أهم الأخبار

من "ابو خرفشة" إلى المشاط.. المسار الأكاديمي كوسيلة لترميم صورة قادة مليشيا الحوثي وتسويق مشروعها

2025-02-27 الساعة 04:38م

في 18 فبراير 2025، أعلن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى (السلطة التابعة للحوثيين)، عن مناقشة رسالة ماجستير في قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، لكن المفاجأة لم تكن في موضوع الرسالة نفسه، بل في اختيار مكان المناقشة: القصر الجمهوري، رمز السلطة السياسية للحوثيين، بدلاً من قاعات الجامعة التي يفترض أن تكون فضاءً محايدًا للمعرفة.

هذا القرار، الذي وصفه أساتذة بقسم العلوم السياسية بالجامعة، بـ"الخرق الأكاديمي الواضح"، لم يكن حدثًا عابرًا أو خطأً إجرائيًا، بل تجسيدًا لاستراتيجية حوثية متعمدة تهدف إلى تسخير المؤسسات الأكاديمية لخدمة أهدافهم السياسية والأيديولوجية. الرسالة، التي حملت عنوان "ثورة 21 سبتمبر وأثرها على اليمن والمنطقة العربية"، لم تكن مجرد عمل أكاديمي، بل محاولة لإعادة تأطير استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 - وهو جريمة بنظر الشعب وإسقاط كامل للجمهورية بكل منظوماتها - كثورة مشروعة ذات تأثيرات إيجابية على المستويين المحلي والإقليمي.

هذا الحدث لم يكن عملاً مفرداً، بل حلقة في سلسلة طويلة من مظاهر العبث الذي طال المؤسسات الأكاديمية وفي مقدمتها جامعة صنعاء (كبرى الجامعات اليمنية) فقد سبقه قادة حوثيون آخرون للبسط على شهادات أكاديمية ودرجات علمية واستخدامها كنياشين ورتب للتغطية على عقدة النقص التي يشعر بها قادة جماعة الحوثيين، ،محاولة التخلص من نظرة الإزدراء المجتمعية لهم ك"جهلة قدموا من الجبال"، وفي نفس الوقت شرعنة وجودهم في رأس هرم مؤسسات الدولة التي تولوها دون أي مؤهلات علمية أو خبرة عملية.

ومن خلال مراجعة أخبار الفعاليات الأكاديمية في جامعة صنعاء اتضح أنه قد سبق لذات الفعل عبد المحسن الطاووس، وهو قيادي بارز في الجماعة حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من نفس القسم قبل أسابيع فقط في 2025، وقاسم الحمران، نائب وزير الإدارة المحلية، الذي نال درجة الدكتوراه من كلية الآداب في 22 فبراير 2022، وكلاهما حظي بتقديرات عليا تثير تساؤلات حول نزاهة العملية الأكاديمية تحت سيطرة الجماعة.

وضمن الهجمة الجماعية من قيادات مليشيا الحوثي للبسط على الدرجات الأكاديمية حصل القيادي الحوثي نايف عبدالله أبو خرفشة، على ماجستير بامتياز في دراسة مخطوطة "الإرشاد الهادي" لعبد الكريم أبو طالب (1309هـ)، وهي نصوص دينية تدعم السردية الإمامية، وأحمد يحيى راصع، رئيس مؤسسة الثورة للصحافة ومحرر صحيفة حوثية، الذي حصل على ماجستير بامتياز في تفسير ديني لعبد الله الشرفي (1062هـ)، معززًا ثقافة أهل البيت التي تشكل جوهر الفكر الحوثي.

وبالتوازي مع محاولة قيادات الجماعة ترميم صورتهم أمام المجتمع من خلال الشهادات الأكاديمية المسلوقة، فإنها قد رأت أنه يمكن استخدام المؤسسات الأكاديمية كوسيلة لتسويق مشروعها ومحاولة شرعنته وتحسين صورته أمام حالة الرفض المجتمعي والسياسي. وبالتالي فقد ظهرت عشرات الأطروحات التي نوقشت كرسائل ماجستير ودكتوراه في جامعات يمنية من قبل عناصر الجماعة كلها تصب في محاولة تعزيز السردية الحوثية.

قبل فترة ناقشت كلية الإعلام بجامعة صنعاء رسالة للباحثة ميثاق صالح عبد الله الصعدي، بعنوان "الصورة الذهنية لأنصار الله بعد 21 سبتمبر"، وهي دراسة مسحية تهدف إلى تلميع صورة الجماعة بعد انقلابها، وحصلت بموجبها على ماجستير في الإعلام بتقدير ممتاز. وأخرى تدعى إيمان علي مقبل مانع، التي نالت دكتوراه بامتياز عن "تاريخ جحاف 1681-1818"، وهي فترة تاريخية تُبرز دور الإمامة في اليمن.

شخص يدعى فايز بطاح عينته الجماعة مسؤولاً أكاديمياً في جامعة صنعاء معنياً بمراجعة وإقرار عناوين الأطروحات المقدمة لنيل الشهادات العليا، ومؤخراً ظهر معتلياً منصة البحث ليناقش رسالة علمية لنيل درجة الماجستير عن رسالة بعنوان "لآلي الفرائد وجواهر الفوائد وبغية الطالب وضالة الناشد في الرد على الفقيه صالح المقبلي ومن ضاهاه، للإمام محمد بن عبدالله الوزير من بداية المخطوط إلى نهاية اللوح 112- دراسة وتحقيق" إلا أن هذه الرسالة تحمل إشارة إلى مجموعة من الرسائل التي صبت في ذات الغرض وهو استغلال الجامعات اليمنية لتمجيد وتبجيل تراث أئمة المذهب الزيدي في اليمن وتحسين صورة العصور المظلمة للإمامة.

هذه الأمثلة ليست حالات فردية، بل نموذج لعشرات الحالات التي تكشف عن أن المليشيا التي تسيطر على صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد منذ عشر سنوات دهست كل المعايير والتقاليد الأكاديمية وحولت المؤسسات الأكاديمية الواقعة في مناطق سيطرتها وفي مقدمتها جامعة صنعاء إلى منبر متكامل لتصدير الإمامة والثقافة الحوثية، من القادة إلى القاعدة الطلابية. لكن هذا التحول ليس مجرد نتيجة للرسائل الأكاديمية، بل جزء من هجوم شامل على الجامعة يستهدف هيكلها الإداري، مواردها المالية، واستقلالها الفكري، كما تكشف سلسلة هجمات بدأت في 2016 واستمرت حتى 2024، مما يعكس نية واضحة لإخضاع واحدة من أبرز المؤسسات التعليمية في اليمن لسيطرتهم الكاملة.

الهجوم الحوثي على جامعة صنعاء، كما توثقه السجلات الممتدة منذ 2016 وحتى 2024، يتجاوز الجوانب الأكاديمية البحتة إلى استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل السيطرة الإدارية، الاستنزاف المالي، التلاعب بالمناهج والاستقلال الأكاديمي، والاستبدال الثقافي، بدعم إيراني واضح يعكس طموحًا لنقل النموذج الإيراني إلى اليمن. بدأ هذا الهجوم في 22 مارس 2016، عندما عزلت مليشيا الحوثي القيادة الشرعية للجامعة، بما في ذلك رئيسها المنتخب ومجلسها الأكاديمي، واستبدلتهم بفوزي الصغير كرئيس موالٍ يتبع تعليمات الجماعة مباشرة، وهو قرار تبعه تعيين القاسم عباس في 2021 كجزء من استمرارية هذه السياسة.

في مارس 2021، طردت المليشيا 41 أستاذًا جامعيًا من مساكنهم داخل الحرم الجامعي، وهي مساكن كانت مخصصة لأعضاء هيئة التدريس منذ تأسيس الجامعة في سبعينيات القرن الماضي، وحلت محلهم عناصر موالية لها، مما يظهر استهدافًا متعمدًا للكوادر الأكاديمية غير الموالية التي كانت تشكل العمود الفقري للجامعة.

في أكتوبر 2018 قال بيان صادر عن نقابة هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء إن مليشيا الحوثي فصلت أكثر من 160 أستاذا من الجامعة دون وجه حق لتوظيف حوثيين بدلا عنهم.

تشير تقارير أخرى إلى أنه خلال ثلاث سنوات فقط بين 2015-2018 عينت المليشيا أكثر من 300 عضوا في هيئة التدريس من أنصارها.

الاستراتيجية الحوثية لإعادة إنتاج جامعة صنعاء لم تقتصر على الفصل والإحلال فقط، بل وصلت إلى تغيير المناهج الجامعية وإرسال الأساتذة إلى دورات ثقافية إلزامية ودورات عسكرية أيضا.

لم يكتفوا بتغيير الأفراد، بل أنشأوا هيئات موازية مثل "ملتقى الطالب الجامعي"، وهي منظمة طلابية تابعة للحوثيين تتحكم في الأنشطة الثقافية والاجتماعية داخل الجامعة، و"المشرفين الثقافيين"، وهي لجان تابعة للجماعة تشرف على الرسائل الأكاديمية وتضمن توافقها مع رؤية الحوثيين، مشروطين موافقتهم على كل نشاط تعليمي أو بحثي، مما قضى على أي بقايا للاستقلال الإداري الذي كانت تتمتع به الجامعة في السابق.

يعمل الملتقى الطلابي الحوثي إلى إجبار الطلبة على حضور الفعاليات الحوثية والتجسس على الطلبة والطالبات.

كما يعمل الملتقى أيضا الذي يشرف عليه أحمد حامد على قرارات تمس العملية التعليمية، واتخذ الملتقى عدة قرارات بحق الجامعة منها تخصيص ثلاثة أيام للدراسة للطلاب الذكور وثلاثة أيام أخرى للطالبات فقط.

هناك مؤسسة حوثية ثالثة تسمى نادي الخريجين تعمل أيضا على التحكم الشامل بكل تفاصيل حفلات التخرج وفرض جبايات وابتزاز وسيطرة على كل أنشطة التخرج.

في 2016 فور تغيير رئاسة الجامعة الشرعية بجامعة صنعاء زار القائم بأعمال السفارة الإيرانية مرتضى عابدين وافتتح قسم اللغة الفارسية، وأغلق مع فوزي الصغير رئيس الجامعة حينها عدة أقسام علمية.

إعادة الهندسة الحوثية لجامعة صنعاء ووظيفتها يمتد من الإشراف الحوثي التام على رسائل الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه وإشراف مشرفهم الثقافي عليها فائز البطاح دون أي قانون ودون أن يكون قد نال درجة الماجستير أو الدكتوراه ويمتد إلى مغريات يقدمها قسم اللغات الفارسية تشمل تقديم أدوات علمية لطلاب المستوى الأول، ثم رحلة إلى إيران بعد المستوى الثاني، وإمكانية مواصلة الدراسات العليا في إيران على حساب السفارة.

يعتقد مصطفى الجبزي الكاتب اليمني أن الحوثي يحاول إعادة توظيف الدراسة في جامعة صنعاء اجتماعيا، وهندستها ووظيفتها مع توجهات جماعة مليشيا الحوثي.

وقال الجبزي في مقال له تعليقا على منح الجامعة الماجستير للمشاط، إن منح جامعة صنعاء شهادات لقيادات الحوثي "تعكس الهيمنة الايديولوجية للجماعة الحوثية أولا ورغبتها في توجيه الاشتغال الاكاديمي بما يناسب سلطتها وهيمنتها وترسيخهما باسم العلم ومن داخل الصروح الاكاديمية".

ويناقش الجبزي أبعادا متعددة لإعادة هندسة الجامعات اليمنية ومنها جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية "الشهادات النابعة سيما الماجستير والدكتوراة هي حصيلة طبيعية لاستعمال القوة وإقحام الأكاديميا فيها. وغرض الجماعة إسباغ صفة اكاديميا على معتقداتها وتكريس هيمنة مذهبية وبناء سردية وطنية جديدة تؤله مذهب وأئمة، أي صراع على التاريخ والذاكرة".

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص