2023-08-21 الساعة 03:07م (يمن سكاي - )
تعد محافظة إب الواقعة وسط البلاد واحدة من أغنى المحافظات اليمنية بالآثار والمواقع التاريخية التي تعود لحضارات ضاربة في عمق التاريخ، غير أن تلك الآثار والمواقع التاريخية تتعرض للعبث والتدمير الممنهج، من قبل مافيا تقوم بالتنقيب عن هذه الآثار بهدف تهريبها إلى خارج البلاد والتربح من وراء بيعها.
ووفقاً لخبراء ومختصين في الآثار بمحافظة إب، فإن هذه العصابات تمتلك أجهزة متطورة للبحث عن الآثار، وتعمل غالباً لصالح قيادات في ميليشيا الحوثي هي التي تتولى عملية التهريب والبيع.
مؤخراً، كشفت حادثة نبش جديدة بإحدى بلدات مديرية ذي السفال جنوبي المحافظة، عن حجم العبث الذي تتعرض له الآثار المنتشرة بمختلف مديريات المحافظة، بحسب مختص الآثار اليمني عبدالله محسن، والذي كتب على صفحته بموقع فيسبوك: "اكتشاف موقع أثري يرجع للفترة ما قبل الميلاد في ذي العلا بمحافظة إب المعروفة حاليا بذي السفال"، مشيراً إلى أن عملية الاكتشاف تمت بالصدفة أثناء عملية بحث عن الآثار اليمنية.
جبل الرئسي قرية المقواله عزلة حبير في مديرية ذي السفال (جنوب إب)
مصادر مطلعة وأخرى محلية أفادت بأن مواطنين اكتشفوا بالصدفة الموقع الأثري الذي يقع في جبل "الرئسي" بقرية "المقواله" بعزلة "حبير" في مديرية "ذي السفال"، حين كانوا يبحثون عن آثار محتملة في الموقع.
وبحسب توضيح من مكتب الآثار في المحافظة، نشر حديثاً، فإن الموقع المكتشف من المواقع الأثرية الهامة، وهو عبارة عن مستوطنة، قديمة قد تعود الى الدولة القتبانية، تقع على مساحة كبيرة في المنحدر الجنوبي لجبل الرئسي".
وأفاد مكتب الآثار أن الموقع "يتطلب مسحاً أثرياً ومجسات، مع عدم السماح باي أعمال بناء أو حفر فيه لأي غرض كان"، مؤكدا "العثور على مجموعة من القطع الاثرية من حجر الكلس على شكل تماثيل آدمية وتماثيل حيوانية وبعض منها مكسور"، مشيرا إلى أنه "تم العثور على مثل هذه القطع في مقبرة شكع وتعود إلى القرن الأول قبل الميلاد ومعروضه في كلٍّ من متحف الضالع ومتحف عدن الوطني".
وأكد مكتب آثار إب، أنه تم تجميع القطع الأثرية، وحفظها لدى المواطنين، حيث كان معظمها لدى مواطن يدعى "عبدالكريم فرحان محمد رحيمان"، وأنه تم تسليمها لمواطن آخر يدعى "محمد علي عمر جحشر"، حتى يتم تسليمها الى مكتب الآثار بالمحافظة بصفة رسمية وايداعها بالمتحف الوطني بمحافظة إب.
مواطنون وحقوقيون، أبدوا تخوفاتهم من العبث بالموقع والقطع الأثرية في مديرية ذي السفال، وخشية واسعة من تهريبها أو المتاجرة بها، في الوقت الذي تتعرض فيه آثار المحافظة للعبث والتهريب من قبل نافذين وقيادات حوثية عليا.
وبحسب مختصين في الآثار، فإن مديرية ذي السفال تضم مواقع أثرية كبيرة، بعضها مسجلة بمسح أثري والبعض كانت قد تعرضت للنبش في ظل وجود مجموعات غير قانونية تملك أجهزة للبحث عن الكنوز، وسط تواطؤ وغياب الرقابة من سلطات المليشيا التي تسيطر على المحافظة.
وتأتي عملية اكتشاف الموقع الأثري القديم، في الوقت الذي يتعرض فيه مسجد "القاضي" الأثري التاريخي بمدينة جبلة جنوب غربي مدينة إب، للعبث من قبل أحد عناصر مليشيا الحوثي بالمحافظة، حيث قام بالبناء في سطح المسجد وتعريضه لمخاطر الانهيار، بالتزامن مع استخدامه لصالحه الشخصي، وسط رفض مجتمعي واسع.
مصادر محلية وشهود عيان، أفادوا بأن المسلح الحوثي المدعو "عبدالسلام الأنباري"، أقدم على بناء مطبخ وحمام فوق جامع "القاضي" التاريخي بمدينة جبلة، بالإضافة إلى استخدامه "سطح الجامع لوضع ألواح الطاقة الشمسية وتركيب "الدش" ولغسيل الملابس"، في ظل غياب أي دور لمكتب الأوقاف بالمحافظة والخاضع لسيطرة المليشيا.
وأشارت المصادر إلى أن المسجد وهو من أقدم المباني إذ مر عليه نحو 300 عام منذ بنائه، بدأ بالتأثر وتتهدده العديد من المخاطر، بالتزامن مع اعتداءات المسلح الحوثي.
ويعد المسجد أحد المعالم الأثرية في مدينة جبلة التي تزخر بتراث كبير، يتعرض للإهمال والاعتداء من قبل عناصر وقيادات في ميليشيا الحوثي، حيث كانت المدينة عاصمة الدولة الصليحية في عهد الملكة سيدة بنت أحمد الصليحي والمشهورة بالملكة "أروى".
أطلال مدمرة
في نهاية نوفمبر من العام 2021، تعرّض ضريح الشيخ "جمال الدين بن علي الحداد"، الكائن في قرية "عدن محلاق" بعزلة "عينان" في مديرية "السبرة" جنوب شرقي محافظة إب، لعملية تخريب متعمدة من قِبل عصابات تعمل في المتاجرة بالآثار، والتي أقدمت على حفر الضريح واستخراج الرفات والعبث به، قبل أن يلوذ عناصرها بالفرار.
"خالد غالب" الذي شغل منصب مدير هيئة الآثار والمتاحف في إب آنذاك، أكد في تصريحات إعلامية بأن ما تعرّض له ضريح الحداد يعد عملاً إجرامياً بحق المعالم التاريخية، وأن هذه الأعمال تستهدف كل ما له علاقة بتاريخ اليمن، مشيرا إلى وجود عصابات داخل مديريات المحافظة تسعى لتدمير وسرقة الآثار.
وفي يناير الماضي، أكد مختص الآثار عبدالله محسن، عن تعرض آثار منطقة "ظفار" بمحافظة إب، لعمليات نهب وتهريب وحفر عشوائي، في ظل غياب أي دور للحد من الجريمة التي تطال آثار اليمن منذ تسع سنوات، وقال إن "المواقع الأثرية في اليمن تتعرض لعمليات نبش وحفر عشوائي واسع النطاق، من بينها مدينة ظفار الأثرية بمحافظة إب".
وتضم منطقة "ظفار يحصب" حسب المصادر التاريخية، عدداً من الحصون الأثرية والتاريخية منها حصن العرافة الذي كان يضم قصراً مهدمًا ومقبرة صخرية منحوتة داخل الجبل، بالإضافة إلى اكتشاف معمل لصياغة الذهب والتماثيل الثمينة في قصر "العرافة".
وأشار الباحث "محسن" في منشور له على "فيسبوك"، إلى أن مراسلات أحمد حامد مدير مكتب القيادي الحوثي "مهدي المشاط" ـ رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي التابع لمليشيا الحوثي، مع الجهات المعنية والمحافظين خلال العامين 2021 و 2022 تشير إلى اعتراف بوجود ظاهرة لم تعد تخفى للعيان مع علم كل الأجهزة الرسمية بعمليات النهب والتهريب لتلك الآثار.
وأكد أن أحد هذه المواقع الأثرية مدينة ظفار الأثرية في إب، والتي تعرضت لعمليات نبش خلال الفترة الماضية نتج عنها استخراج كمية من الآثار منها تمثال برونزي يزن (684) جراماً بطول يزيد عن 20 سم وعرض (6.5) سم، لافتا إلى أنه سيتم عرض تمثال برونزي أثري من ظفار التاريخية بمحافظة إب، بالإضافة إلى وجه أسد يعرضان للبيع في العاصمة صنعاء.
في فبراير من العام الماضي، تعرض متحف ظفار الأثري بمديرية السدة للسرقة، حيث اختفت قطعتان من الآثار والتحف المهمة، في ظل غياب أي دور للجهات المعنية الخاضعة للمليشيا.
وبحسب مصادر مطلعة فإن من بين المسروقات ختم أثري يعود للدولة الحميرية بالإضافة إلى لوحة برونز بحجم كف اليد، سرقتا من داخل متحف الآثار بمديرية السدة، مشيرة إلى أن عمليات تهريب مستمرة للآثار بمحافظة إب تجري على قدم وساق، وبرعاية من قيادات حوثية عليا، ترى في الآثار فرصة للمتاجرة والربح.
وفي فبراير 2022، عثر مواطنون على مومياء في قرية "مريت" بمديرية السياني، وعبثوا بها وبمواد التحنيط.
الجامع العمري
يعد الجامع العمري أو ما يعرف بالجامع الكبير الواقع في مديرية المشنة بمحافظة إب، واحد من أقدم وأهم المساجد في اليمن، ووفقا للمصادر التاريخية فقد بني في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، ويبلغ عمر مئذنته نحو 900 عام، لكن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران مارست في السنوات الأخيرة عبثاً كبيرا بالمسجد بحجة ترميمه.
وأوكلت ميليشيا الحوثي، لأحد المقاولين التابعين لها مهمة ترميم الجامع بطريقة أفقدته قيمته التاريخية ومكانته كمنارة علم في المدينة عبر هذه السنوات الطوال، وفقا لمختصين في علم الآثار.
وفي أكتوبر من العام 2015، تعرضت منارة المسجد للسقوط، نتيجة الإهمال الذي طال المسجد منذ سنوات طوال وتضاعف مع سيطرة ميليشيا الحوثي.
وكان فريق من خبراء الآثار زار مدينة إب قبل ثلاث سنوات، وأعد تقريراً أكد فيه أن مواد البناء التي استخدمت في ترميم المسجد لا تتماشى والطابع الأثري، وأن بقاء الوضع على حاله يهدد بانهيارات في أجزاء من الجامع.
آثار جبل العَود
في نهاية ابريل 2019، لعب ملف الآثار في جبل العود، دوراً مهما في إسقاط مناطق العود بمديرية النادرة شرق محافظة إب، بيد مليشيا الحوثي، بعد أن كانت في قبضة رجال المقاومة الشعبية.
وكشفت مصادر مطلعة آنذاك لـ "المصدر أونلاين" أن من بين أبرز الأسباب التي عجلت بسقوط جبهة العود الاتفاقات التي جرت بين عدد من مشايخ العود وقيادات حوثية بخصوص الآثار التاريخية فيها، إضافة إلى صفقات أخرى متعلقة بغنائم الأسلحة وأموال كبيرة حصل عليها المشايخ من المليشيا.
المصادر أفادت أن قيادات حوثية عليا تكفلت بمبالغ مالية لعدد من المشايخ مقابل تسليم قطع أثرية هامة بحوزة عدد من المواطنين بمناطق العود، وجري الضغط على الأهالي لتسليم تلك الآثار لقيادات حوثية مرتبطة بشبكة عليا من مليشيا الحوثي تقوم بتهريب وبيع الآثار مقابل الحصول على مبالغ مالية كبيرة.
آثار السدة
تزخر مديرية السدة، شرقي محافظة إب، بآثار واسعة شاهدة على حضارات يمنية قديمة شهدتها المنطقة، في الوقت الذي تتعرض فيه تلك المواقع لعمليات نبش ونهب من قبل عصابات نشطت خلال الأشهر والسنوات الماضية، كتلك التي في عزلة "جبل عصام" بالمديرية، والتي تعد من أكثر المناطق تعرضاً للنهب ونبش الآثار تقوم به العصابات والتي نجحت أحياناً في الوصول إلى قطع ذهبية وتماثيل.
مواطنون أشاروا في حديثهم لـ"المصدر أونلاين" إلى أن عناصر حوثية مرتبطة بقيادات عليا، استحدثت في نوفمبر من العام الماضي، موقعاً عسكرياً في عزلة جبل عصام بالمديرية والتي تضم موقع آثار للدولة الحميرية، في الوقت الذي كان هدف الاستحداث البحث عن الآثار ونهبها بمبرر التواجد العسكري.
ومع مرور السنوات تتعاظم المخاطر والتهديدات للمعالم التاريخية والأثرية في محافظة إب، نتيجة انتشار عصابات ومافيا منظّمة تعمل بالمتاجرة بالآثار، وتهريبها إلى خارج البلاد بالتعاون مع قيادات في مليشيا الحوثي، وفقا لمختصين.