2024-03-20 الساعة 09:14م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
رغم تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وانعكاساتها الكبيرة على أبناء محافظة إب، وبقية المحافظات اليمنية، إلا أن سكان المحافظة الواقعة وسط اليمن، يتشبثون بالأجواء الرمضانية بكل الوسائل الممكنة للحفاظ على طقوسهم المعتادة والمتوارثة كابرا عن كابر.
رمضان في إب، له سمات وألوان مختلفة تشابه ألوان الطيف بتشكيلاتها المتعددة والتي تضفي جمالا روحانيا فوق جمال المدينة الرباني الذي وضعته يد الرحمن كبساط ومروج خضراء في كل وادٍ وجبل ومنعطف وسهل، فكما هي الطبيعة خلابة تمثل انعكاسا لجماليات أرواح بشرية تزداد ألقا وجمالا في شهر الخير والبر والقربات بمختلف أنواع الطاعات.
استعداداً لقدوم شهر رمضان تتجهز مساجد المدينة باكراً، حيث يجري لدى البعض تغيير في فراش المسجد واستبداله بجديد، والبعض يقوم بالتنظيف وتغسيل الفراش القديم في حال تعذر الجديد، وإصلاح أي خراب طرأ على المسجد وإظهاره بمظهر يتناسب مع فرحة الناس بقدوم الشهر الفضيل، لتكون مع رمضان أكثر بهجة وزينة خصوصا حين تمتلئ بالمصلين في جميع أوقات الصلاة وبشكل لافت في صلاتي العشاء والتراويح التي تجمع المصلين نساء ورجالا.
وأنت تتنقل في مساجد المدينة التي تكتظ بالمصلين، تسمع أصوات المصلين كدوي النحل ترتل القرآن، فترى كبار السن يحجزون أماكن الجلوس خلف عمدان المسجد كون سنهم لا يتحمل الجلوس كالشباب، ومن مصاحفهم الكبيرة الراسية على كراسيها الخاصة يتلون أجزاء من القرآن، فيما تجد الشبان والأطفال في زوايا المساجد وباحاتها وآخرين يدورون مشيا داخل المسجد تصدح ألسنتهم بالقرآن، فترى المساجد خلايا نحل وأصوات صادحة بالقرآن.
ومع قبيل المغرب، يتوافد الناس إلى المساجد لأداء صلاة المغرب، يصطحب الميسورين منهم وجبات وموائد خاصة بالإفطار، وهناك يجد الكثير من زائري المدينة، ممن ليس لهم أحد فيها فرصة في المساجد لتناول الفطور، حيث يقابله الأهالي بكرم باذخ، ومن يزور مساجد إب في رمضان ويزور مساجد مدن أخرى حتما سيجد الفرق الكبير.
وحين تتنقل بين أحياء مدينة إب مركز المحافظة، وخصوصا المدينة القديمة بمديرية المشنة، تجد روحا مغايرة ونفسا رمضانيا يفوح من البيوت والأزقة وألسنة الناس، ولذا فإن أبناء إب المغتربين كثيراً ما تستهويهم مدينتهم ويعودون لها في الشهر الكريم، لزيارة أسرهم وقضاء رمضان معهم، والاستمتاع بخضرة مدينتهم "اللواء الأخضر".
ومع دخول أيام شهر رمضان الأولى يبدأ بعض التجار والمغتربين بتوزيع صدقاتهم للأسر المعوزة خفية من سلطة الميليشيا، خصوصا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
النساء في رمضان
تستعد نساء إب لرمضان قبيل دخوله، بشراء أدوات المائدة الرمضانية من كؤوس وصحون وأدوات ومواد مختلفة، وفي رمضان يكن الأكثر تعباً، يبدأ عملهن الرمضاني من بعد صلاة الظهر بتجهيز وإعداد وجبات الإفطار والعشاء، خصوصا وأنه غالباً ما سيكون لديهن ضيوف في المنزل، وإن تراجعت هذه الظاهرة خلال السنوات الماضية عمّا كانت عليه بفعل الأوضاع في البلاد.
وقبل أذان المغرب يتم تبادل المأكولات بين الجيران، فترى الأطفال يعبرون الأزقة حاملين الأطباق المغطاة، كعنوان للإخاء بين أفراد المجتمع.
ووجبة الإفطار، تنقسم في إب لوجبتين رئيسيتين، الأول وقت الإفطار مع أذان المغرب، وفيها المأكولات المتعارف عليها محلياً كالشفوت والسمبوسة والتمر والقهوة والبطاط المسلوق والسحاوق، مع الفلفل الحار يُعصر ويُخلط مع الطماطم والثوم والكزبرة، بالإضافة إلى "الخَلِمة".
الخَلِمة
والخَلِمة، واحدة من الوجبات الرئيسية في إب وهي أكلة شعبية، تقدم مع مائدة الإفطار، ولا تكاد بيت أو أسرة في إب يغيب عن مائدتها الرمضانية، وهي عبارة عن عصيد تقرص وتدخل الفرن وتصبح كأقراص دائرية سميكة تقدم مع "الوزف" الذي هو عبارة عن سمك السلمون الصغير يحمص ويطحن، إضافة إلى الجبن البلدي، وفي بعض قرى إب تقدم الخَلِمة مع "الزوم"، وتعتبر وجبة أساسية في الإفطار إلى جانب شربة القمح المجروش أو شربة العدس.
وعقب صلاة المغرب، تقدم وجبة العَشاء، وتتكون عادة من الهريش أو العصيد، المرق، السلتة، الرز، اللحم، والشعيرية، المكرونة، السلطة، العصير، ليأتي بعد ذلك دور الحلويات كالبسبوسة أو الرواني وهي من أشهى الحلويات وأشهرها في رمضان بعد وجبة العشاء.
مساجد تكتظ بالتراويح
تزدحم مساجد إب بالمصلين في صلاة التراويح، رغم القيود التي تفرضها سلطة ميليشيا الحوثي على القائمين على المساجد والتي تهدف لمضايقة المصلين ودفعهم لترك التراويح، بحجة الإفساح لكلمة زعيم الميليشيا التي تبث كل ليلة عند التاسعة، وهو التوقيت الذي تعمدت الميليشيا اختياره للتأثير على التراويح وفق كثير من المواطنين.
ليالي رمضان
لليالي رمضان في إب مذاق آخر، يقول الكاتب والأديب عبدالحفيظ العمري، متحدثاً عنها في بصفحته على فيسبوك: "من الطقوس التي كانت في رمضان بإب "تحزيب" القرآن الكريم، والتحزيب يعني أن يجلس جَمْع من الناس في حلقة داخل المسجد ويقرأ كلّ واحد منهم من مصحفه ثلاث آيات والباقي يستمعون، ثم يقرأ التالي ثلاث آيات وهكذا دواليك، حتى يكملوا "حزب" من القرآن، والحزب نصف جزء، يزيد ذلك أو ينقص، (ويمضي ذلك كل ليلة) حتى يكملوا المصحف كاملاً مع انتهاء الشهر الكريم، ثم بعد ذلك ينصرفون إلى بيوتهم لتناول القات".
العمري أضاف: "ومع ذلك لم تكن البيوت خالية من الذكر، بل كانت "الموالد" الصوفية تملأ البيوت في إب، إذ يجتمع لها الناس في ليالي الشهر الكريم، ولعل عادة "الوُتْرِيّة" لا تزال حاضرة في تلك البيوت إلى اليوم".
وأوضح أن "الوُتْرِيّة" عبارة عن مجلس يذكرُ الناس فيه سيرة النبي عليه الصلاة والسلام على شكل قصيدة طويلة (قد تكون البُردة أو غيرها)، وفي رابع كلّ بيت من القصيدة يصلّون بصوت جماعي على النبي الكريم..
مجالس تصيبها سهام المليشيا
وفي أرياف إب تجد المجالس الجماعية وحلقات الذكر التي تبدأ في مجلس القرية أو لدى أي شخص يمتلك في منزله مجلسا واسعا، وهناك ترى غالبية أهل القرية أو المنطقة، حيث تلقى بعض المواعظ والكلمات الدينية، غير أن هذه المجالس تأثرت خلال السنوات الماضية، مع محاولة مليشيا الحوثي استغلالها لصالحها أو منع بعضها أو توجيه تهم معينة لمن يقف خلفها خصوصا وأن المليشيا تستغل رمضان لنشر أفكارها ومعتقداتها الطائفية.
الحلقات القرآنية والمسابقات الرمضانية في المساجد والمجالس، كانت سمة وثقافة منتشرة في جميع مديريات المحافظة، وكانت الأسمار الرمضانية الكبيرة تتنقل من مكان لآخر، لتجعل من رمضان مناسبة للذكر والثقافة والدعوة والتقاء الناس، غير أن الانقلاب والحرب أثرا على ذلك أيضاً بشكل كبير، حتى كادت المسابقات أن تختفي وبدرجة أقل الحلقات القرآنية التي تقاوم معاول المليشيا التي تسعى لإخفائها.
ومما أثر على تلك المجالس وعلى روحانية الشهر الكريم ككل، آثار وتبعات التكنولوجيا والتي أثرت بشكل واضح على جيل الشباب، فتجد بعضهم حتى وإن حضر المجالس أو خالط المجتمع تظل يده ممسكة بهاتفه الخلوي الذي صار أكثر تأثيرا من أي وسيلة أخرى، في الوقت الذي لا يزال بعض التأثير لوسائل الإعلام المرئية.
وحيث تولي وجهك في شوارع مدينة إب تجد عشرات الشبان يمارسون الرياضة بأنشطتها المختلفة (أغلبها السلة، القدم) في شوارع المدينة وأزقتها بالإضافة الى أماكن اللعب المخصصة لها.