أهم الأخبار

ما الذي يعنيه الانكشاف الأحدث للتخادم الحوثي مع القاعدة؟

2023-02-20 الساعة 10:31م (يمن سكاي - عدنان الجبرني)

الوقائع الجديدة للتخادم الحوثي مع القاعدة، عبر تبادل العناصر المحتجزين لدى الطرفين، وإعلان القاعدة لذلك، تسببت في إحراج الحوثي الذي اضطر للاعتراف المُرتبك يوم أمس بعد سنوات من محاولات إخفاء تلك العلاقة.

هذا الانكشاف الأحدث، والذي تزامن مع تصريحات رئيس مجلس القيادة د. رشاد العليمي من ميونخ بأن الحكومة تملك أدلة موثقة بشأن التخادم الحوثي مع التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى ما يجري في بعض المحافظات المحررة من "مسرَحَة" لمفهوم الحرب على الإرهاب من قبل طرف معين، يُجدّد التأكيد على أنه ليس هناك أي حرب فعلية قائمة ضد القاعدة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، والحاصل هو أن أقصى ما تقوم به تلك الأطراف هو دفع عناصر التنظيم رغَباً ورَهَباً نحو محافظات حضرموت ومأرب والمهرة لأهداف سياسية وكيدية، بل ويوفرون لهم المساعدة اللوجستية لتوجيهم نحو مناطق سيطرة الدولة اليمنية وبالقرب من الحدود مع السعودية؛ يساندهم في ذلك ضعف وانحسار التنظيمات المتطرفة وبعض قياداتها التي تلتقي مع تلك الأطراف في هدف مشترك يتمثل بمنع بسط سلطة الدولة ومؤسساتها.

وتواجه السلطات المحلية والأجهزة الأمنية في مأرب وحضرموت والمهرة تحدياً هائلاً وضاغطاً في مواجهة هذا الملف، وتتعامل معه الأجهزة الرسمية بجدية كدولة تحترم التزاماتها وتحافظ على أمنها ومواطنيها، والأهم، بدون استغلال دعائي في الاعلام.

تعرف الحكومة اليمنية، ونظيراتها المهتمة بمحاربة الإرهاب، التفاصيل وتعرف حقيقة ما يجري، من خلال الأجهزة الاستخباراتية وبمعلومات مستمرة وموثقة، خاصة بعد ان اُستغل هذا الملف قبل سنوات وارتكبت أخطاء من جهات دولية باتهامات اتضح لاحقاً أنها كيدية ولم تكن دقيقة، وبدأ العمل على مراجعتها، ونتيجة لذلك تم إزالة اسم المسؤول اليمني نايف القيسي في اكتوبر ٢٠٢٢، وهناك أسماء أخرى تأكد زيف التقارير ضدها ويجرى العمل على إزالتها.

 

وطبقاً لمعلومات فقد سبق وأن قدمت الأجهزة الاستخباراتية في الحكومة اليمنية خلال الأعوام الماضية أدلة مُثبتة بشأن استخدام تلك الاطراف هذا الملف للمزايدة، والتخادم الوثيق بينها وبين التنظيمات الإرهابية، وبات معروفاً - نخبويا وشعبيا- أن الأطراف التي تُزايد بهذه التهمة وترمي بها خصومها بشكل مستمر هو بهدف التغطية على ما تقوم به مع تلك الجماعات.

 

ملف "القاعدة" واحد من التحديات المرهقة للدولة اليمنية بحمولاتها منذ عقود، كانت اليمن ولا تزال تفتقد الى استراتيجية وطنية تعالج هذه الظاهرة بشكل جاد ومهني ومنهجي، ولعل أولى هذه الخطوات هو التوقف عن استغلال هذا الملف بدوافع سياسية، وثانياً؛ التعامل مع الجماعات الإرهابية بنفس المنهجية الصارمة التي تقتضي من ضمن ما تقتضيه النظر لتهديدات الأمن الدولي والبحري والطاقة والعمليات الانتحارية بنفس الخطورة ونفس التعامل ورد الفعل، ذلك أن تدليل الارهاب الحوثي والتغاضي عنه من قبل دول كبرى والذي يقابله تشجيع للاستغلال المسرحي والكيد السياسي لملف الارهاب، إضافة إلى تجاهل بل وإضعاف المؤسسة الأمنية الرسمية للدولة اليمنية من قبل دول تدعي أنها وكيلة أو شريكة في محاربة الإرهاب.. كل ذلك تشجيع للإرهاب وتخصيب لبيئته، وتفخيخ لمستقبل اليمن.

نعرف ونتذكر جميعا كيف استغل الحوثي لافتة الإرهاب لتجنب أي رد فعل للمجتمع الدولي خلال اجتياح صنعاء وما بعده، ونتذكر جيدا التواطؤ الدولي المخزي آنذاك، وبالمقابل نرى اليوم كيف أن مليشيا الحوثي الآن هي من يغذي القاعدة وكيف ان الحوثيين رفدوا التنظيم بأكثر من 400 عنصراً تم إطلاقهم من سجون الدولة بعد الانقلاب، بحسب إحصائية تقريبية لمركز صنعاء للدراسات، لكي يعيدوا انتشارهم في المحافظات المحررة في وقت كان "القاعدة" يواجه أسوأ فتراته ويعاني من عدم قدرته على جذب مُجندين جدد في المحافظات المحررة في جنوب ووسط البلاد.

وأيضا، نُشاهد جميعا هذه الايام، كيف يستغل طرف ما هذه اليافطة، بكل ما أصبحت عليه، كغطاء للعمل المُبطّن والمسلح ضد الدولة وتحرك تلك القوى في بعض المحافظات لمنع استقرار المجلس الرئاسي وتحقيق استحقاقات تشكيله، بل وترفض قرارات رئيسه بوقف أي أعمال خارج إطار الدولة، حتى تستوفي ترتيباتها وشروط نجاحها، كل ذلك مصحوب بدعاية فاقعة تفتقر للخيال والصَّنعة ضد قوى ومحافظات وشخصيات يمنية، هي أبعد ما تكون عن هذا الملف، بل إن اعتساف التهم ضدها في الإعلام الممول يتم لمجرد الاختلاف في الرأي تجاه بعض القضايا.

ومن الجدير بالذكر أن القاعدة مر بمراحل مختلفة خلال سنوات الحرب، وقتل أبرز قادته واعتقل الآخرون، وهو ما أفرز قيادات جديدة سببت انقسامات داخل ما تبقى من التنظيم، وباتت تتعاون بشكل انتهازي مع نظرائها أو مستغليها من القوى التي لا تريد بسط سلطة الدولة، كون ضعف الدولة والانقسام الحالي يمثل مصلحة وفرصة للقاعدة، بتواطؤ مشترك ومُنسق في بعض الملفات، ولذلك كنا نرى ميليشيا الحوثي تزوّر بيانات باسم القاعدة وداعش أثناء هجومها على مارب قبل عامين، وباتفاق ضمني تصمت تلك التنظيمات عن النفي لتتيح المجال للدعاية الحوثية لتحقيق مراميها المكشوفة والخائبة.

ولذلك، عند الحديث عن الإرهاب، علينا التفريق بين شيئين؛ الأول، على الواقع، وهذا تقوم به الأجهزة الامنية الرسمية سواء المركزية او أجهزة الشرطة في المحافظات وفي حدود إمكاناتها، وفي إطار محدود من التعاون مع بعض الجهات الشريكة، والثاني الاستغلال الدعائي الذي تقوم به إيران ومليشياتها في المنطقة والحوثيون في مقدمة تلك المليشيات، وأيضاً ما تقوم به بعض الجهات الإقليمية المدعومة دوليا من عمليات شكلية وبمنهجية غير سليمة تهدف في جزء كبير منها إلى توفير مستند للدعاية ولتحقيق أهداف سياسية بذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، وهذا النوع نتيجته خطرة في تغذية الارهاب، وغير مأمون بالنسبة لمن يتبناه بلا شك.

 

إن كل ما سبق يقودنا إلى حقيقة مفادها أن محاربة الارهاب، في حالة انحسار وضعف الدول، لا يكون عبر كيانات دون وطنية وإنما من خلال دعم وإسناد مؤسسات الدولة الرسمية، وفرض قوتها في كامل الجغرافيا المحررة كقطاع أمني موحد ومهني انطلاقا من العاصمة المؤقتة عدن لتقوم بمسؤولياتها الحصرية في هذا الملف وغيره، كما ينبغي التوقف عن إضعاف وارباك الحكومة ودمج الأجهزة الموازية، بحيث تكون قادرة على كسر أيادي الإرهاب بما في ذلك يد الإرهاب الحوثي كمصدر مباشر وغير مباشر للإرهاب بكل أشكاله.

 

* المصدر اونلاين

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص