2016-12-20 الساعة 01:14ص
تطل علينا بعد أيام الذكرى التاسعة لرحيل صمام أمان اليمن وحكيمها الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر - رحمه الله - هذه الشخصية الاستثنائية التي ساهمت في صناعة الأحداث وصياغة التأريخ اليمني بمواقف خالدة في مختلف المراحل التي مر بها الوطن، حيث ظهرت هذه المواقف بشكل مؤثر مع اليمن الجمهوري ذلك المولود الجديد الذي كان نتيجة طبيعية لثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة في العام 1962م .
وبالرغم من صغر سنه إلا ان المعاناة التي طالته مبكرا والتي بلغت ذروتها بإعدام الإمام أحمد لأبيه الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وأخيه الشيخ حميد، وسجنه في سجن المحابشة قد ساعدت في بناء وتشكيل شخصيته وعمقت ايمانه بضرورة العمل الثوري لانقاذ وطنه من براثن الظالم المستبد وأهلته لاكمال الدور النضالي الذي انتهجته أسرته، فما ان انطلقت شرارة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر حتى انطلقت معها قصة نضال جديدة بدأت أحداثها بخروج بطلها الشيخ عبدالله من سجن المحابشة وانتقاله إلى صنعاء ولقائه في 30 سبتمبر - أي بعد الثورة بأربعة أيام- بالرئيس عبدالله السلال وأبو الاحرار محمد محمود الزبيري والقاضي عبدالرحمن الارياني.
بعد هذا اللقاء ارتبط الشيخ عبدالله بالثورة والنظام الجمهوري وصار هذا الرجل جزءا أساسيا من المشروع الثوري والنظام الجمهوري - بحياته يحيا وبموته يموت - ومن يقرأ رسائل أبو الاحرار محمد محمود الزبيري والأستاذ النعمان والرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني وغيرهم من الثوار الاوائل إلى الشيخ عبدالله يدرك جيدا ماذا كان يعني الشيخ عبدالله للثورة والجمهورية.
لقد كان ارتباط الشيخ عبدالله بالثورة والنظام الجمهوري ينبع من قناعاته بأن هذا النظام هو خيار الشعب الوحيد للتخلص من الظلم والاستبداد والتخلف والجهل والمرض وحكم الفرد والأسرة، والانتصار لحق اليمني في الحياة بكرامة وعزة كما اختار له الله أن يعيش لا كما تريده أسرة متسلطة أو فرد مستبد، ولذلك اختار الشيخ عبدالله طريق الثورة واستمر حارسا مدافعا عن النظام الجمهوري حتى تحقق له الاستقرار، وبعد قيام الجمهورية ظلت مواقف الشيخ حاضرة بقوة في الأحداث ولم تزده طول سنوات النضال إلا حكمة وانتماءً للوطن، إذ لا يكاد يذكر حدثا من أحداث التأريخ اليمني منذ 62 وحتى وفاته في العام 2007 إلا وتجد الشيخ عبدالله عاملا مؤثرا في هذا الحدث بموقف خالد.
إتفق واختلف مع جميع من حكم اليمن إلا أنه ظل ثابتا على مبدأه الجمهوري لا يغريه الاتفاق ولا يغيره الاختلاف .. يحكم موقفه في الاتفاق والاختلاف مصلحة الوطن ونظامه الجمهوري .
لقد أدرك رحمه الله وهو صاحب البصيرة النافذة والمتربع على عرش الحكمة اليمانية طوال مسيرة حياته انما يمنحه المرء لوطنه وأمته هو ما يجعل المرء عظيما في حياته خالدا بعد مماته .. أدرك أن الزعامة ليست بالوصول إلى السلطة وانما بتغليب مصلحة الوطن والحفاظ عليه عزيزا كريما .. أدرك أن الكبير لا يمكنه القبول أن يكون وطنه صغيرا .. أدرك وعمل بما أدرك فعاش كبيرا وغادر فترك أثرا وارثا كبيرا يستدعيه الوطن في كل موقف صعب .
غادر الشيخ الحياة قبل تسع سنوات إلا أن الحاجة إليه كبطل سبتمبري ومناضل جمهوري لم تغادر بل زادت خصوصا خلال هذين العامين، وما جرى فيهما من أحداث خطيرة عصفت بالوطن .. هذه الأحداث جعلت الوطن يفتقد حارس الجمهورية الأمين ويفتقد حكمته المشهودة والتي ظلت لما يزيد عن أربعة عقود هي المنقذ والمخلص له كلما اشتدت به المحن.