2023-06-28 الساعة 05:57م (يمن سكاي - )
اصطفت خمس شاحنات وسط سوق اللحوم المركزي بمديرية دار سعد شمالي محافظة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، وكان على متنها العشرات من الأغنام القادمة من المحافظات المجاورة، لكن قلة من الناس بالقرب من المكان اهتموا بالأمر وبادروا بالسؤال عن أسعارها.
يعطي هذا المشهد صورة من التراجع الكبير في إقبال الناس على الأضاحي هذا الموسم مقارنة بالمواسم السابقة، نتيجة الغلاء الشديد الموازي لاستمرار هبوط سعر صرف العملة المحلية.
وحتى قبل أشهر من موسم العيد كانت أسعار الأضاحي ما تزال تسجل أرقاما مقبولة، مع استقرار سعر صرف العملة، لكنه حاليا ومع هبوط سعر الصرف في الأسابيع الماضية وقرب عيد الأضحى، أصبح الحصول على أضحية بسعر أقل من 100 ألف ريال (نحو مئة دولار) يعد مهمة شاقة في السوق المركزي بالعاصمة المؤقتة.
غلاء أسعار الأضاحي.. أزمة موسمية متجددة
أمسك محمد السقاف بحبل صغير ملتف حول رقبة "كبش" وبدأ يتفاوض مع أحد المواطنين الذي حدد سعر الأضحية بمائة ألف ريال، لكن السقاف أصر على البيع بمبلغ 150 ألف ريال قبل أن تفشل المساومة ويذهب كل منهما في طريقه.
ومنذ أعوام يتكرر سيناريو ارتفاع أسعار الأضاحي في مدينة عدن والمدن المجاورة لها، لكن الأعوام الثلاثة الأخيرة كانت الأسوأ بالفعل، إذ أدت انتكاسات العملة المحلية المستمرة إلى تصاعد الأسعار إلى الحد الذي خرج عن السيطرة لدى الآلاف من المواطنين.
ويقول سكان محليون في عدن أن أسعار الأضاحي قبل نحو سبعة أعوام كانت في المتناول بالتوازي مع أسعار المواد الأخرى، وهو الأمر الذي لم يكن يشكل ضغوطات عليهم فيما يخص تداخل الأولويات، لكن ميزانيتهم منذ ثلاثة أعوام تكاد لا تغطي شراء المواد الغذائية الشهرية (الراشن).
ومن الواضح أن الآلاف من المواطنين ذوي الدخل المحدود من المدنيين والعسكريين الذين تصرف مرتباتهم بشكل غير منتظم، لن يتمكنون من شراء الأضاحي على غرار العامين الماضيين نتيجة الغلاء وانعدام السيولة.
يقول عبدالله الطيب وهو مواطن عدني، إن أسعار الأضاحي تسجل كل عام ارتفاعا وهذا الارتفاع يعود لعدة أسباب أبرزها تدني سعر صرف الريال اليمني، وقال إن هذه تعد إحدى صور الانهيار المستمر للاقتصاد الوطني وللبلاد بشكل عام.
ويصف عبدالله تردي الوضع الاقتصادي بمقارنة بسيطة، فيقول إن من تمكنوا من شراء الأضاحي قبل عام أو عامين لم يحضروا إلى السوق المركزي للمواشي هذا العام، لأن الأمر الآن تجاوز امكانياتهم المادية.
وعبدالله هو أستاذ تربوي في عدن ويملك راتبا شهريا يقدر بنحو الـ90 ألف ريال يمني، لكنه قال إنه ما كان ليتمكن من جلب الأضحية إذا لم تساعده زوجته الموظفة وأحد أبنائه الذي يعمل في القطاع الخاص.
وفي حين تتعثر في الغالب عمليات التفاوض بين البائعين والمشترين خاصة من المواطنين متدنيي الدخل والذين يصطدمون بأسعار باهظة للأضاحي تتجاوز المبالغ التي بحوزتهم، فإن حركة البيع والشراء في السوق المركزي بعدن تعد الأقل نشاطا منذ عقود بحسب تجار مواشي وبائعين وسماسرة.
ووفق عبدالله مغشم وهو بائع أغنام من محافظة أبين وأحد من يوردون الأضاحي إلى السوق المركزي في عدن، فإن الإقبال على شراء الأضاحي تراجع بشكل لافت، إذ تبقت رؤوس أغنام بحوزته لم يتمكن حتى الآن من بيعها بالأسعار التي حددها قبيل يوم واحد من عيد الأضحي.
يقول مغشم للمصدر أونلاين إن المواطنين نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وتدني مرتباتهم لم تعد الأضاحي في قائمة الأولويات بالنسبة لهم على الأقل خلال السنوات الماضية، في الوقت الذي يضطر (ملاك وبائعو المواشي) إلى رفع أسعار الأضاحي بحسب قياس تكاليف النقل والأعلاف لكن الارتفاع الكبير يأتي تبعًا لتقلبات سوق الصرف.
ويتابع مغشم حديثه ويقول إن الكثير من الناس يلقي باللوم عليهم (ملاك وبائعو المواشي) في ارتفاع أسعار الأضاحي غير أنهم يجهلون أو يتجاهلون الأسباب خلف ارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أنه ليس من المنطق ان يبيعوا الأغنام التي خسروا المال في شرائها أو تربيتها بسعر منخفض.
ويضيف أن هبوط صرف العملة المحلية أحدث أضراره على الجميع بدون استثناء، فإذا كان المواطن غير قادر على شراء الأضحية بمبلغ يتجاوز الـ100 أو 120 ألف فإن من يملك رأس غنم يدفع نفس المبلغ وأكثر ليشتريه من تاجر أو بائع آخر قبل أن يجد صعوبة في تحقيق ربح كبير في ظل عزوف المواطنين عن الشراء.
ويقول مغشم إن هذا الموسم هو الأقل ربحا بالنسبة له مقارنة بالعام الماضي الذي كان أكثر نشاطا من حيث إقبال الناس على الشراء، مشيرا الى أن تراجع النشاط في السوق أدى إلى ارتباك للمئات من تجار وبائعي الأغنام الذين اضطروا إلى خفض نسبي في أسعار بعض الأضاحي.
وفين مناطق سيطرة الحوثيين شهدت أسواق اللحوم ومراكز بيع العقائق تراجعا كبيرا مقارنة بالأعوام السابقة (بداية الحرب)، كما شهدت أسواق الملابس الأمر ذاته، وذلك بسبب انقطاع الرواتب وانتشار البطالة بشكل ملحوظ أوساط المواطنين والموظفين الذي تحولوا الى عمال بالأجر اليومي نتيجة للحرب التي أشعلت فتيلها الميليشيا في 2014م.