2015-07-12 الساعة 02:08م
عطفًا على ما سبق، كلما عدت من أميركا إلى أوروبا – منذ 1974 – أقف حائرًا بين قارتين وعالمين. «العالم الجديد»، الذي لا يكف عن المضي في التجدد والحداثة، والقارة الأم، التي تستحدث نفسها ببطء وتبقي على جمالها القديم، وهندسياتها الرائعة، ومعالمها التاريخية. وفي أي عالم من العالمين نحن؟ أو بالأحرى، هل نحن في عالم 2015؟ وما هي المسافة التي تبعدنا عنه؟
كلما كتبت، من خلال انطباع شخصي محض، عن حركة الانصهار في الولايات المتحدة، يقع حادث مضاد ومريع. كمثل الأبيض الذي قتل في إحدى كنائس شارلستون تسعة طلاب إنجيليين، أو الشرطي الذي قتل مواطنه الأسود في بالتيمور. أو قرأنا أن الأكثرية الساحقة من السجناء هم من السود.
قاتل الكنيسة والشرطي القاتل ونزلاء السجون – على كثرتهم – حالات فردية. قاتل المصلين في مسجد الكويت تابع لمنظمة قتل. «إعدام» 25 جنديًا أسيرًا في تدمر، جريمة جماعية. البراميل المتفجرة، على رؤوس المدنيين أو غير المدنيين، جريمة رسمية.
وصول أوباما إلى الرئاسة ليس حالة فردية. إنه تطوُّر مجتمعي. قاتل تشارلستون تخلُّف اجتماعي حدثي لا علاقة له بالتعبئة التاريخية. هذا معبأ بالاحتكاك الفردي اليومي، وليس بأكداس الماضي. لكن لا شيء يبرر الجريمة. لا كونها موجة منظمة بقرار مسبق وثقافة عدمية هلامية مظلمة، ولا كونها عملاً فرديًا، متنوع الذرائع: مرة العنصرية ضد الإسلام، ومرة ضد اللون.
87 في المائة من الأوروبيين الذين يسافرون إلى أميركا لنيل الدكتوراه، لا يعودون إلى بلدانهم، بعد الحصول عليها. يستقرون في «العالم الجديد» برواتب أعلى وظروف حياتية أفضل ومستقبل أكثر استقرارًا وفرحًا. القارة الجديدة لها قدرة لا تُصدَّق على الاستيعاب والصَهْر. القديمة تضيق اقتصاديًا بنفسها. مستويات البطالة محزنة. وربما أشرت سابقًا إلى النوادل الإسبان الذين يعملون صيفًا في بلدانهم، وفي الشتاء يذهبون إلى العمل في.. الهند!
الإنسان ضيف الإنسان في هذه الأرض. لكن كيف يمكن له أن يكون متعبًا ومضيفًا؟ لكي تكون حاتم الطائي وتذبح فرسك للأم الجائعة وأولادها، لا بد أولاً، أن تكون لديك فرس. وأن يكون لديك ثمن الفرس التالية إذا ذبحت الأولى. ولكنّ ثمة كرمًا ساحرًا يتبادله البسطاء في أميركا وأوروبا هو العمل الخيري أو الاجتماعي، بتبرعات بالغة التواضع. كأن تعطي مؤسسات المساعدة كتابًا قديمًا، أو ثوبًا قديمًا يباع بثمن رخيص ويحوَّل ثمنه إلى منحة دراسية أو إعانة مادية، أو ثمن دواء. في بلاد، أو عالم الفقراء، ليس ضروريًا أن يكون تبرعك كبيرًا. لكن لا بد أن يكون جميلاً. وكل تبرع جميل. ورجال الخير أجمل مخلوقات الله.
بهذا يلتقي العالم الجديد والعالم القديم. اقرأ إعلانات الجمعية الخيرية في الصحف: الحاجات محزنة، والإحسان فرح السماء والأرض.