2022-08-24 الساعة 06:47م (يمن سكاي - )
آيه السوائي
حين تصل مدرسة علي بن أبي طالب في منطقة البعرارة بمدينة تعز، لن تسمع ما تسمعه عادة في المدارس من أصوات أطفال تردد جماعياً ما يتلوه معلموهم، ورنين للجرس، وضحكات الأطفال، والجري على الدرج وفي ممرات المدرسة، بل ستجد أناساً اضطرتهم الحربُ للنزوح، ونقلتهم من محافظتهم (الحديدة) إلى وسط مدينة تعز، متخذين من المدرسة سكنًا ومأوى في انتظار لحظة فرج تبدو حتى اللحظة بعيدة المنال.
تتقاسم عشرون أسرة تقريبًا عشرين فصلًا هم كل المدرسة، ويقسم الفصل داخلياً لجزأين إذا كان عدد أفراد الأسرة الواحدة كبيرًا. تقول أم ملاك وهي إحدى النازحات في المدرسة: "وضعت الفاصل هذا في الفصل (تشير إلى فاصل من الخشب) لأن إخوة زوجي يعيشون معنا في نفس الفصل"، وهذا ليس حالها وحدها، فهناك إلهام وعائلتها أيضاً، والذين يعيشون وضعًا مشابهًا، والتي قالت لـ"المصدر أونلاين": الفصل اللي نعيش فيه نصفه معي أني وبنتي، والنصف الثاني لعائلة صهري.
وتصف أم ملاك التي تحدثت للمصدر أونلاين أيضا، الوضع الذي يمر به النازحون في المدرسة بالمأساوي، وتضيف: "أوضاعنا من سيء إلى أسوأ ولا يوجد من يلتفت إلى معاناتنا ويمد لنا يد العون".
ويشكو هؤلاء النازحون غياب دور المنظمات المعنية بالشأن الإنساني، يقول طاهر، وهو أحد النازحين من محافظة الحديدة إلى هذه المدرسة: "بدأت العديد من المنظمات بمساعدتنا، لكن سرعان ما توقف الدعم، علاوة على ذلك فقد قامت بعض المنظمات بتقديم مكائن للخياطة لنا، إلا أنها لم تمدنا بالكم الكافي من الأقمشة كي نستطيع العمل على المكائن، والنهوض بوضعنا الاقتصادي"، ويضيف أن "عدم وجود الطاقات الشمسية لتشغيل المكائن أعاقهم عن العمل عليها".
وفي حديثها للمصدر أونلاين تؤكد "نوره محمد" إحدى النازحات على ما سبق ذكره من فصول المعاناة، وتضيف أنهم يواجهون صعوبة في نقل الماء من البئر إلى مساكنهم، أما مياه الشرب، فكل عائلة تتحمل مسؤولية توفير المياه الخاصة بها؛ لأن المنظمات، وفاعلي الخير الذين كانوا يقومون بتعبئة خزان مياه الشرب قد توقفوا عن ذلك منذ مدة.
ويعيش النازحون إلى هذه المدرسة كغيرهم من النازحين في ربوع البلاد قلقاً مستمراً وخوف من المستقبل المجهول الذي يعاودهم شبحه كل يوم، حين يأتي مدير المدرسة ويطالبهم بالخروج منها، وحين يتسلل اللصوص ليلاً لإخافة النساء في المدرسة.
ويمثل الوضع الصحي وجهاً آخر من معاناة النازحين في هذه المدرسة، حيث يشكو معظم النازحين من أمراض مزمنة، وهم بحاجة لعلاجات مستمرة، وآخرون بحاجة لإجراء عمليات، لا يتمكنون من دفع تكاليفها الباهظة، في ظل وضع غير صحي داخل المبنى نتيجة للازدحام الشديد، يقول محمد مصطفى: "تعايشنا مع حشرة الكُتن فالمدرسة ممتلئة بهذه الحشرة التي اقتحمت أماكن نومنا وجلوسنا وكل مكان".
مصطفى ذو التسعة أشهر هو الآخر لم يسلم من الأثر الذي خلفته هذه الحرب، حيث لم يتمكن أهله من تقديم الرعاية الصحية المناسبة له، ولا تقديم العلاج الذي يحتاجه، تقول أم مصطفى إنه ومنذ كان طفلها الشهر السادس وهو يعاني من ميلان في رقبته، ما يتسبب بسيلان لعابه من جهة الفم بشكل مستمر.
وتضيف الأم بحزن: "ذهبت بطفلي لمستشفى قريب منا فحولوني لمستشفى الثورة للكشف عن المشكلة فاتضح أنه بحاجة إلى دعامة لرقبته، لكنني لا أملك المال الكافي لشرائها، وتقرر له جلسات تدليك طبيعي مجاني فرحت كثيراً وحمدت الله الرزاق"، لكن سرعان ما تلاشى فرح أم مصطفى حين لم تتمكن من الاستمرار بمعالجة طفلها بسبب تكاليف المواصلات من المدرسة إلى المستشفى.
وتبقى أمنية النازحين في هذه المدرسة والتي يشتركون فيها جميعاً، أن يعيشوا حياة آمنة وكريمة بعيداً عن أماكن الصراع، ولو بشكل نسبي، علّها تنسيهم ما قد مر قبل وأثناء النزوح من قهر وفقر وخوف لا ينتهي.
المصدر أونلاين -