أهم الأخبار

النص الكامل لتحقيق "الأسوشيتد برس" حول تحقيقات تجريها الأمم المتحدة في فساد منظمات تابعة لها باليمن

2019-08-06 الساعة 06:05م (يمن سكاي - متابعات)

كان محققو الأمم المتحدة مجتمعين في قاعة المغادرة بمطار صنعاء يستعدون للمغادرة بأدلة ثمينة: أجهزة كمبيوتر محمولة وأقراص تخزين بيانات خارجية تم جمعها من موظفي منظمة الصحة العالمية، حيث يعتقد أن هذه الحواسيب تحتوي على أدلة على الفساد والاحتيال داخل مكتب وكالة الأمم المتحدة في اليمن.

 

ولكن قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى الطائرة، اقتحم  مسلحون من المتمردين الحوثيين الحاكمين في شمال اليمن القاعة وصادروا أجهزة الكمبيوتر، وفقا ً لستة مسؤولين سابقين وحاليين.

ولم يصب المحققون المذهولون بأذى، ولكنهم غادروا  بدون الأجهزة التي تحتوي على هذه الأدلة.
 

وقال المسؤولون الستة السابقون والحاليون الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم إن الحوثيين قد تم إبلاغهم من قبل أحد موظفي منظمة الصحة العالمية  الذين لهم صلات بحركة التمرد والذين يخشون أن يتم الكشف عن سرقتهم لمساعداتها كما أنه لم تحدث عمليات مصادرة لاجهزة الكمبيوتر بهذا الشكل العلني من قبل.
 

مشهد أكتوبر/تشرين الأول 2018 في مطار صنعاء هو حلقة أخرى في الصراع المستمر على الفساد الذي حول مسار الأغذية والأدوية والوقود والمال  بعيداً عن اليمنيين اليائسين وسط الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات في بلادهم.

اتُّهم أكثر من 12 من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين تم نشرهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية فى زمن الحرب بالانضمام الى الأطراف المتقاتلة لإثراء أنفسهم من مليارات الدولارات من المساعدات الممنوحة والتى تتدفق إلى البلاد، وفقا لما ذكره افراد على علم بتحقيقات الأمم المتحدة الداخلية والوثائق السرية التي اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس.
 

وحصلت وكالة أسوشيتد برس على وثائق تحقيق من الأمم المتحدة، وأجرت مقابلات مع ثمانية من العاملين في مجال الإغاثة ومسؤولين حكوميين سابقين.

النتيجة: يحقق مراجعو الحسابات الداخلية لمنظمة الصحة العالمية في مزاعم بأن أشخاصاً غير مؤهلين قد وُضعوا في وظائف عالية الأجر، وأن ملايين الدولارات أودعت في حسابات مصرفية شخصية للموظفين، وتمت الموافقة على عشرات العقود المشبوهة خارج الاجراءات المتبعة، وأطنان من الأدوية والوقود الممنوحة مفقودة.
 

أما التحقيق الثاني الذي أجرته وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، هي اليونيسيف، فيركز على موظف سمح لزعيم متمرد من الحوثيين بالسفر في مركبات الوكالة، وحمايته من الضربات الجوية المحتملة التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية. وقد تحدث هذا الموظف  إلى وكالة أسوشيتد برس بشأن التحقيقات بشرط عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام.

وقال ناشطون يمنيون إن الإجراءات التي اتخذتها وكالات الأمم المتحدة هي موضع ترحيب ولكنها لا ترقى إلى نوع التحقيق اللازم لتتبع ملايين الدولارات من المعونات والأموال من برامج المساعدات التي اختفت أو حولت إلى خزائن المسؤولين المحليين على طرفي النزاع على حد سواء منذ بداية الحرب الأهلية.
 

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، كان الناشطون يضغطون من أجل شفافية المساعدات في حملة على الإنترنت بعنوان "أين المال؟" وكانوا  يطالبون بأن تقدم الأمم المتحدة والوكالات الدولية تقارير مالية عن كيفية إنفاق مئات الملايين من الدولارات على اليمن منذ عام 2015. وفي العام الماضي، قالت الوكالة إن المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم ملياري دولار للجهود الإنسانية في اليمن.

وقد ردت الأمم المتحدة بحملة على الإنترنت خاصة بها بعنوان "تحقق من نتائجنا"، تظهر البرامج المنفذة في اليمن، ولا تقدم الحملة تقارير مالية مفصلة عن كيفية إنفاق هذه الأموال.

وقال فداء يحيى، الناشط في حملة  "أين المال؟" في شريط فيديو للحملة "نرى أرقاما كبيرة ومليارات الدولارات تصل إلى اليمن، ولا نعرف إلى أين تذهب".
 

التحقيق في مكتب منظمة الصحة
 

بدأ التحقيق الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في مكتبها في اليمن في نوفمبر/تشرين الثاني بمزاعم سوء إدارة مالية ضد نيفيو زاغاريا، وهو طبيب إيطالي، كان رئيس مكتب المنظمة في صنعاء من عام 2016 حتى سبتمبر/أيلول 2018، وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية مباشرة بالتحقيق.

وجاء الإعلان العام الوحيد عن التحقيق في جملة مدفونة في 37 صفحة من التقرير السنوي للمراجع الداخلي للحسابات لعام 2018 عن الأنشطة في جميع أنحاء العالم. ولم يذكر التقرير زاغاريا بالاسم.
 

وخلص التقرير، الذي صدر في الأول من أيار/مايو، إلى أن الضوابط المالية والإدارية في مكتب اليمن "غير مرضية" - وهو أدنى تصنيف له - وأشار إلى مخالفات التوظيف، وعقود عدم المنافسة، وعدم رصد المشتريات.

وأكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق جاساريفيتش لوكالة الاسوشيتد برس ان التحقيق جار . وقال إن زغاريا تقاعد في سبتمبر/أيلول 2018، لكنه لم يؤكد أو ينفي أن زاغاريا يخضع للتحقيق على وجه التحديد.
 

وقال " إن مكتب خدمات الرقابة الداخلية يحقق حاليا فى جميع المخاوف المثارة ". وأضاف "يجب أن نحترم سرية هذه العملية ولا نستطيع الخوض في تفاصيل بسبب مخاوف محددة".

ولم يرد زاغاريا على الأسئلة التي أرسلتها لوكالة الاسوشيتد برس عبر البريد الإلكتروني.

وصل زاغاريا، وهو موظف في منظمة الصحة العالمية منذ 20 عاماً، إلى اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2016، بعد أربع سنوات قضاها في الفلبين. وقد حظي بإشادة واسعة النطاق لتعامله مع استجابة الوكالة لإعصار هايان في تشرين الثاني/نوفمبر 2013.
 

وبسبب عمله خلال الإعصار، بدا زغاريا الشخص المثالي لقيادة الجهود الإنسانية للوكالة في اليمن، وهي عملية واسعة النطاق، تقدم الدعم لأكثر من 1700 مستشفى ومركز صحي في جميع أنحاء البلاد.

ولكن منذ البداية، قال ستة موظفين حاليين وسابقين إن مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زاغاريا كان مليئاً بالفساد والمحسوبية.

وقال ثلاثة أفراد ممن تحدثوا الى وكالة الاسوشيتد برس إن زاغاريا جلب موظفين صغار عملوا معه في الفلبين وقام بترقيتهم إلى وظائف ذات رواتب عالية لم يكونوا مؤهلين لها.
 

وقال اثنان من المسؤولين إن اثنين منهم - وهو طالب جامعى فلبينى ومتدرب سابق - تم منحهما مناصب عليا، بيد ان دورهما الوحيد كان رعاية زاغاريا.

وقال مسؤول سابق في هيئة الإغاثة إن "الموظفين غير الأكفاء ذوي الرواتب العالية" يقوضون نوعية العمل ومراقبة المشاريع ويخلقون "العديد من الثغرات للفساد".

ويُزعم أيضاً أن زاغاريا وافق على عقود مشبوهة وقعها موظفون دون أي مناقصة أو وثائق تنافسية للإنفاق، وفقاً لوثائق داخلية راجعتها وكالة الاسوشيتد برس
 

وتبين الوثائق أن الشركات المحلية المتعاقدة لتقديم الخدمات لمكتب منظمة الصحة العالمية في عدن تبين فيما بعد أنها وظفت أصدقاء لموظفي منظمة الصحة العالمية وافراد من أسرهم وحمّلت المنظمة رسوماً أكثر من اللازم مقابل الخدمات المقدمة. وقد شوهد صاحب إحدى الشركات وهو يسلم النقود إلى أحد الموظفين كما تظهر الوثائق.

وقال أربعة أشخاص على علم بالأنشطة في المكتب إن موظفة في منظمة الصحة العالمية تدعى تميمة الغولي هي التي أبلغت الحوثيين بأن المحققين يغادرون مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة. وقالوا إنها كانت تقوم بتزوير كشوفات الرواتب، وإضافة موظفين وهميين، وتحصيل رواتبهم أو أخذ مبالغ نقدية لتوظيف أشخاص. ومن بين الذين وضعتهم على قائمة الرواتب زوجها، وهو عضو في عائلة حوثية معروفة، على حد قولهم.
 

ومنذ ذلك الحين، أوقفت تميمة الغولي عن العمل، لكنها لا تزال موظفة في منظمة الصحة العالمية، وفقاً لفرد على علم مباشر بالحادثة. ولم ترد على محاولات وكالة الاسوشيتد برس للوصول إليها.

وفي عهد زاغاريا، استخدمت أموال المعونة التي كان من المقرر إنفاقها أثناء حالات الطوارئ مع القليل من المساءلة أو الرصد، وفقا للوثائق الداخلية.
 

وبموجب قواعد منظمة الصحة العالمية، يمكن تحويل أموال المعونة مباشرة إلى حسابات الموظفين، وهو تدبير يهدف إلى التعجيل بشراء السلع والخدمات في الأزمات. وتقول منظمة الصحة العالمية إن هذا الترتيب ضروري لمواصلة العمليات في المناطق النائية لأن القطاع المصرفي اليمني لا يعمل بشكل كامل.

وبما أنه من المفترض أن تقتصر على حالات الطوارئ، فلا يشترط أن يكون إنفاق هذه التحويلات المباشرة مفصلا. ووافق زغاريا على تحويلات نقدية مباشرة تبلغ قيمتها الإجمالية مليون دولار لبعض الموظفين، وفقا للوثائق الداخلية. ولكن في كثير من الحالات لم يكن من الواضح كيف أنفقوا المال.
 

وقال عمر زين، نائب رئيس فرع الوكالة في عدن الذي كان يعمل في عهد زغاريا، أنه  تلقى عدة مئات الآلاف من الدولارات من المعونات المالية في حسابه الشخصي، وفقا لمقابلات مع مسؤولين ووثائق داخلية. الا أن زين لم يستطع تفسير ما حدث لاكثر من نصف الاموال ، وفقا لما اظهرته الوثائق الداخلية.

وقال أربعة أشخاص على دراية مباشرة بعمليات المساعدات في جنوب اليمن إنه حتى مع شغل زين منصبه في منظمة الصحة العالمية، فقد عمل أيضاً مستشاراً رسمياً لوزير الصحة في الحكومة التي تتخذ من عدن مقراً لها، وحصلت مؤسسته الخاصة غير الربحية على عقد مع الأمم المتحدة تبلغ قيمته 1.3 دولار مليون لإدارة برامج غذائية في مدينة المكلا الجنوبية. وقال الأفراد إن هذه الترتيبات خلقت تضاربا في المصالح.
 

وفي وقت لاحق، رفضت اليونيسيف تجديد العقد مع منظمة زين غير الربحية بعد أن اكتشفت أن المنظمة كانت تختلق تقارير ولم يكن لها وجود فعلي على الأرض في مدينة المكلا، حسبما ذكر شخصان على علم بالبرامج.

ورفض زين، عندما اتصلت به وكالة أسوشيتد برس، التعليق وقال إنه ترك منصبه في وزارة الصحة.

ورداً على سؤال حول ما اذا كان قيد التحقيق بتهمة الفساد قال " ان من سرب هذا لكم يمكنه ان يقدم لكم جوابا " .

منظمة الصحة العالمية ليست الوكالة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تنظر في مزاعم ارتكاب موظفيها في اليمن لمخالفات.
 

التحقيق في منظمة اليونسيف
 

فوفقاً لثلاثة أشخاص على علم بالتحقيق، تحقق اليونيسف مع خورام جاويد، وهو مواطن باكستاني يشتبه في أنه سمح لمسؤول من كبار الحوثيين باستخدام سيارة تابعة للوكالة.

وقد منح ذلك بالفعل الحوثيين حماية رسمية من الضربات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين، حيث تقوم اليونيسف بتنسيق تحركات مركباتها مع التحالف لضمان سلامتهم. ويقول المسؤولون إنهم يخشون أن تكون مركبات الوكالة مستهدفة بالغارات الجوية إذا كانت قوات التحالف تعتقد أنها تستخدم لحماية المتمردين الحوثيين.
 

كان جاويد معروفاً بعلاقاته الوثيقة مع الأجهزة الأمنية الحوثية. وقال زميل سابق ومسؤول في المساعدات انه استخدم علاقته لمنع مراجعي حسابات اليونيسيف من دخول البلاد. حتى أن المتمردين الحوثيين وضعوا لوحة إعلانية كبيرة له في أحد شوارع صنعاء، شاكرين له على خدماته.

تعذر الاتصال بجاويد للتعليق. وأكد مسؤولو اليونيسيف أنه في إطار التحقيق الجاري، سافر فريق تحقيق إلى اليمن للنظر في الادعاءات. وقالوا انه تم نقل جاويد الى مكتب آخر ولكنهم لم يكشفوا عن الموقع .

ووفقا للعديد من الأشخاص الذين تحدثوا إلى وكالة الاسوشيتد برس، فإن العلاقات الوثيقة بين موظفي الأمم المتحدة والمسؤولين المحليين على جانبي النزاع شائعة.
 

وجاء في تقرير سري صادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة بشأن اليمن، حصلت عليه وكالة الاسوشيتد برس، أن السلطات الحوثية تضغط باستمرار على وكالات الإغاثة، وتجبرها على توظيف الموالين لها، وترهبها بالتهديد بإلغاء التأشيرات، وتهدف إلى السيطرة على تحركاتها وتنفيذ مشروعاتها.

وقال المسؤولون إنه من غير الواضح عدد الموظفين الذين قد يساعدون المقاتلين. وقال المسؤولون ان العديد من الحوادث التى وقعت فى السنوات الاخيرة تشير الى ان موظفى الامم المتحدة ربما كانوا متورطين فى سرقة المعونات والمساعدات.
 

وتظهر تقارير الأمم المتحدة الداخلية من عامي 2016 و2017 التي حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس عدة حوادث قام فيها المتمردون الحوثيون باختطاف شاحنات تحمل إمدادات طبية في محافظة تعز التي تعتبر ساحة قتال. وفي وقت لاحق، تم توزيع الإمدادات على المقاتلين الحوثيين على الخطوط الأمامية التي تقاتل التحالف الذي تقوده السعودية أو بيعت في صيدليات في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة المتمردة.

وقال مسؤول ساعد في صياغة التقارير إنه "من الواضح أن هناك بعض الأفراد الذين كانوا يعملون مع الحوثيين من وراء الكواليس بسبب التنسيق بشأن حركة الشاحنات".
 

وقال مسؤول آخر إن عجز الأمم المتحدة أو عدم رغبتها في التصدي للفساد المزعوم في برامجها للمساعدات يضر بجهود الوكالة لمساعدة اليمنيين المتضررين من الحرب.

وقال المسؤول عن المساعدات " ان هذا أمر فاضح لأى وكالة ويدمر حياد الامم المتحدة ".


* التحقيق نشرته وكالة "الأسوشيتد برس" الأمريكية 
* ترجمه خاصة بـ"المصدر أونلاين"

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص