمرار خصومات وقضايا فساد ارتكبها كل من محمد علي الحوثي وأحمد حامد مثل أحمد عبدالرحمن مراسل الميادين، وخليل العمري مراسل قناة المنار، وعبدالرحمن الجرموزي شاعر حوثي، ومحمد الشهاري وغيرهم.

 

إلى ذلك اعترف الحوثي بوجود طموحات شخصية بين أتباعه يريدون وظائف ووزارات ومحافظات مكافأة لهم، وقال إن ذلك يسبب وضعاً مزرياً لجماعته ولمؤسسات الدولة في مناطق سيطرته، وخشية حقيقية من انقسامات الجبهة الداخلية.

وتشمل الانقسامات وفق مصدر مطلع تحدث لـ"المصدر أونلاين" تقاسم مشايخ القبائل بين الطرفين، فبينما يسعى محمد علي الحوثي بنشاط لتعزيز شعبيته، هناك مشايخ بدأوا يتحرجون ويخشون على مصالحهم من الانضمام لهذا الطرف أو ذاك.

كما أدى هذا التنافس إلى نشوء تكتلات حوثية خارج سياق الطرفين، مثل عبدالله يحيى الرزامي الذي حول نفوذه في العاصمة صنعاء إلى ما يشبه جماعة مستقلة تعمل اسميا تحت قيادة عبدالملك لكنها فعليا تسعى لبناء جماعة اقتصادية عسكرية خاصة بها. وتشير وثائق حصل عليها "المصدر أونلاين" إلى أن عبدالله الرزامي صار قاضيا في مئات النزاعات الخاصة به، ولديه لجنة شكاوي ومكتب قضاء مستقل، يتدخل في قضايا بمليارات الريالات وملايين الدولارات.

كما أدى الصراع بين قيادات الجماعة إلى زيادة حالات تمرد غير مباشرة على عبدالملك الحوثي نفسه، إذ أن معظم التوجيهات التي يلقيها مثل محاضرات يعرفها الحوثي "بعهد علي للأشتر" وسلسلة من المحاضرات في عدد من الفعاليات الدينية الحوثية، لم تترجم إلى أفعال على الأرض. كما أدت تلك الصراعات إلى زيادة عدد الشكاوى الواصلة إلى مكتب عبدالملك الحوثي للفصل فيها، ومع عجز الأخير عن حلها لجأت بعض الجماعات إلى انتهاج خيارات خاصة بها. ففي ديسمبر الماضي قالت مجموعة من أتباع القيادي الحوثي إسماعيل عبدالقادر سفيان -الذي قضى بصراع داخلي في إب ضد عبدالحافظ السقاف قبل ثلاث سنوات – إنها لن تتنازل عن مطالبها الخاصة بالقصاص من خصمها عبدالحافظ السقاف، وعقدت اجتماعا لبني سفيان في محافظات ذمار وإب وتعز ولحج والضالع في ديسمبر لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وقالت الجماعة في سبتمبر الماضي إن محاولة عبدالملك الحوثي حل الصلح ودياً بينهم وبين خصومهم قد فشلت، وأشارت إلى أن عبدالملك حاول الصلح بينهما بالأعراف القبلية، لكنها رفضت، وقالت إن الحوثي نفسه لم يجبرهم على خيار معين، وأنهم ماضون في طريق القصاص اللازم بكافة الوسائل المشروعة، إن قامت الدولة بواجبها، أو سيقومون بها وفق الأعراف القبلية إن تخلت عنهم.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص