2015-10-11 الساعة 12:51م (يمن سكاي - متابعات)
يرجح أن تكون تفجيرات أنقرة، أمس السبت، وهي الأكثر دموية في التاريخ الحديث للجمهورية التركية، بحصيلتها الهائلة مع 97 قتيلاً وحوالي 200 جريح، ومع ملابساتها وتعقيداتها لناحية الجهة المنفذة، محطة فاصلة في السياستين الداخلية والخارجية لتركيا الرسمية: في الداخل، قد تؤدي إلى المزيد من التوتر والدماء مع الأكراد، على الرغم من تزامن التفجيرات مع إعلان حزب العمال الكردستاني وقف عملياته العسكرية لأسباب انتخابية من جهة، أما في الخارج، فقد تكون لها انعكاسات سورية مثلما كان لعملية سوروج قبل حوالي 3 أشهر، مع اتجاه الأنظار نحو تنظيم "داعش" لجهة تنفيذ العملية الدموية.
وإذا كان تفجير سوروج في أورفة، الذي خلف 33 قتيلاً، وقبله تفجير الريحانية في 2013، قد فتح الطريق لارتفاع الحديث عن الخطة التركية للتدخل في سورية، فإنّ تفجيري أنقرة قد يكونان فرصة لخروج حكام تركيا عن السبات الذي بات يطبع سلوكهم إزاء التطورات السورية، والحملة الروسية ــ السورية النظامية على الشمال، والتي يستفيد منها تنظيم "داعش" بشكل رئيسي.
"
التفجير الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية التركية
"
وضربت تفجيرات أنقرة حشداً شعبياً لمجموعة من منظمات المجتمع المدني المعارضة والموالية لحزب الشعوب الديمقراطي (ذو الغالبة الكردية)، الداعية إلى السلام ووقف القتال بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، وذلك بحضور نواب عن حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) ونواب عن الشعوب الديمقراطي، مما يفتح الأبواب، مرة أخرى، أمام التساؤلات حول الإجراءات التي ستتخذها الحكومة، سواء على المستوى الداخلي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، أو على المستوى الخارجي المتعلق بالأزمة السورية، والحرب على "داعش"، في ظل التدخل الروسي الأخير والتوتر الذي رافقه بين حلف شمال الأطلسي وتركيا من جهة، وموسكو من جهة ثانية.
وبحسب وزارة الداخلية التركية، فقد أسفر هجوم أنقرة، عن مقتل 97 شخصاً وإصابة حوالي 200 آخرين، عبر تفجير مزدوج ضرب ساحة الصحية في العاصمة بالقرب من محطة القطارات، حيث يشير الكثير من المراقبين إلى التشابه بينه، وبين تفجير سوروج الذي نتج عن عملية انتحارية قام بها أحد العناصر التابعة لـ"داعش"، وأسفر أيضاً عن مقتل 33 وجرح ما يقارب مائة آخرين.
يقول النائب عن حزب الشعب الجمهوري موسى جام، المشارك في التظاهرة المستهدفة، إن التفجير كان مزدوجاً فصلت بينهما فترة قصيرة جدا، وهو ما يكرره النائب اليساري التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي، إرطوغول كوركوجو.
واندلعت اشتباكات بين قوات الشرطة التركية التي توجهت إلى مكان الانفجار وبعض المتظاهرين المتواجدين هناك، الذين اتهموا الشرطة بالتقصير وتأخير قدوم سيارات الإسعاف، مما دفع الشرطة إلى استخدام قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين.
"
تزامن التفجير مع إعلان العمال الكردستاني وقفاً لإطلاق النار
"
بدوره، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية والباحث في "الوقف التركي للأبحاث السياسية والاقتصادية"، نهاد علي اوزجان، أن قائمة المشتبهين بتنفيذ الهجوم طويلة، "إن نظرنا إلى هوية المستهدفين في المجرزة، فإن الأمر سيبدو أكثر وضوحاً، وهو استهداف أكثر الحركات حساسية في تركيا، وبالتالي تعميق الشروخ والتصدعات التي يعاني منها المجتمع التركي أساساً، بسبب الحرب بين الدولة والعمال الكردستاني، وقد تكون داعش أيضاً، ومن الممكن أن تكون استخبارات تابعة لدولة أجنبية، وبالتالي يمكن وضع المخابرات السورية على رأس القائمة"، مضيفاً: "لكن المخيف هذه المرة، وهو ألا يكون تفجير أنقرة سوى البداية".
بجميع الأحوال، لن يمر هجوم أنقرة بسهولة، سواء على المستوى الداخلي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العامة في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أو على المستوى الخارجي.
داخلياً، من المتوقع أن تقوم مختلف الأطراف باستغلال الحادثة في الحملات الانتخابية، إذ ستكون الحادثة بالنسبة للشعوب الديمقراطي وسيلة للهجوم على الحكومة، مع توجيه زعيم "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش انتقادات شديدة للدولة التركية، قائلاً إن "هذا الهجوم ليس موجهاً لدولتنا وأمتنا معاً، بل هي عملية قامت بها الدولة ضد الشعب".
"
التفجيرات قد تكون فرصة لتركيا لتحريك تدخلها في سورية إن ثبت تورط داعش
"
أما على الجانب الحكومي، وبعدما أعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن وقفه للنشاطات الجماهيرية الانتخابية التابعة لحزبه "العدالة والتنمية" لمدة ثلاثة أيام، دان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التفجير، واضعاً ما حصل في سياق "الهجمة الإرهابية" التي تتعرض لها الدولة التركية، بما في ذلك الهجمات التي ينفذها حزب العمال الكردستاني، قائلاً "أدين هذا الهجوم المقيت الذي يستهدف وحدتنا والاستقرار في بلادنا، حيث لا يوجد فرق بين الهجمات التي استهدفت في وقت سابق قوات الجيش والشرطة وحماة القرى وموظفي الدولة ومواطنيها الأبرياء، وتلك التي حصلت اليوم في مدينة أنقرة". ورأى أن "الهدف من وراء هجوم أنقرة، هو الإيقاع بين أجزاء المجتمع المختلفة، لذلك على الجميع أن يتصرف بمسؤولية وحذر، وأنا أدعو الجميع إلى الوقوف في وجه الإرهاب وليس إلى جانبه"، في إشارة إلى حزب الشعوب الديمقراطي الذي تتهمه الحكومة بمساندة العمال الكردستاني.
يأتي هذا بينما اتهمت جريدة "يني شفق" الموالية للحكومة حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراء التفجير، معتمدة على أحد الحسابات التابعة للعمال الكردستاني على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، باسم "بير أوزان أبتال"، يحذر فيه من احتمال وقوع تفجير مشابه للذي حدث في سوروج عبر تغريدة قال فيها: "إن أكثر الاحتمالات المرعبة، أن يكون هناك سوروج اثنان، وإن حدث أي تفجير سيفتح الباب لحدوث مجزرة، إن هذا احتمال كبير، وإن كانت التظاهرة قانونية، فإنها قد تكون وسيلة للقيام بمجزرة سياسية، مما يرفع احتمال حدوث مثل هكذا هجوم". وأنهى الحساب بتغريدة قال فيها: "إن حصل ومتُّ يوم غد، سيقولون إنه لم يحب هذه البلاد قط، لكني أحببت هذه البلاد كثيراً من إدرنة (أقصى غرب تركيا) إلى أردهان (أقصى الشرق)".
"
حزب الأكراد يتهم الدولة بالتفجيرات عشية انتخابات 1 نوفمير
"
وبعد أيام من حديث مسؤولي الشعوب الديمقراطي عن اقتراب إعلان وقف إطلاق النار بين الكردستاني والحكومة التركية، مع التأكيد أنه لا يوجد أي معلومات مؤكدة عن الأمر، وتأكيد داود أوغلو أن العمليات التركية ضد "الإرهاب" ستسمر لحين إعلان التنظيم ترك السلاح، سارعت اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي تعمل تحت لوائها جميع التنظيمات التابعة للعمال الكردستاني)، بعد ساعات من تفجير أنقرة، لإعلان وقف إطلاق النار مجدداً من جانب واحد، فيما بدا مساندة لحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، عبر تفويت الفرصة على باقي الأحزاب السياسية باستخدام عمليات الكردستاني ضد قوات الأمن التركية، كوسيلة للهجوم على الشعوب الديمقراطي، واتهامه بمساندة العمليات العسكرية.
وأعلنت رئاسة "اتحاد المجتمعات الكردستاني"، تحت ضغط الضربات القوية التي وجهتها لها الحكومة التركية، سواء داخل المدن التركية أو الأرياف أو في معاقل الحزب في شمال العراق، عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، مع الاحتفاظ بالوضع الحالي وبحق الدفاع عن النفس، في حال تعرضت لأي هجوم من قبل قوات الأمن التركية.
من المنتظر أن يكون التفجير الحالي في حال ثبتت مسؤولية "داعش" عنه، فرصة أخرى للضغط على المجتمع الدولي والحلفاء، لحشد التأييد للتدخل التركي ــ العربي في سورية، وتوجيه ضربات لـ"داعش" بهدف إبعاده عن الحدود التركية، وإقامة المنطقة الآمنة في ريف حلب الشمالي الشرقي، والذي شهد تقدماً واضحا للتنظيم على حساب فصائل الجيش الحر، على خلفية التدخل الروسي الهادف إلى تعزيز وضع النظام السوري، وخصوصاً أن بعض الحلفاء، كفرنسا، باتوا يرون إقامة المنطقة العازلة وسيلة للتخفيف من أزمة اللاجئين التي تجتاح أوروبا، وأيضاً للوقوف في وجه الدعم الروسي الواضح للنظام السوري، واستهداف قوات المعارضة السورية، الأمر الذي استبقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتقديم العزاء لأردوغان، معبراً عبر الموقع الرسمي للرئاسة الروسية، عن استعداد موسكو للتعاون مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب.