أهم الأخبار

صنعاء...مدينة أدمنت المآسي وتقاوم بصمود أسطوري

2015-09-16 الساعة 11:33ص (يمن سكاي - متابعات)

صنعاء حَوت كل فن"، هكذا قِيل قديماً، أمّا اليوم فقد تغيّر الوضع تماماً، في العاصمة اليمنية كل مشاهد الدمار والذُعر وعدم الاستقرار، بعد الانقلاب الذي نفذه الحوثيون نهاية أيلول (سبتمبر) 2014. لم يترك الحوثيون، الذين أباحُوا لأنفسهم الانقضاض على الدولة اليمنية بمؤسساتها وأجهزتها المدنية والعسكرية، بحجّة "تطهيرها" من "الفساد والفاسدين"، شيئاً من الفساد والنهب إلا وفعلوُه، فمَنْ سيطهِّر الآن مؤسسات الدولة وأجهزتها من فسادهم ومنهم؟ هكذا يتساءل كثير من المواطنين في صنعاء. لم يكد أهالي صنعاء المُحاصرون يلتقطون أنفاسهم من بغي وظلم ميليشيا الحوثي المستمر، حتى دخلوا في مواجهات جديدة لا تقِل صعوبة ومعاناة عن سابقاتها، تشمل تشديد الحصار، وقطع المعونات الإغاثية، وعدم توفير الخدمات الأساسية، كالكهرباء، والماء، والمشتقات النفطية، والقصف المستمر، أزيز الرصاص الذي لا يتوقف، فضلاً عن الرعب الذي يحيط بالمدينة من كل اتجاهاتها. وشهدت العاصمة خلال الأسبوعين الماضي والحالي غارات جوية كثيفة وصفت بأنها الأشد والأعنف منذ بدء "عاصفة الحزم" في آذار (مارس) الماضي. واستهدفت الغارات مواقع وأهدافاً للحوثيين والقوات الموالية لهم، تمهيداً لخوض غمار معركة تحريرها. وقالت المواطنة سكينة علي لـ"الحياة": "نحن مقيمون في منطقة فج عطان، لم نكُن نعرف أن بيوتنا تقع فوق مستودع ضخم للأسلحة والذخائر، إلا حين أغارت الطائرات على بيوتنا. وكأن نوافذ من الجحيم انفتحت علينا، وبراكين تخرج من الأرض، ودوي انفجارات يصم الآذان، ويفزع القلوب". وأضافت: "هناك عدد كبير من الضحايا. ابن أخي الصغير أصابته شظية في عنقه. وأيضاً جارتنا كانت حبلى أصابتها شظية قطعت بطنها وماتت هي وجنينها في الحال. معظم البيوت تضرر، وسكانها نزحوا إلى أماكن أكثر أماناً. لم نعُد نعرف الأمان"! وأشارت إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي تفرضها الميليشيا على جميع مناحي الحياة في العاصمة. وقالت: "منذ دخول الحوثيين صنعاء لم نرَ خيراً قط. كل يوم يزداد الوضع سوءاً. الفوضى والفساد في كل مكان، حتى في الدوائر الحكومية، من المستحيل أن تنجز معاملة من غير رشوة". الشوارع امتلأت بالقمامة، والمجاري طافحة، والأمراض المعدية منتشرة. نصحو بعد ليلة رعب طويلة ونحمد الله أننا لا نزال أحياء، لنخرج من الصباح ونجري من طابور لطابور من أجل توفير الأكل (رغيف وخبز وماء)، منذ دخول هذه الميليشيا نسينا شيئاً اسمه كهرباء، إذ انقطعت عن جميع الأحياء كلياً منذ أكثر من 60 يوماً، حتى أنها أصبحت شيئاً من الترف، واستغنينا عنها منذ مدة". "أما البنزين فقد عمد الحوثيون إلى الاستحواذ عليه وتهريبه إلى السوق السوداء. الوضع الذي شجعّ المضاربين على بيعه بأسعار خيالية تعادل قيمته الرسمية ثلاث مرات، لذلك أصبحت الحركة في صنعاء شبه مشلولة، والشوارع فارغة. صنعاء التي تُعد من أكثر العواصم ازدحاماً بالسكان أضحت خاوية على عروشها". وزادت: "حتى الجامعات والمدارس أصبحنا نخاف أن نرسل أولادنا إليها، خصوصاً بعد اعتقال مجموعات من الطلاب والأساتذة من قِبل الحوثيين بلا مبررات. قبل يومين اعتقلوا صديق أخي بدعوى أنه (يتعاون مع الدواعش). لم نعد نستطيع الخروج من البيوت، بل لم نعد نمتلك حتى الرغبة في الخروج!".   عشنا أسوأ مراحل التاريخ وقال مواطنون إنهم يعيشون أسوأ مرحلة في تاريخ البلاد القديم والحديث، فصنعاء الحضارة أضحت غابة مستوحشة، وبعد سيطرة الحوثيين عليها فُقدت الأنظمة والقوانين، وتعطّلت الدساتير، واستبدلوا أقسام الأمن بعصابات تحكم بالمزاجية الطاغية. وقال الصحافي ماجد الأعور لـ"الحياة": في صنعاء أغُلقت الكثير من المؤسسات العامة والخاصة بعد انتهاك واقتحام ونهب الكثير منها بحُجج واهية، وفي ظل تنامي العجز الشديد في الوضع الاقتصادي تم إغلاق ما يُقارب 65 في المئة من المؤسسات، والاستغناء عن الكثير من الموظفين، ومنحهم إجازات مفتوحة بلا راتب، ما ترتب عنه كارثة إنسانية حقيقية. وعلى صعيد التجارة هناك ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية، ولا توجد رقابة على التجار، فكل تاجر يبيع على هواه، ما ولد احتقاناً اقتصادياً كبيراً، وعجزاً لدى الأسر عن الشراء، حتى أن بعضهم لجأ إلى بدائل منها استبدال الغاز بالحطب، بعد ارتفاع أسعار الأول بنسبة 300 في المئة للمرة الأولى في تاريخ اليمن. وأضاف: "هناك مأساة أخرى. وكما هو معروف فإن نسبة الأمية في اليمن تتجاوز 50 في المئة، وهناك عمال كُثر كل عائدهم واعتمادهم على الأعمال اليومية والحرفية، مثل الحفريات وغير ذلك من المهن التي انعدمت في شكل نهائي، ولجأ بعضهم إلى العودة إلى الريف بسبب الفقر، كون الريف يُعدّ أقل متطلبات وكلفة"! وعمَدت ميليشيا الحوثي إلى فرض امتحانات الشهادة الثانوية العامة والإعدادية في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، وخراب غالبية المدارس، وعدم تهيئة الصفوف الدراسية للامتحانات. أما في الجامعات فقد وصل الأمر إلى حد الاعتداء بالضرب على عدد من أساتذة جامعة صنعاء، أثناء وقفة تضامنية لهم للمطالبة بالإفراج عن زملائهم المختطفين لدى الميليشيا منذ مدة. وقامت الميليشيا أيضاً بمُحاصرة عدد من المحاضرات الجامعيات في إحدى الغرف بكلية الاقتصاد، كن لذن بها أثناء الاعتداء على زملائهن. وقال طالب في جامعة صنعاء (فضّل عدم ذكر اسمه) إن الحوثيين قاموا بفضّ وقفة احتجاجية لطلاب قسم السياسة طالبوا فيها بالإفراج عن الدكتور عبدالمجيد المخلافي الذي اختطفته الميليشيات منذ نحو أربعة أشهر. وهجم الحوثيون على مجموعة أساتذة، منهم عبدالله الفقيه (قسم سياسة) والدكتور علي سيف نائب عميد كلية التجارة والاقتصاد، والدكتور صالح الحماسي (قسم إدارة). وطاردوا الطلاب والطالبات وحاولوا مصادرة هواتفهم. وحين رفض الطلاب هجموا عليهم وضربوهم. وقاموا أيضاً في اليوم نفسه باعتقال الأستاذين في قسم السياسة عدنان المقطري ومحمد الظاهري ، وطلاب شاركوا في الوقفة، وأفرجوا عنهم بعد أيام. هكذا هم الحوثيون دائماً... من قبح إلى قبح. وقال علي قاسم، وهو أحد النازحين من تعز إلى صنعاء: "أتيت إلى صنعاء قبل شهرين بسبب اشتداد المعارك في تعز بعد دخول الحوثيين إليها. وضع صنعاء كان أفضل من تعز نسبياً. يدهشني جداً ما يحدُث هنا. على رغم المُعاناة والحرب والدمار والظروف المعيشية الصعبة جداً، لكن الحياة مستمرة في شكل طبيعي. وعندما أقول الظروف صعبة جداً فأنا لا أبالغ، لأنه حتى أبسط أساسيات الحياة غير متوافرة، فالكهرباء مثلاً مقطوعة منذ أشهر، وأكثر الناس يعتمدون على ألواح شمسية. ولو كنت تريد مثلاً أنبوبة غاز، أو عبوة بترول، أو حتى ماء للشرب فعليك أن تقف في طوابير طويلة، وبأسعار مرتفعة جداً. وعلى رغم هذا تجد المقاهي مليئة بالناس والمحلات والأسواق مفتوحة، والطلاب والطالبات يذهبون إلى المدارس والجامعات، كأنهم لم يقضُوا ليلهم في صراخ وبكاء ودعاء". وزاد إن "صُمود هذه المدينة وأهلها أسطوريّ".

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص