حوار في شأن الوحدة اليمنية
جمعتني ظروف الاهتمام بالشأن اليمني بمجموعة من أهل اليمن الذين يعيش البعض منهم بعيدا عن اليمن الشقي السعيد، والبعض الآخر منهم يعيش على صعيد اليمن العزيز. تداولنا الحديث عن هموم اليمن منذ النصف الثاني من القرن الماضي وحتى اليوم. تحدثنا عن القبيلة والدولة، وعن دولة القبيلة، تحدثنا عن عصر السلاطين واتحادهم، وعن ثورة اليمن عام 1962 التي أطاحت بالنظام الملكي هناك وما لحق ذلك الانقلاب من محن وحروب دامت خمسة أعوام، وتحدثنا عن الحركة الوطنية لتحرير الجنوب العربي وصولا إلى الاستقلال عشية حرب 1967، وحطت رحالنا عند قيام الوحدة اليمنية في مايو عام 1990 وصولا إلى حرب الانفصال عام 1994 والتي انتصر فيها دعاة الوحدة اليمنية وبقيت هذه الوحدة بآمالها وآلامها حتى احتل الحوثيون العاصمة صنعاء وتمددوا في محافظات اليمن الشمالي وسيطروا على مقار الحكومة المركزية، كان ذلك في 21 سبتمبر عام 2014 وأخيرا اختطاف مدير مكتب رئيس الجمهورية الذي كان مرشحا لرئاسة الوزراء لو لم يعتذر.
(1)
طرح عليَّ سؤال، هل ما برحت أؤمن بالوحدة العربية رغم تعثرها عبر كل المحاولات التي حدثت منذ وحدة مصر وسوريا عام 1958 مرورا بمحاولات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في مطلع ستينيات القرن الماضي وغير تلك المحاولات مع ليبيا معمر القذافي وصولا إلى الوحدة اليمنية الحالية؟ كان جوابي نعم، الوحدة فيها القوة ومعها يأتي النصر على كل أعداء الأمة، إني أدعو إلى الوحدة العربية الشاملة، لكن على أسس حديثة تتفق وعصرنا الراهن، وإذا كان هناك فشل قد حدث للوحدة بين مصر وسوريا والمحاولات اللاحقة، فلا يعني ذلك أن الوحدة العربية غير قابلة للتطبيق.
إن بعض الذين عملوا على بناء الوحدة بعد الانفصال عام 1962 لم يكونوا صادقين، كانوا يعملون لمكاسب شخصية وآنية وليس من أجل أمة تتطلع لمستقبل عربي يؤدي دوره في البناء والتنمية والاستقلال.
(2)
وماذا عن الوحدة اليمنية؟ قلت إنني من أشد دعاة الوحدة اليمنية والعاملين على بقائها قوية فاعلة، لكن بعد تجزئة اليمن إلى ستة أقاليم بدلا من إقليمين وإلغاء الدستور الذي صيغت بنوده من أجل دولة موحدة لا اتحادية فلنا رأي آخر.
تقول المادة الأولى في دستور الجمهورية اليمنية: "الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ، أما وقد وضعت أسس التجزئة وتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، فإن الوحدة هنا سقط دستورها وسقطت دولة الوحدة.
يؤكد ذلك قول كل المسؤولين القياديين في الحكومة المؤقتة بقيادة عبد ربه منصور، بتقسيم اليمن وصياغة دستور جديد لا يتحدث عن الوحدة وإنما عن الاتحاد، وشتان بين الوحدة والاتحاد.
(3)
إن دولة الوحدة اليمنية برئاسة علي عبد الله صالح، بين الشمال والجنوب كانت تحكم من قبل أحزاب متعددة شمالية وجنوبية متوافقة تارة وأخرى متخاصمة، ومن بعده عبد ربه منصور المنتخب / المستفتى على بقائه في سدة الحكم، كانت تعمل تلك الأحزاب من أجل الوحدة.
أما وقد سيطرت مجموعة قبلية طائفية في 21 سبتمبر 2014 على مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات في الجزء الشمالي من اليمن ولم يعد القول الفصل للحكومة المركزية لدولة الوحدة، فإن ذلك يعني انفصال الشمال اليمني عن جنوبه.
إن التحشيد الحوثي المسلح في اليمن اليوم، وما يسمى باللجان الشعبية يساوي التحشيد الشعبي والمليشيات الطائفية العاملة في عراق اليوم الذي يحكمه "حزب الدعوة الطائفي ولجانه الشعبية"، والذين يعملون على إدماج هذه القوة الطائفية في قوات الأمن الوطني والجيش العراقي وكل مفاصل الدولة، وهنا تتركز القواعد الطائفية في العراق، والحوثيون في اليمن يسلكون ذات الطريق، وبهذا يكون الوطن والشعب هما الضحية لأهواء النزوع الطائفي.
(4)
يجادل أحد الإخوة قائلا: "الجنوب العربي"، المعروف بجنوب اليمن اليوم، له خصوصية وله عادات وتقاليد سياسية وفكرية وثقافية تختلف عن إخواننا في اليمن الشمالي (صنعاء)، فلدينا مفهوم للدولة وعندنا أحزاب سياسية تعود جذورها إلى ما قبل الاستقلال عام 1967 ناضلت تلك الأحزاب مجتمعة ومتفرقة لنيل الاستقلال الوطني من الهيمنة البريطانية، أما إخواننا في الشمال فمعظم المتصدرين للعمل السياسي منذ تسلم علي عبد الله صالح القيادة في صنعاء لا يعرفون مفهوم الدولة. إنهم يحكمون بنزعة القبيلة وهذا على خلاف اليمن الجنوبي / الجنوب العربي.
إنه لا يمكن التعايش في ظل الظروف القائمة الآن مع أي حكومة تأتي في الشمال، خاصة بعد هيمنة الطائفة الحوثية على مقاليد الأمور وتسليم الرئيس عبد ربه منصور بنفوذ وقوة الحوثيين. إن اليمن اليوم يحكم بواسطة حزب المؤتمر الشعبي العام (علي عبد الله صالح) وحزب الحوثي (أنصار الله)، إنهم أنصار الشيطان حقا، نحن نريد العودة إلى جمهورية اليمن الديمقراطية بعيدا عن شمال اليمن.
نحن في جنوب اليمن لنا عتب شديد على دول مجلس التعاون، أصحاب المبادرة التي لم تكن منصفة لأهل اليمن. مكنوا علي عبد الله صالح حتى بعد إخراجه من السلطة ومكنوا الحوثيين خوفا من حزب الإصلاح، وبهذه السياسة مكنوا إيران في اليمن على حساب أمن وسيادة واستقلال الجزيرة العربية كلها.
إن الهيمنة الإيرانية على اليمن تؤدي إلى التحكم في الملاحة في البحر الأحمر وهذا يضر بمصالح الدول الخليجية على وجه التحديد والعرب عامة، خاصة عندما يتم الاتفاق الأمريكي الإيراني في نهاية شهر يونيو العام الحالي.
قلت لضيفي: أتفق فيما قلت عن تباطؤ دول مجلس التعاون في حسم الأمور، الأمر الذي قد يترتب على ذلك التباطؤ تقوية النفوذ الإيراني في الساحة، مما يصعب على دول مجلس التعاون، التعامل معه. إن دول مجلس التعاون هم أصحاب الفرص الضائعة، كان بإمكانهم حسم الأمور في سوريا مبكرا ولكنهم تباطأوا وتشتت قواهم، وكان بإمكانهم حسم الأمور في العراق بعد عام 2003 ولكنهم أضاعوا الفرصة وربحت إيران وخسروا، والحديث يطول.
آخر القول: يا قادتنا الميامين لا تتباطأوا في حسم الأمر في اليمن، أمنيا وسياسيا، وإلا ستكونون من الخاسرين وعلى ما فعلتم نادمين.
*الشرق القطرية.