2023-07-02 الساعة 01:18م (يمن سكاي - )
إلى جانب الصراع الممتد منذ 8 سنوات، يواجه اليمن تحديات مناخية وبيئية صعبة، بينها ضعف إدارة النفايات سواءً الصلبة أو السائلة، فضلاً عن غياب الإدارة الآمنة للمخلفات الطبية.
ويعد اليمن أحد البلدان الأقل استثماراً للنفايات في المنطقة، إذ لا تزال الجدوى الاقتصادية لصناعة التدوير فيه ضئيلة جداً مقارنة بدول الجوار، لغياب المصانع المتخصصة وحوكمة القوانين المنظمة لهذه الصناعة، وفق الهيئة اليمنية لحماية البيئة.
وقبل الأزمة الحالية، كان إنتاج النفايات في اليمن يقُدّر بأكثر من أربعة ملايينِ طن في اليوم الواحد، مع غياب القدرة على التخلص السليم منها، وذلك وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
ويتلقى أكثر من خمسين معملاً مسجلاً لإعادة التدوير في البلاد المواد القابلةَ للتدوير، من خلال شبكة غير رسمية من سماسرة النفايات، ومتاجر شراء الخردة.
وفي مكب النفايات المركزي الواقع غرب مدينة عدن جنوبي البلاد، تحرق منذ عقود وبشكل شبه يومي مخلفات صناعية وكيماوية وطبية، دون فرز أو معالجة، وتتعدى خطورة انتشارها على شكل انبعاثات وأدخنة سامة صحة السكان القاطنين في محيط المكب، لتشمل التربة والمياه الجوفية والبيئة، حسب تقارير حكومية.
وقال مدير عام مكتب الصحة والسكان في عدن الدكتور أحمد البيشي لـ"الشرق" إن هناك معضلة حقيقية تتعلق بطريقة التخلص من النفايات عموماً، والطبية بشكل خاص لمئات المرافق الصحية في عدن ومحيطها، لافتاً الى أن هذه المخلفات تلقى في مكبات النفايات العامة، بما في ذلك الأعضاء المبتورة ومخلفات الولادة وحقن الأمراض المعدية وحتى الأدوية منتهية الصلاحية، ما ساهم في تفشي أمراض خطيرة بينها فيروس الكبد الوبائي والسرطان.
ولفت البيشي الى أن مكتب الصحة في عدن بصدد حل هذا الإشكال، من خلال إنشاء شركة متخصصة تتولى جمع النفايات الطبية والتخلص السليم منها وفق المعايير المتعارف عليها عالمياً.
ووفق مشاهدات ومصادر طبية، فإن عشرات المستشفيات والمعامل والمختبرات الطبية في عدن تتخلص من نفاياتها الملوثة في براميل القمامة العامة، إذ تتجاوز نسبتها 20% من إجمالي المخلفات المسكوبة في المكب المركزي شمال المدينة، بحسب تقرير صادر عن المؤسسة اليمنية للتوعية الصحية.
وأمام هذا الوضع المختل في التعامل مع النفايات الصلبة في اليمن، تبرز صورة أكثر قتامة وخطورة على حياة السكان والأحياء البحرية في سواحل مدينة عدن، نتيجة تصريف أكثر من 80 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً في مياه بحر عدن، لأكثر من ثمان سنوات.
ومن شأن استمرار تدفقِ هذه المياه غير المعالجة التسبب بكارثة بيئية، وفق خبراء حذروا من أن آثارها لن تقتصر على الأحياء البحرية ومصائد الأسماك فحسب، بل ستمتد إلى انتشار أمراض مختلفة في الأحياء السكنية المحيطة بالمياه الملوثة.
نادر باسنيد الخبير البيولوجي ورئيس قسم البيئة البحرية في هيئة المساحة الجيولوجية قال لـ"الشرق" إن تصريف مياه الصرف الصحي في بحر عدن المستمر دون معالجة منذ 8 سنوات عمل على تكديس ومراكمة مخلفات فيزيائية وكميائية وبيولوجية، وهو ما أثر بشكل كبير على المردود السمكي وعلى الصحة المجتمعية في مدينة عدن.
ولفت باسنيد الى أن اعتماد سكان عدن في غذائهم على الأسماك كوجبة رئيسية أدى إلى تفشي العديد من الأمراض في المجتمع، خاصة بين الأطفال، من بينها الحصبة والكوليرا والتيفود، لأن هذه الأسماك تتغذى من موائل ملوثة بمياه الصرف الصحي.
ويقول خبراء في هيئة المساحة البيولوجية في اليمن إن فرص مدينة عدن تتضاءل في مجال تحلية مياه البحر، نتيجة انتشار التلوث إلى مسافات أعمق في سواحل المدينة الواقعة على البحر الأحمر.
وليست مياه الصرف الصحي السبب الوحيد في تلوث مياه البحر في سواحل المدينة، فالزيوت والديزل المتدفق من عدد من السفن المتهالكة والراسية منذ أكثر من 12 عاماً في محيط ميناء عدن تسهم بنحو 12% من نسبة التلوث البحري، وفق الهيئة العامة لحماية البيئة.
وحذرت الهيئة من أن التعاطي الحالي مع هذه المسببات من قبل الجهات ذات الصلة ينذر بكارثة، قد تخرج الميناء عن العمل على المدى الطويل، في حال لم يتم إيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلات مجتمعة، بحسب وليد الشعيبي مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن.
وممّا يزيد وضع النفايات سوءًا في اليمن، استمرار حرق مخلفات مثل مبيدات حشرية وبطاريات وزيوت سيارات في الهواء الطلق، وطمر بعضها فوق بعض ما يساعد على تراكم المواد السامة من الأبخرة والرماد في الشبكة الغذائية للمراعي القريبة، والنباتات المغذية لعدد كبير من الأغنام والحيوانات الأخرى في المنطقة.
ويرى الدكتور شائف أحمد عميد كلية العلوم في "جامعة عدن" أن مشكلة النفايات في اليمن تحتاج إلى بحث أعمق، وإدراك من قبل صناع القرار لفائدتها حال استغلالها بالشكل الأمثل، وخطورتها إن حدث العكس، سواءً على الإنسان أو البيئة.
وأضاف أحمد لـ"الشرق" أن النفايات الطبية خصوصاً كانت تعالج في جنوب اليمن قبل الوحدة بطرق علمية سليمة، إذ أنشئت في المستشفيات محارق خاصة لهذا الغرض.
وأشار الى أن جزءاً من هذه المواد يتحلل إلى نفايات سائلة تتغلغل في التربة وصولاً الى طبقات المياه الجوفية، وما يعنيه ذلك من كلفة مادية وصحية وآثار تحتاج إلى مبالغ باهظة لمعالجة آثارها.
التكلفة الباهظة لعمليات الفرز والتخلص السليم من النفايات، وكلفة عمليات التدوير في اليمن، وفق المعاييرِ الدولية، يعنيان أن الجدوى الاقتصادية لها لا تزال في حدها الأدنى.
وقال الدكتور فهد السلامي أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن لـ"الشرق" إن اهدار الفرص المتاحة في صناعة التدوير في اليمن وتخلفها في مجال بات يدر ملايين الدولارات في الاقتصادات المحلية في معظم دول العالم؛ يعد مشكلة كبيرة باتت آثارها تتبدى شيئاً فشيئاً.
وأضاف "صانع القرار في اليمن يجب أن يدرك أن النفايات تعد ثروة لا تقل أهمية عن باقي المدخلات المربحة، ومن شأن الاهتمام بها استيعاب الآلاف من العمالة غير الماهرة، وهم في اليمن بمئات الآلاف نتيجة ضعف مخرجات التعليم".
المصدر: الشرق