2016-05-23 الساعة 02:10م
لا تلوح في الأفق أي إمكانية للنجاح ولو جزئي أو مرحلي للمشاورات الجارية في الكويت بين طرفي «الشرعية» و«المتمردين»، وعلينا أن نعترف أنها تجربة جديدة تخوضها الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الدولي «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»، والذي كان ولا يزال يحظى بكل التقدير لحماسته الشديدة ومحاولاته العديدة والدؤوبة ليس فقط لترويض المليشيات «الحوثية» وإرضائها بعدد من التصريحات لتأتي ولتستمر طاولة المفاوضات غير المحددة بفترة وسقف زمني محدد، بل والاستعانة بالدول الكبرى وقيادات دول التحالف العربي لممارسة كل أنواع الضغوط وإقناع الشرعية بضرورة استمرار الجلوس مع قيادات «الحوثيين» و«صالح» للوصول إلى تسوية سياسية عاجلة ومسلوقة، وكأن ما حصل في اليمن منذ انقلاب المليشيات قبل عام ونصف مجرد فيلم «هوليود أو بوليود»، أو خيال وتجربة افتراضية لمستقبل صناعة فيلم من أفلام الرعب والعنف في «يمن وود» السينما اليمنية القادمة، وخاصة أن المخلوع علي عبدالله صالح، لا يزال يؤلف كل يوم سيناريو مختلفاً، ويشرف على إخراج لقطات هزيلة لـ«الإيهام» بأنه لا يزال اللاعب الرئيسي في القاعة.
فابتداء من تخلصه الدراماتيكي بمحاكمه مفبركة، ونفي قصري لوزير خارجية اليمن الأسبق والسياسي الكبير المرحوم «عبدالله الأصنج»، الذي فضح المخلوع مبكراً في أكثر من جريمة كالتهريب وتجارة وصفقات الأسلحة وخداع المملكة العربية السعودية، والأشقاء في صفقات سياسية مشبوهة ومشاركة «علي صالح» الفعلية في التنفيذ واغتيال الرئيس الأسبق «إبراهيم الحمدي» وشقيقه، وإحضار الفتاتين الفرنسيتين إلى صنعاء وإزهاق أرواحهما من أجل تكملة أركان هذا الفيلم المرعب والمأساوي الذي لازلنا نعيشه حتى اليوم. وهناك قصص حقيقية كثيرة صالحة لصناعة سينمائية رخيصة التكلفة، ولا تحتاج لممثلين محترفين وتقنيات مبهرة وتتلخص في اللعب والرقص ليس فقط على رؤوس الثعابين، كما يحلو لعلي صالح أن يصف به نفسه، بل وبالتفاصيل والخدع السينمائية التي تبدو أحياناً كثيرة مملة لنا لأنها لا زالت بلونين فقط «الأبيض والأسود»، ولكنها مشوقة ومثيرة لمن لم يعاصرها ولا يعرفها من قبل وتشبه صناعة الأفلام «التراجيدية»، أو حتى أفلام «الشباك» التي نفتقدها في اليمن، وإن محاولة المبعوث الدولي أو بعض الأطراف الغربية حسنة النية والمتفائلة دوماً بمحاولة تلوينها حتى يتم استساغتها أو بلع الطعم لتعود الدوامة والحروب في اليمن ولا تنتهي كالمرض المزمن «المستوطن» والوبائي الذي يستعصي علاجه ومداواته، وأن يتم تسكينه لفترة محدودة، فكما نجح المبعوث الدولي في مهمته السابقة في جهوده لمكافحة فيروس «إيبولا» في غرب القارة الأفريقية لكونه يعرف ونعرف نحن أن إيبولا هي «الأسود» والإنسان هو «الأبيض» ويدرك أن الفرق واضح بينهما! وليس هناك داع للتلوين في هذه المرحلة!
من الضروري اليوم أن يساعد المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ وبعض الدول الغربية النافذة اليمنيين على التخلص من المخلوع علي عبدالله صالح، فلا يزال الفيلم المعروض في اليمن أبيض وأسود.
ولا تزال المشاورات في الكويت لم تراوح مكانها، ولا أعتقد شخصياً بنجاحها، ولم تتلون بعد، وإنْ كان هناك محاولات مستميتة من قبل «الحوثيين وعلي عبدالله صالح» للوصول إلى النهاية السعيدة، وللتهرب مرة أخرى ولإغراقنا في التفاصيل والأوهام والوعود العرقوبية والحلول المعلبة والمسلوقة بإتقان وفترة انتقالية غامضة، وإنتاج لأفلام جديده تتخذ مسألة اللعب على رؤوس الثعابين، والإغراق في التفاصيل منهجاً لها. وهذا هو الفخ الذي نأمل جميعاً أن يساعد المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ اليمنيين حقيقة على عدم التورط فيه، وذلك سيكون إنجازاً تاريخياً له، وخاصة أن خبرته السابقة في تحديد عدو واحد للإنسانية وهو مرض «إيبولا» المميت!
ينبغي وضع المخلوع «صالح» وممارسات «الحوثيين» في الإطار الصحيح الذي يفترض التعامل معه ومحاسبته، وليس تجاوز ذلك والتسامح معه من اليوم الأول، خاصة أن الفيلم اليمني على الشاشة لا يزال بين أبيض «الشرعية» وأسود «المتمردين». ونفترض أن وفد الشرعية من الدبلوماسية والنباهة والفطنة، بحيث إنه لن ينجر لشراء تذاكر ليكون متفرجاً على فيلم ملون جديد لا يزال المخلوع «صالح» يعبث بألوانه وبكل تفاصيله ويغير السيناريو والكومبارس فيه كما يريد، ولا يلتزم بشروط وقواعد الإنتاج السينمائي على الأقل إلاّ إذا كان المخرج غامضاً!
الاتحاد