2016-05-18 الساعة 01:33م
يبدو الوضع الاقتصادي في اليمن على شفا الانهيار فيما الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومؤسساتها المالية والنقدية يعيشون في أبراج عاجية، فهم منشغلون بطباعة صور مؤسسهم وتوزيع كتيباته على طلاب المدارس ويملأون الدنيا ضجيجاً ضد العدوان والمرتزقة - كما هي توصيفاتهم - ويلتهمون شهرياً مبلغ خمسة وعشرين بليون ريال يمني، أي ما يوازي مئة مليون دولار باسم المجهود الحربي، ولا يدركون بحال من الأحوال حجم الكارثة التي أوصلوا البلاد إليها والتي سيتكشف الكثير من مظاهرها مع مرور الأيام ... حيث سيصحو اليمنيون في اليوم التالي لانهيار انقلاب الحوثيين على مشهد كارثي مفزع وخراب ودمار نفسي وسياسي واجتماعي وخدمي واقتصادي وبنيوي على كل المستويات. باختصار سيصحو الناس على أطلال بلد وبقايا دولة.
كل ما يعني هذه الميليشيات المراهقة بعد أن انتهت أحلامها في حكم اليمن الى الأبد واستعادة مجد نظام أجدادهم الأئمة هو كيف تحافظ على سلاحها الثقيل والمتوسط وعلى حكومة تمتلك فيها آلية أو نسبة لتعطيل القرار السياسي والاستعداد لجولة أخرى من القتال والحرب والمواجهات التي لا ولن تنتهي بموجب ما تحمله عقائدها الغيبية ووثائقها الفكرية التي لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه من الباحثين والدارسين والسياسيين. أما المعاناة الإنسانية والانهيارات المتسارعة للعملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع وندرة المشتقات النفطية والانقطاع الدائم للكهرباء فكل ذلك في نظرهم نوع من الابتلاء الرباني والامتحان الرسالي الذي يجب أن يدفع ثمنه الشعب من أجل الانتصار في معركتهم الموهومة مع أميركا وإسرائيل!
لم يستطع الحوثيون الاستفادة حتى في الحد الأدنى من شيء ملموس من التعاطف معهم من بعض الأطراف الدولية بإظهار قدر من حسن النوايا والتنازلات الكفيلة بجلب تعاطف بقية المجتمع الدولي الذي يريد شرعنة وجودهم وانقلابهم وصهرهم في بوتقة النظام اليمني الشرعي المعترف به دولياً، لكنه ما زال يشعر بالخشية من إقرار سابقة في القوانين والمواثيق الدولية تعترف كلياً بمثل هذه الحالات التي تتسم بالعنف والخروج على الدساتير والمواثيق والقوانين النافذة، لذلك كله ظلت مشاورات الكويت تراوح مكانها بسبب عدم انصياع الحوثيين للقرارات الدولية التي مهما كانت نصوصها حاسمة تجاههم إلا أنها في النهاية ضمنت لهم استمرارهم حاضراً ومستقبلاً ككيان سياسي يمني موجود ومؤثر في الواقع اليومي. وفي الوقت نفسه فإن الحكومة اليمنية لا تجد مسوغاً بالمطلق لتقديم شيء من التنازل عن نصوص القرارات ومرجعيات المشاورات أو التعامل بحسن نية في ظل هذا التشدد من الطرف المتمرد والتجارب المرة السابقة معه في كيفية تعاطيه مع الاتفاقات بمختلف أنواعها والذي يتسم بالخفة وعدم الجدية والتعامل معها كاتفاقات موقتة لا ينبغي أن تدوم وتستمر.
ومع ذلك لم يفتأ المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد يقدم تصورات تلو التصورات وأفكاراً تلو الأفكار ويضغط ومعه ممثلو المجتمع الدولي على الرئاسة والحكومة اليمنيتين لتقديم تنازلات بغرض قبول هذه التصورات والأفكار التي تهدف في النهاية الى تمرير الانقلاب والتمرد من خلال القناة الوحيدة المتاحة وهي قناة الحكومة الشرعية التي تدرك جيداً حجم الأفخاخ التي يتم إعدادها لها بين الحين والآخر. ذلك أن المبعوث الدولي ومعه سفراء الدول الثماني عشرة الراعية للعملية السياسية اليمنية جاءوا إلى الكويت وهم يحملون آمالاً كبيرة بالوصول إلى حل سياسي كيفما اتفق، لكن الأيام مضت من دون أمل يذكر أو تقدم ولو طفيف في مناقشة القضايا على رغم كل التطمينات التي يبثها ولد الشيخ بين الحين والآخر عبر تغريداته ومؤتمراته الصحافية، وظل الديبلوماسيون الغربيون يتحدثون بثقة عن قرب التوصل الى حل بخاصة بعد صدور البيان الرئاسي لمجلس الأمن يوم ٢٥ نيسان (أبريل) المنصرم والذي حدّد مدة ثلاثين يوماً للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص لتقديم خطة لدعم الاتفاق المطلوب إنجازه قبل التاريخ المحدد، لكن لا يبدو في الأفق أن هناك إمكانية لإنجازه قبل ٢٥ أيار (مايو) الجاري فلا زال البون شاسعاً بين الطرفين، فيما لا تمارس الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ضغوطاً جادة على الحوثيين بحجة أنهم ميليشيات، بل إنهم جميعاً لم يجرؤوا على تقديم أية ضمانات عنهم - أي عن الحوثيين - بأنهم سيلتزمون تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، لأنهم يدركون استحالة ضمان التزام أي ميليشيا تعهداتها بخاصة عندما تكون عقائدية ويتسم أداؤها بالطيش والخفة والعنف.
ما لم يدرك المجتمع الدولي أن حرب اليمن هي كأي حرب في الدنيا لا يمكن أن تتوقف إلا بمعالجة الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، فإنه يضيع الكثير من الوقت فيما تستمر دماء اليمنيين بالنزف وأحوالهم المعيشية بالتردي، والمجتمع الدولي يبحث عن حلول غير واقعية لمشكلة واضحة التشخيص بخاصة في القرارات الدولية والبيانات الرئاسية التي صدرت عن مجلس الأمن منذ ما قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين وحتى القرار الدولي رقم ٢٢١٦ الصادر في نيسان من العام الماضي، وهي كلها قرارات وبيانات اتسمت بصدق ودقة وصراحة التشخيص للحالة اليمنية التي تحولت إلى نكبة مكتملة الأركان لا يمكن معالجتها والخروج منها إلا بإنهاء مسبباتها وهي التمرد والانقلاب على الشرعية واحتلال العاصمة بقوة السلاح والعبث بالاقتصاد الوطني حتى بلوغه مشارف الانهيار المروع. ولنا هنا أن نقول إن اليمنيين بطبيعتهم لديهم من المرونة والتسامح ما يجعلهم يتجاوزون جروح هذه الحرب في وقت قياسي على رغم عمقها وبشاعتها، لأنهم سيتعاملون مع الحوثيين بمنطق (إخواننا بغوا علينا)، وما دام إخواننا قد عادوا إلى رشدهم فلدى الجميع الاستعداد للبعد عن استمرار اجترار مآسي الماضي الأسود وستكون الصدور والقلوب مفتوحة لهم من أجل المستقبل الأفضل.
الحياة اللندنية
* وزير الإعلام اليمني السابق