2016-06-05 الساعة 04:24م
لاشيء في الكويت يبشر بفرج في اليمن رغم الجهد المحمود للمسؤولين الكويتيين والخليجيين. وما يقوله المبعوث الأممي فيه الكثير من الدبلوماسية والقليل من الحقائق. وربما أن الحقيقة الوحيدة التي كشفها في مؤتمره الصحفي بالكويت يوم 26 مايو/أيار هي أن اليمن دخلت غرفة الإنعاش.
بعض الأرقام شاهدة. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 8 تريليونات و200 بليون ريال في 2014 إلى 7 تريليونات و100 بليون ريال في 2015 ويتوقع أن تنحدر إلى 6 تريليونات و630 بليون ريال في 2016، وارتفع الدين الداخلي من 4 تريليونات و 79 بليون ريال في 31 ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى 4 تريليونات و 353 بليون ريال في 31 مارس/آذار 2016 أي أن الحكومة اقترضت خلال ثلاثة أشهر 274 بليون ريال ما يزيد على بليون دولار. وبذلك فقد بلغ رصيد الدين الداخلي 66 % من الناتج المحلي الإجمالي ما يتجاوز حد الأمان، فإذا أضيف الدين الخارجي الذي يزيد على 6 بليونات دولار فسوف نلاحظ أن كل يمني مدين بأكثر من دخله السنوي. وقد حافظ المال السياسي على قيمة العملة إلى درجة معينة ثم حدث الانهيار السريع عقب طبع البنكنوت لمعالجة عجز الموازنة.
إن الاستيلاء على أموال الخزينة العامة واستنفاد الاحتياطي النقدي لم يؤد إلى تنشيط الدورة الاقتصادية، فقد توقف الإنفاق على الإنشاءات والتشغيل وذهبت الموارد لتمويل الحرب. وثمة زحزحة اجتماعية تدحرجت فيها الطبقة الوسطى إلى السفح، وبات التحاق الفتيان بالمليشيات أيسر وسيلة للإعالة. ويتجه الحوثيون إلى تحويل المليشيا إلى جيش نظامي على غرار الحرس الثوري. فوق هذا استولى الحوثيون على قوات الحرس الجمهوري التي كانت احتفظت بالولاء للرئيس السابق ونجله بعد انتقال السلطة لنائبه الرئيس الحالي، لكنه يوم تحالف مع الحوثيين أحرق جميع مراكبه، فقد مكنهم الاستحواذ على المالية العامة من التحكم بمفاتيح القوة، وهم قاموا بتفكيك وإعادة تركيب وحدات الحرس الجمهوري وإجراء تعيينات لعناصر موالية لهم. وفي إحدى لحظات الخلاف الصامت اضطر صالح إلى طلب التوسط لدى زكريا الشامي نائب رئيس أركان الجيش المعين من قبل الحوثيين لكي يفرج عن المرتبات والمخصصات المالية للألوية الثلاثة المكلفة بحمايته.. وكان علي صالح عين يحيى الشامي المعروف بالذكاء السياسي والتعصب الأسري محافظاً لصعده خلفاً للمحافظ الذي تفجرت أول حرب مع الحوثي في عهده، وربما أنه من هناك أدى دوراً مزدوجاً وظف فيه موقعه الرسمي لصالح الحوثيين.
من الطبيعي والحال هكذا أن تدخل اليمن غرفة الإنعاش. مع ذلك فإن اقتراح المبعوث الأممي لجنة إنقاذ ليس واضحاً بالمرة,ذلك أنه يفتح صنبوراً آخر للضخ في جيوب الفاسدين.
وفي وقت يجري الحوار في الكويت يتابع الحوثيون استكمال الاستيلاء على مؤسسات الدولة بالتعيين والإزاحة و يستغلون وقف إطلاق النار لإعادة تموضع قواتهم دون التوقف عن القتال.
ومن المتوقع أنهم في مفاوضات الكويت سوف يعملون على المراوحة في «خطوة تنظيم» لإرهاق الأطراف الأخرى ومواصلة الترتيبات من أجل التمكن على الأرض. ويكفي موضوع المعتقلين للتفاوض أسابيع وشهوراً ما داموا سوف يطلقون البعض ويعتقلون غيرهم في دوامة لا تتوقف حتى إذا ذهب الحوار إلى قضايا أخرى سيكون المدى مفتوحاً وطائلاً.
ويصلح تسليم السلاح مثالاً للاستدلال على أن شياطين كثيرة تختبئ في التفاصيل. ولأن الحوثيين يخوضون معركتهم بالأصالة وبالوكالة فإن الدبلوماسية الإيرانية الصبورة والخبيرة هي التي تدير فريقهم المفاوض في الكويت. ولهذا فبمقدار كونهم جماعة تفتقر إلى التجربة نراهم يمارسون التفاوض بفن وجدارة ويضعون الآخرين بين خياري المراوحة في المكان أو القفز إلى حكومة وفاق تكسبهم الاعتراف الدولي. وفي الغالب فإنهم لا يراهنون على اتفاق مع الوفد المفاوض في الكويت بقدر ما يتأملون تفاهماً أمريكياً - إيرانياً على قضايا المنطقة كلها.
بعد ذلك لا يظنن أحد أن الحوثيين يمكن أن يتنازلوا على مائدة التفاوض من أجل اليمن ولكنهم قد يقدمون النفائس ويتساهلون بالمقدسات لأي قوة مستعدة لمساعدتهم على أن يحكموا ويسودوا. لهذا فلا شيء في الكويت يبشر بفرج قريب في اليمن رغم بعض الظنون وكبير الرجاء.
الخليج