2015-07-08 الساعة 09:30م
يحاول البعض تسويق عدم وجود مقاومة بالمحافظات الشمالية اليمنية على أنه مظهر من مظاهر التناغم المذهبي بين الحوثيين وبين أبناء هذه المناطق، وهؤلاء يتعمدون الكذب بهذا لأهداف سياسية، مع الإشارة إلى آخرين انطلت عليهم الفكرة الخاطئة الخبيثة، إذ لو كان هناك تناغم مذهبي بين الحوثيين وأبناء صعدة وحرف سفيان على سبيل المثال لما ظلت قبائل هذه المنطقة تخوض ضدهم تلك الحروب ولكل تلك السنوات، ولو كان بينهم تناغم طائفي لما نزح الآلاف منهم هروبا من الحوثي، وإذا كان هذا عن أبناء صعدة التي هي معقل الحوثيين والتي سقطت بيدهم عسكريا قبل أكثر من عقد من الزمن فكيف بغيرها..؟!
ما تشهده المناطق الشمالية هو تناغم بين الحوثيين وعلي صالح، وليس بين الحوثيين وأهاليها. وقد بسط حلف صالح والحوثي سيطرته على هذه المناطق بما يمتلكه من قوة السلاح ونفوذ في مؤسسات الدولة، وفرض نفسه أمرا واقعا فيها، ولهذا لا يوجد بصنعاء وذمار وصعدة وعمران مقاومة كالتي في الوسط والجنوب.. أي لا يوجد فيها مقاومة لأن صالح والحوثيين أحكموا قبضتهم عليها قبل عمليات التحالف، وليس بسبب التناغم المذهبي، تماما كما هو الواقع في إب والحديدة التي تمكن منها حلفهم قبل "عمليات التحالف"، ولا يستطيع أحد أن يتحدث –ولو من باب الكذب- عن تناغم مذهبي بين أبنائها والحوثيين.
لا فرق بين قيام الحوثيين باجتياح وبسط السيطرة على عمران وصنعاء وذمار قبل عاصفة الحزم، وبين قيامهم قبل عاصفة الحزم بالاجتياح وبسط السيطرة على إب والحديدة، والواقع الآن متشابه في هذه المحافظات جميعا، وقد أوشك أن يتكرر في الضالع ولحج التي عبروا منها إلى عدن لولا أن "عمليات التحالف" تدخلت هناك قبل أن يتمكنوا من السيطرة فيها على الواقع، وحصلت المقاومة على فرص الصمود رغم محدودية الدعم الذي تتلقاه حتى اللحظة حسب تصريحات كثيرة من المعنيين.
والخلاصة أن الحديث عن البعد المذهبي كأحد أسباب انعدام المقاومة بالمحافظات الشمالية كذب صريح، وليس فقط مجرد خداع ومغالطة.
هذه أكذوبة يجتهد صالح والحوثيون في ترويجها، وهدفهم أن يقنعوا بها الرأي العام اليمني فعلاً، في الشمال والوسط والجنوب على حد سواء، أولاً ليحتشد حولهم أبناء المنطقة الشمالية بسببها، وثانياً لتقتنع بها المحافظات الأخرى فترفع شعارا طائفيا مذهبيا مضادا، ثم يتكفل الفعل ورد الفعل بين المنطقتين برفع منسوب الطائفية المذهبية إلى أعلى مستوى، ويتحقق بذلك الانقسام الذي يرجو صالح والحوثيون أن يضمنوا به أي قدر من البقاء مستقبلا، ويضمنوا به حاليا دعم الأطراف الدولية الكبرى التي تتحدث تقارير وتحليلات عن سعيها لتقسيم البلاد طائفيا، أو ليخربوا به الوضع على الكل، فلا يكون لهم ولا لغيرهم.
يجري الحديث عن مخططات لأطراف خارجية كبرى تهدف لتقسيم أكثر من دولة عربية على أساس طائفي، لكن اليمن لا يوجد فيها "ساطور" يستخدمونه لهذا التقسيم، أي ليس فيها سنة وشيعة، ولا يشعر شعبها المتعايش منذ مئات السنين بفروق طائفية، بل وتعرف مناطق الشمال أن بين الزيدية والشيعة الاثنا عشرية التي يتبناها الحوثي فرقا جوهريا وعقائديا فيما الفوارق بين الزيدية والمذاهب الأخرى في اليمن سطحية في حدود الخلافات الفقهية، ولهذا تطوع الحوثيون بمهمة توفير هذه الأداة المفقودة والقادرة على تقسيم الشعب اليمني، أما علي صالح الذي لم يعرف طيلة حياته مذهباً سوى السلطة والمال فقد اتجه صوب إيران باحثا عن حليف خارجي جديد يمسك له السلطة التي رآها تتفلت من يده برعاية المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومن يدعم مبادرتها التي أفضت إليها ثورة فبراير "المبادرة الخليجية"، ولا يهمه وهو متربع على الكرسي بماذا يحكم، أو كيف يحكم، أو ماذا سيجنيه على اليمن..؟
يبذل صالح والحوثيون جهودهم من أجل حشو المنطقة الزيدية تحت إبط الاثنا عشرية الإيرانية، إلا أنهم سيظلون يواجهون رفضا متزايدا من أبناء مناطق الشمال، أولاً لأن أبناء هذه المناطق يرفضون تذويب الزيدية في سرداب الاثنا عشرية، وثانيا لأنهم –كلهم أو معظمهم- سئموا حياة الفقر والشظف، وكرهوا عيشة العكفة، ويتوقون للحياة الكريمة.
وأثناء المرور على هذه التوجهات لا يمكن تجاهل الدور الخارجي، والخلاصة فيه أن مصلحة تلك الأطراف الدولية الرامية لتقسيم اليمن إلى سنة وشيعة، تتعارض كليا وجوهريا مع مصلحة المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تسعى للعكس، أو يفترض أنها تسعى للعكس، وبما يؤكد استحالة رضوخ المملكة والخليج لفكرة صناعة الطائفية في اليمن وتقسيمه على أساسها، ذلك أن تكتيل مجتمع الشمال على أساس مذهبي اثنا عشري أخطر بكثير جدا على المملكة والخليج من أن يحكم اليمن نظامٌ اثنا عشري، فأي نظام سياسي يظل قابلا للتقييد، وقابلا للتغيير، طال الزمان به أو قصر، أما المجتمع فالأمر فيه على النقيض.
يمثل هذا واحدا من العوامل الباعثة للاطمئنان لدى اليمنيين بشأن التقسيم الطائفي، إلا أنه ينطوي بذات الوقت على ما سيظل مثيرا للقلق، وهو أن التقسيم الطائفي المحتمل لليمن لا يشترط فيه أن تأخذ تلك الأطراف الدولية رأي المملكة وإذنها، بل ستمضي فيه ميدانيا وتنفذه على الأرض بالتعاون والتنسيق مع صالح والحوثيين، وربما لا تنتبه المملكة إلا وقد بلغ الأمر مستوى لا يكون بمقدورها تداركه.
*من صفحة الكاتب على "الفيسبوك".